في ذكرى فبراير ..مواجهة اشلاء الثورة المضادة 2
الثلاثاء, 11 فبراير, 2020 - 04:54 مساءً

في بداية2011 م ، كانت الشعوب العربية على موعدٍ مع حدثٍ تاريخي ؛هو ،اندلاع ثورات الربيع العربي بدءًا من تونس ومرورًا بأربعة دول عربية أخرى هي مصر واليمن وليبيا وسوريا ، وفي معمعة ذلك بدأ الحديث عن ثورات مضادة ، خصوصًا وقد تبينت استراتيجية كيف يتم الإحتفاظ بالأنظمة العربية التي كان سقوطها يمثل تهديدًا لبعض الدول العربية الأخرى في الخليج كالسعودية والإمارات إلى جانب تهديدها لأنظمة الإستبداد نفسها ، أصبح الحديث عن الثورات المضادة كالحديث عن الثورات نفسها ، وبدأت ملامح ترتسم في مخيلة جيل ترى بأن الثورة لغما ومنعطف تغيير خطر جرّ البلاد إلى واقعٍ دموي كالذي يحدث في الراهن مثلاً في اليمن وسوريا.
 
في مصر ، قامت الثورة المضادة البوليسية بالقضاء على الثورة والإلتفاف على ماتبقى من ملامح أمل ثورية خلاصية من النظام الإستبدادي السابق ، أنتجت هذه الثورة المضادة نظاما جديد قديما بصيغته العسكرية وبرموزه " اللاند " الذين شيطنوا  معنى التغيير وزكوا مبدأ السيطرة ، غير أن الثورة المضادة في اليمن كانت حالة خاصة.
 
 الثورة  في اليمن  شكلت حالة استثنائية ناجحة بمعناها المكتمل ، في الأيام الأولى لقيام الثورة لم يحتمل صالح مطالب الجماهير بطابعها الثوري السلمي ، بينما كانت القاعدة الجماهيرية تتسع أكثر فأكثر ، ومع بداية استخدام العنف والدفع بالبلاطجة لقتل متظاهرين سلميين خرجوا بصدورٍ مفتوحة أمام أعتى الأنظمة تغولاً وتسلطًا ، حدث على إثرها تشّرخ نظام صالح بفعل إنقسامات لم ترضَ مطلقًا بالنهج الذي انتهجه رأس النظام لتأديب المتظاهرين ، بدأت بيضة صالح العسكرية "تفقس " فانقسم الجيش الذي هو البنية الأساسية للحكم بين مؤيد للثورة ومشروعها وبين معارض قبلّ بصالح رئيسًا له دون أي معارضة ، مثّل الإنقسام الحاصل مايشبهه رجة في علبة كوكاكولا ممتلئة جعل مابداخلها يتطاير إلى خارج عنق الزجاجة ، حدث أيضًا ومنذُ الأيام الأولى أن التفت الأحزاب الوطنية وكثير من القبائل إلى جانب الثوار  ، حتى وصل الإنقسام إلى مستوى الحزب الحاكم نفسه الذي انضم عددٌ من ممثليه إلى جانب الثوار المطالبين بإسقاط النظام ، وهذي بداية قلبت مشهد الثورة اليمنية برمتها ما ارتأى للسعودية أن هذه الثورة ستكون خطرًا على نظامها الملكي إذا انتقلت اليها  شرارتها ، حينها قامت  جاهدةً لإحداث ثورة مضادة بدأتها بالمبادرة الخليجية التي كانت عبارة عن إنطلاق شرارة فضيحة الثورة المضادة في اليمن.
 
في تاريخنا  اليمني ، تبدو الصورة واضحة جدًا ، قامت الإتفاقيات بتحصين الفساد ومثلت نكبة وأزمة متفق عليها لليمن ونظامه الجمهوري ، بل إن إعطاء الإتفاقيات معنىٍ تاريخيًا وتحقيبها من ناحية سياسية هو منشأ تعميق الوصاية السعودية في اليمن ، وهذا ماحدث أيضًا في اتفاقيّ الرياض واستكهولم.
 
تضمنت " المبادرة الخليجية " بقاء رموز من عصابة صالح في حكومة الوفاق الذين كان لهم دور في تسيير المرحلة الإنتقالية وفق سياستهم ، كما ضمِنت هذه " المبادرة " تأمين بقاء أموال علي صالح التي جمعها زهاء ثلاثة عقود  من حكمه تحت تصرفه ، وكذلك أعطته الحصانة التي مثلت مانع من موانع المساءلة القانونية والقضائية عبر الحصانة ، هذه المبادرة عبثت بمناخ الأزمة وبدت تشتغل بتخطيط مدروس في القضاء على الثورة تدريجيًا.
 
 إثرِ ذلك ، كنا أيضًا على موعدٍ جديد من ثورة صالح المضادة ، التي كان ممولوها الأساسيون دولتي السعودية والإمارات من خلال استخدام أداة الدولة العميقة لنظام صالح بعد أن فشلت المبادرة الخليجية نفسها في إجهاض ثورة فبراير ، أيضًا عن طريق دعم صالح والسعودية والإمارات جماعة الحوثي لإنهاء حزب الإصلاح بدرجة أساسية كفاعل في المشهد السياسي وفي الثورة وكذلك سحق بيوتات تنتمي للحزب نفسه كبيت " الأحمر " وبعض قوى الأحزاب والقبائل والألوية العسكرية التي وقفت إلى جانب الثوار ، إن قيام علي عبدالله صالح بانتاج ثورة مضادة هو عمل تكتيكي يضمن بقاءه في السلطة على رأس الشعب بل لا أقول ضمان بقاءه فقط ، بل ضمان تجذره عبر نظام التوريث ، يبدأ برأس الهرم ولاينتهي عند حد من رؤوس الأهرام الأخرى من ورثة ، لكن هذا المشروع المضاد لم ينجح أيضًا ، حاليًا يقوم طارق عفاش بانتاج مشروع عمه صالح عبر مهاجمة الجيش الوطني المنتمي للشرعية والتي اندرجت فيه قوى الثورة.
 
 
في عام 2011 م ظن البعض أنّ من كانوا في الساحات يقفون على هدف ثوري واحد ، وغالبية الظنون كانت تذهب إلى أن الإنتصار لمشروع الثورة سيتحقق بيد جميع الأطراف الثورية وسيتم تنحية المصالح جانبًا والوثوق بالحل الثوري الهادف إلى الإطاحة بحكم صالح ، كانوا ثوارًا لكن الخيانة أيضًا كانت تتنفس بينهم ! ، كان تواجد الحوثيين في الساحة بجانب جميع القوى الهاتفة بإسقاط النظام من أجل هدف وحيد يُنوى تحقيق مصلحتة على حساب الجميع ( سياسة التواجد بين الجميع من أجلنا فقط ) ، وبقيت روح الجماعة فيهم في إتجاه مضاد من الجميع ، وهذا هو بالذات دخول الثورة من موقع اللاثورة ، بواقع أن ثورة فبراير كانت إرادة شعبية جامعة ، وليست " أنا " الجماعة أو الأقلية التي غالبًا ماتكون " ثورة مظلوميه " وليست ثورة شعبية جامعة ، أو " أنا " السلطة والزعامة التي غالبًا ماتكون ثورة مضادة ، رأت جماعة الحوثي أن الثورة عبارة عن فرصة ، فكان فكرها الثوري عبارة عن مقاربة الخصوم لإلغائهم وإزاحتهم عن المشهد ، واتخاذ الثورة تعبيرًا عن أنّاهم الطائفية المذهبية وليست تعبيرًا عن الشعب عبر دينامية " أنا " التوحد الكلية.
 
استفاد الحوثيون خلال ثورتهم الطائفية المضادة من جميع الأطراف الداعمة ( صالح ، السعودية ، الإمارات ) وقاموا بخلط الأوراق إثرَ إنقلابهم في صنعاء ، كان خطأ استراتيجيا من قِبل ثالوث الدعم للثورة الطائفية المضادة ، كل لقى نتيجة خطأه في دعم هذه الجماعة التي تحركها إيران وفق سياسات طائفية ومذهبية ، بدأت الجماعة بعد إنقلابها على سلطة الرئيس هادي بإقامة مناورات عسكرية على حدود السعودية ، وانقلبت طاولة التحالفات المتفقة إلى حرب قادها التحالف ضد الحوثيين في مارس 2015 م ولم تتوقف بعد.
 
إنكشفت الخلافات بين جميع قوى الثورة المضادة وبدأت تتسع الهوة بينهم ، صالح والحوثي الطرفان المحليان في وجه تحالف السعودية والإمارات ، مما استدعى ذلك " حرب مواقع " كما يسميها المثقف أنطونيو غرامشي ضمن تدافع هذه القوى إلى اعادة إنتاج تحالفات جديدة غير تلك التحالفات الماضوية ، ذهبت الدولتان الخليجيان إلى إقامة تحالفٍ مع قوى الثورة وحزب الإصلاح العريق الذي بدا سياسيًا أنه أمام تهديد وجودي لكيانه.
 
في نظري ، الثورة المضادة دائمًا ما تأتي من الجسم السياسي الأعلى ، من السلطة نفسها أو حتى  الجماعات الموغلة و النخب السياسية والعسكرية ، أو من قبل دول إقليمية ودولية ، ولكنها لا تأتي من قبل الجماهير المطالبة بحقوقها ، هذه لاتسمى ثورة مضادة ، وذلك يبدو واضحًا حتى للعوام ، إن ثورة فبراير كانت ردة فعل جماهيرية تجاه سياسة الدولة الإستبدادية رغم ذلك لم تكن مضادة ، كانت ردة فعلٍ ثورية جماهيرية سلمية ولم تكن كما حدث من قبل السلطة التي قامت بردة فعلٍ إنتقامية مضادة ، طرأ في المشهد أيضًا أكثر من ثورة مضادة ، مايجعلنا نقف أمام تصور ثورة مضادة بالتكاثر ، ولكنها كانت بمجملها ثورة مثقوبة من الأسفل ، أي لاتعبر عن تطلعات الجماهير.
 
لقد إنتصرت الثورة ، فيما كانت بعض الرؤوس اليائسة تتدافع باتجاه الجدران الصلبة ، اليوم تنتشر حرب الشائعات كثيرًا وهدفها قتل المعنويات ، خصوصًا بعد معركتي الجوف ونِهم ، كانت الثورة تخوض معركتها أيضًا ، ورغم تحالفات الأعداء لم تنهزم أو يضيع مشروعها السياسي والثوري ، سقوط أجزاء من جبهة نِهم أو الجوف لايحدث أي إنهزام في العقيدة القتالية والثورية المشبعة.

*مقال خاص بالموقع بوست.

التعليقات