المعنى الجريح للحياة في رواية مراكب  الضوء
الثلاثاء, 07 أبريل, 2020 - 09:43 صباحاً

تتجه الرواية الحديثة في العالم الى ماهو ابعد من السرد والحبكة الفنية الى  رواية المعنى والرؤية اذ لايخلو السرد الحديث من المعاني الكبيرة والتصورات الكلية في المضمون الذي يتبدى في قالب السطح الفني منسوج بمفردات يراد من خلالها تحقيق المزيد من الالتقاطات ذات الصلة بمعنى الحياة البشرية بفترعاتها وما يحيط بالإنسان وما يدور في اعماقه.
 
في رواية مراكب الضوء للاديبة اليمنية نجلاء العمري يلاحظ المتتبع لنتاجها الأدبي من المجموعة القصصة التي مثلت بزوغها الأدبي وحملت اسم قلبك ياصديقي الى رواية ذاكرة لاتشيخ وفي العنوان انزياح لفظي بالغ المعنى والتأثير ترميز لذاكرة شابة وحيوية مفتولة التفاصيل والذكريات بكامل فتوتها في سرد مراكب الضوء يتضح النضج السردي للروائية من حيث التكثيف والرشاقة في اللغة التي يتجلى الاقتضاب فيها والتخفف من الجملة الانشائية للميل نحو الجملة الالتقاطية ذات المعنى الدلالي بتفرعاته.
 
سأنتهج في كتابتي عن الرواية تحليل مقطوعات سردية تمثل مضامين جوهرية وانا هنا سأحلل مضمون الرواية من حيث المعنى في هذه الحلقة ثم في حلقات  جانبية اتحدث عن السرد والجملة السردية والحبكة.
 
"ابحث في عيون  ..عيون الناس عن نفسي فاجدني غريبة لااشبه احداً واخط لي خطا حتى الافق الممتد فاراني اسير بمفردي والكل قد تخلف عني ..تعشقني الدنيا غير انها تحرمني من اعز مفرداتي ..حرية لا يعرفها احد ..لم يخلقها الله في الارض المغلقة.غير اني كنت ابحث عنها في الارض المغلقة".
 
 تحضر التأملات والبحث والسعي ويحظر الفعل المضارع المستمر في السعي نحو حياة مغايرة حياة عامة وحياة ذاتية من خلال عيون الناس عن الذات ثم يذهب الإيقاع السردي والحبكة الى خلاصة النتيحة للذات المبحوث عنها حيث الذات التي جسدتها من خلال شخصية المسرود الذي وجدت ذاتها غريبة لاتشبه احد.
 
لتمضي نحو الأفق الممتد وتسير بمفردها والكل قد تخلف عنها وهنا تجسيد لمعنى فرداني للحياة خارج المجموع الذي يحيل الفرد الى عالم من ضباب الفرد أي فرد بدلالته الاجتماعية كأنثى او بدلالته المؤسسية   في المؤسسة الدينية او في المؤسسة السياسية كسلطة ..
 
لقد اخذني  قطعة البحث عن الذات في الرواية التي  مثلت تكثيف بالغ الأثر والمعنى انطلقت من خلاله للحديث عن مضمون واحد من مضامين الرواية واظن انه مضمون محوري والرواية تتطلب اكثر من قراءة للسرد من الناحية الفنية وللمضمون من ناحية الرؤية للرواية.
 
ثم يذهب السرد نحو معنى أوسع نحو الدنيا التي التي تعشق السائرة منفردة لتأخذ منها مقابل ذلك العشق اعز المفردات من بينها حرية لايعرفها احد ولم يخلقها الله في الأرض المغلقة وهي التي كانت تبحث عنها في الأرض المغلقة
 
في قطعة سردية أخرى يذهب السرد نحو التفتيش اللاذع في قاع الذهنية الاجتماعية وتضع شخصية المسرود عنها وجها لوجه مع الجروح الاجتماعية المفتوحية في المرويات التي شكلت نظرة المجتمع نحو المرأة ورسم دور معين لها وضع لافتة دخولها وخروجها ورسم حياة اقل ما يمكن وصفها بحياة القبو.
 
"البنت تخرج 3 مرات من بطن أمها الى الدنيا ومن بيت ابوها الى بيت زوجها ومن بيت زوجها الى المقبرة".
 
هنا تحضر المكاشفة الاجتماعية من خلال السرد حيث اللاحياة حيث القيود حيث الهيمنة والوصمة الاجتماعية خارج الطريق المظلمة التي تم رسمها للمرأة بطن الأم وبيت الأب وبيت الزوج مثلث المساحة المتاحة للمرأة للتحرك فيه قبل ان تخط رحلتها الأخيرة الى المقبرة وهنا تكمن أهمية البحث عن معنى الحياة في الرواية في النص الروائي حيث اللاحياة للمرأة في الواقع الاجتماعي.
 
 يستيقظ جرح النسوية في اليمن لدى الأديبة الألم الاجتماعي الكبير الذي جسدته المعاني الاجتماعية القاتلة لحياة المرأة وحريتها وتوردها في سياق النص وتحمله شخوص الرواية وحواراتها لتضع السؤال الجريح هذه المرأة في المجتمع الذي منه كاتبة الرواية والشخوص المروية.
 
لم تخلو الرواية من الإيقاع الحزين من الجمل اللاسعة من العبارات بالغة المعنى والتأثير مزحومة بجروح المعنى معنى الحياة الأنثوية على وجه الخصوص المعنى الجريح  بالدلالة الفنية و والمعنى الذبيح في الدلالة الاجتماعية حيث الدفن المعنوي لشخصية الأنثى بالغ الحضور وهذا الذي جعل التساءلات والحوارات والتناولات في الرواية ذات إيقاع جريح في السرد منها ماجاء على هيئة تساؤل دامي.
 
ـ هل تموت اللحظات الحزينة ومن قال ذلك ؟
ـ انها تتسرب من قاع قلوبنا
ومنها مايجعل الضحكة استثناء والصمت اصل في الحياة
ـ كلما ضحكنا عدنا للصمت بعض ثوان
ومنها ما يجعل الشرود ملازم للحزن الثقيل بطعم الدموع المالحة التي تفتقر للحد الأدنى من الطراوة
ـ نشرد في حزن ثقيل لنعاود الضحك بدموع  مالحة وراكدة
 
من المعاني  ما يندد بالجفاف بفقدان الاخضرار وللقلب الأخضر حكاية في التناولات الشعبية وعلى وجه التحديد في اب وسط اليمن حينما يقول المرء كان ذكرا او انثى ان قلبه اخضر هي  إشارة لسلوان القلب والاقبال على الحياة وهنا جاء المعنى الجريح  في صيغة الحوار مع امنة.

 
ــ انا اخسر خضرت قلبي ياآمنة"
فيما يتعلق بالالتقاطات التقاط النظرات ورصد الخطوات والمعاني التعبيرية وحديث الأمكنة منها ماجاء على هذا النحو
ـ نظر الى وغادر نفسه كعابر سبيل لايعرف وجهته.
وقال "نبحث عن الحرية في مطارات الوطني العربي وفي جامعاته ومدارسه.
اننا محبوسين في قفص صغير ونمارس حرية معلبة".
 
وهنا يتجلى المعنى الجريح للحياة بدلالته السياسية وهي انتقالة جيدة بين المعنى الجريح للحياة بدلالته الاجتماعية في المجتمع المحلي اليمني حيث المرأة هي المجروحة بالمعنى الجريح للحياة الاجتماعية والمعنى الجريح بدلالته السياسية في الوطن العربي حيث المواطن ذكرا وانثى هو المجروح بالمعنى الجريح للحياة السياسية في المطارات المغلقة والحدود والرسوم والجامعة والمدرسة ضحايا قمع السلطات والوطن باعتباره قفص صغير فيه حرية  فاقدة جودتها تم تسميتها بالحرية المعلبة.
 

التعليقات