اللحظة الأولى التي سمعت فيها اسم "المقالح" وأنا في طفولتي لحظة استماعي للراديو عبر برنامج "خواطر"من إذاعة صنعاء، أيام كانت إذاعة صنعاء تمثل امتداداً لروح 26 سبتمبر وحوت روادها الكبار الأستاذ "البردوني" والأستاذ "المقالح".
الكلمات العذبة للمقالح كانت تتدفق إلى ذاكرة الطفل مثل فيض الحياة بلا تدبير ، وبات لهذا الاسم الوطني رنين قبل أن يقع في يدي ديوانه الشعري بسيف الثائر علي ابن الفضل وأنا في الثانوية ، ومن بين ثنائي ذلك الديوان روح القومية اليمنية وانتصاف للرمز الكبير علي ابن الفضل المستهدف الأول من فئران التاريخ الهاشميين الإماميين والميراث الأسود الذي احتلواْ من خلاله الذاكرة اليمنية قروناً طويلة.
قبل 3 أيام كتب مصطفى راجح منشوراً قصيراً علقت منه في ذاكرتي جملةٌ قصيرة " كلمة المقالح تزن البلد" هي إشارة لما تعني كلمة المقالح من الكلمات التي تزينت بها صنعاء أو الكلمات التي انحازت إلى الكلمات العليا لليمن الجمهوري أوقصيدة العبور التي لم يعرف العرب لها مثيلا ، وكانت تدرس في المناهج المصرية والذي أخبرني عنها الدكتور الكبير المرحوم خالد الصوفي أنها خلاصة الموقف اليمني العظيم.
في ملحمة 6 أكتوبر 1973 وتحديداً هذه الأبيات الخالدة:
يا عابر البحر..كان البحر أغنيــــةً
والشط عاشقـــــةً تومــــــي وتنتظرُ
ترنو إليك بــــأجفــــــانٍ مقرَّحـــةٍ
وقـــــد عبــرتْ إليها.. وانتهى السهرُ
هبطتَ سينا -على اسم الله- منتصراً
فضوأت.. واشتوى في نــارها الخطرُ
بعد أن غادر رواد المشروع الجمهوري اهتم المقالح بما من شأنه تعزيز حفظ الذاكرة الجمهورية وتحفيز الحركة الإبداعية اليمنية باعتبار الإبداع والكتابة فعل حرية فمكابداته في الحياة منذ فجر الثورة وماقبلها والمرحلة العمرية التي وصل اليها تحتم عليه ذلك.
في ثورة الشباب كان لقصيدته الخالدة في جمعة الكرامة أثر كبير في نفوس الشباب :
خانتني ثقتي بالشعر
وغطىّ الدّم النازف
من صدر الساحة
وجه الكلمات
وما عادت عيني
تتبين شكل الأشياء
ولون الأشياء
وقد التقيت به حينها شخصيا، ومعي الثائر همدان الحقب ، و الروائي بسام شمس الدين ، وصالح سعيد الحقب ، وأبلغنا رسالته لشباب الثورة قائلا: "أخبروهم أني إلى جانبهم ووددت لو قبلت رؤوسهم واحداً واحداً كان ذلك في وهج الثورة"..
منذ الانقلاب الغاشم والاجتياح الكهنوتي حاولت المليشيا الهاشمية الإمامية أن تستميل الرمز الجمهوري بأعمالٍ هي أقرب إلى الخساسة مثل الزيارات المباغتة إلى مقر عمله في المركز اليمني للأبحاث والتقاط الصور معه وأخذ تصريحات كان فيها بالغ الذكاء لكنها لم تنل إلا مايناله صوت الغراب من هدير السيل.
بعد اختطاف خالد الرويشان من قبل ذات العصابة سجل الدكتور عبد العزيز موقفاً يدين اختطافه واختطاف كل معتقلي الرأي في اليمن ويطالب بالإفراج عنهم.. قلت لصديقي وقتها انتظر فئران التاريخ من بعض الاكاديميين وأنصاف المثقفين الهاشميين كيف سيخرجون حقدهم الدفين على المقالح دفعة واحدة.
بالأمس خرج المزور الكبير احمد الحبيشي لاعادة نشر مقال للتمنطع الدكتور محمد علي الشهاري الإمامي الذي درس البكالوريوس والماستر والدكتوراه على حساب اليمن الجمهوري ثم وظف كل ذلك في خدمة الكهنوت حملت مقالته تزويراً على علم اليمن الخالد وكالعادة على الطريقة الإمامية "فرّق تسد" محاولةً النيل من المقالح من خلال استحضار علم اليمن الخالد عبدالله البردوني .
مقال الشهاري الذي توفي قبل فترة لم يأت بجديد وهو يكرر مغالطات وأكاذيب من بينها أن المقالح تم تعيينه مستشاراً بتوجيهاتٍ سعودية وأن المقالح دعا البردوني لحفلة ورفض وكما هي مقابلات الأستاذ عبد الله البردوني وكتاباته وتقديمات الدكتور المقالح لشعره كانت علاقة الكبار لدرجة أن البردوني في مقابلة تلفزيونية -أحتفظ بها في إرشيفي- كان يستشهد في الحديث عن دواوينه الشعرية عن رأي الدكتور المقالح عنها.
المقالح لليمن مثل سهيل اليماني ولصنعاء مثل غيمان ولن تنال منه فئران التاريخ وهي تستقوي عليه كجمهوري ومدني واعزل رغم سنه ومكانته اليمنية والعربية في محل إقامته بصنعاء التي أصبح فيها محاصراً وأعزلاً.. لكنه أحد جبالها الرفيعة..