ملك عُمان وقبيلة إماراتية في القرن الثاني قبل الميلاد
الثلاثاء, 10 ديسمبر, 2019 - 06:25 مساءً

في يناير 2016 كشف حاكم إمارة الشارقة الإماراتية عن اكتشاف فريق أثري بلجيكي في منطقة مليحة لكنز أثري ينطوي على أهمية تاريخية كبرى للمنطقة! يتمثل في نقش جنائزي يرجع إلى القرن الثالث قبل الميلاد.

والاكتشاف هو نقش جنائزي تم العثور عليه على شاهد قبر، وبحسب (حولية آثار الشارقة 15) فالنقش مكتوب باللغة العربية الجنوبية (خط المسند اليمني) إضافة إلى كتابته بالخط الآرامي (شمال جنوب الجزيرة العربية) ولاحقاً تم تمييز النقش على أنه مكتوب باللهجة الأحسائية؛ وهي إحدى اللهجات العربية التي استخدمت المسند الجنوبي (اليمني) في الكتابة، ومن وجهة النظر الأثرية يمكن إعادة هذا النقش على وجه التقريب إلى الربع الأخير من القرن الثالث قبل الميلاد بحسب التاريخ السلوقي المدون إلى جانب النقش الآرامي.

وترجمة النقش باللغة الآرامية بحسب حولية آثار الشارقة: (هذا؟ شاهد عمد بن جر الذي شيده عليه ابنه عمد في سنة 90 أو 97) أما الترجمة النص المكتوب بالمسند اليمني فكانت كما يأتي (شاهد وقبر عمد بن جر بن علي بقر (كاهن) ملك عُمان والذي بناه فوقه ابنه عمد بن جر بقر (كاهن) ملك عُمان)

ومن الواضح أن هذا النقش أحدث ضجة كبيرة عند اكتشافه؛ للأهمية التي يمثلها اكتشاف من هذا النوع لبلد مثل الإمارات العربية يبحث بكل الطرق عن تعزيز حضوره الأثري، إضافة إلى ما يمثله هذا الاكتشاف من تفوق – من وجهة نظر إماراتية-على السطوة الحضارية لسلطنة عمان التي كانت عبر التاريخ مركزاً حضاريا.

تم تداول هذا النقش في بعض وسائل الإعلام الإماراتية على أنه ضريح قبر ملك عُمان، ولاحقاً أنظم  بعض السياسيين الإماراتيين إلى حملة تفاخر باكتشاف قبر ملك عمان في الشارقة، وهو الأمر الذي أثار حفيظة بعض العمانيين، رغم أن معظم وسائل الإعلام الرسمية في الإمارات روجت لهذا الاكتشاف على أنه يورد أقدم ذكر لعمان في الكتابات القديمة.

بطريقة ما كان البعض يحاول أن يقول إن مركز المملكة العمانية القديمة هو منطقة مليحة في الشارقة، ولكن لغة النقش وسياقه كان واضحاً جداً بما لا يدع مجالاً للشك في أن لا علاقة له إطلاقاً بضريح ملك عمان.

وبحسب حولية آثار الشارقة فتفسير مفردة بقر التي وردت في النقش بالكتابة المسندية اليمنية هي كاهن بالاستناد إلى معنى المفردة في الكتابة النبطية، وبالتالي فالنقش يفسر نفسه بأنه ضريح لأحد الكهنة العاملين لدى ملك عمان، والذي بناه فوقه ابنه الذي أصبح وريثاً لأبيه في هذه المهنة، وعلى ما يبدو فإن الملك العماني –الذي لا نعلم موقع مملكته على وجه التحديد-كان له كهنة كثيرون يمثلونه في جميع المناطق التي يصل إليها نطاق سيطرته، ومن الواضح كذلك أن هذا الكاهن الذي أرسله ملك عمان لتمثيله في منطقة مليحة يستمد سلطته ونفوذه من قوة الملك الذي يمثله وهو ملك عمان.

ومع أن منطقة مليحة تمثل على ما يبدو من هذا النقش امتداداً طبيعياً لنفوذ ملك عمان، إلا أنها كانت بحسب الاكتشافات مركزاً تجارياً مهماً على خطوط التجارة الدولية.

إلا أن الكتابة الأثرية الأهم من وجهة نظري التي تم الكشف عنها في منطقة مليحة الأثرية، هي الكتابة التي درسها العالم الفرنسي كرستيان روبان، والتي يعيده إلى القرن الثاني قبل الميلاد، والتي كتبت بنقش المسند اليمني على حجر كلسي مستطيل الشكل.

والكتابة هي شاهد قبر، وترجمها العالم كرستيان روبان كالتالي (هذا شاهد وقبر ضريح عبيدة بن أوس الذي أقيم له بأمر غدانة بنت شمتكتبي بنت عشق أوس)

فيما يرى الأستاذ عيسى عباس، مراقب التنقيبات والآثار بإدارة الآثار بالشارقة، وعضو فريق التنقيب الأثري المحلي، أن هذا النقش يمكن قراءته كالتالي: (نفس وقبر عبيده بن أوس ذي بنت غدنت بنت تشمتكتبي سنت عش وأربع)
وما يهمنا من هذا النقش هو ورود أسم الآلهة كتبي، وهو آلهة مزعومة لعرب الشمال، يرد ذكرها في هذا النقش!

على أننا لا نرى أن كتبي هنا اسم الآلهة المزعومة لعرب الشمال، وإنما هو أقدم ذكر للحلف القبلي "بنو كتب/قتب" حيث يبدو من سياق النقش في الترجمتين أن كتبي هو اسم قبيلة المرأة التي بنت الضريح على قبر زوجها وربما قريبها عبيده بن أوس، وبحسب ترجمة عباس فالنقش بحسب التقويم الحميري يعود إلى العام 180 قبل الميلاد.

ونضيف أن غدانة اسم موضع في ولاية السويق العمانية، تسكنه قبيلة الغدانيين، مشهور بموضع "حلة بني غدانه".

وليس مصادفة ربما أن موضع النقش هو منطقة مليحة التي تعتبر مركزاً رئيسياً من مراكز انتشار بطون قبيلة الكتبي (بنو قتب)، حيث تقع منطقة مليحة في الجزء الشرقي الجنوبي من إمارة الشارقة، وتبعد حوالي 20 كم من جنوب مدينة الذيد التي تعتبر المركز الرئيسي لحلف الكتبي، ويسكن غالبية أفراد هذه القبيلة اليوم مدينة الشارقة، ويتوزع أفرادها في مناطق سهل الظاهرة ضمن إمارة الشارقة، وفي جنوبي واحة البريمي، وغالبيتهم في سلطنة عمان.

 ومن هذا النقش نعرف أن نساء قبيلة كتب شاركن بفاعلية في الشؤون العامة في القرن الثاني قبل الميلاد، في فترة سادت فيها كتابة المسند اليمني ككتابة رسمية في المستوطنات القريبة من موانئ الخليج العربي.

وفي العصر الحديث يبرز اسم الشيخة فاطمة بنت مبارك الكتبي زوجة مؤسس اتحاد الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كواحدة من الأسماء التي أثرت وبشكل كبير في سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة.

وبالتأكيد فإن تاريخ وحاضر هذه القبيلة العريقة التي تتداخل أراضيها اليوم بين دولتين هما سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة، يزخر بالكثير من الكفاءات والقدرات على امتداد المناطق التي تنتشر فيها بطون القبيلة وصولاً إلى دول أخرى.
 

التعليقات