التقييم الصحفي للمحتوى الإخباري في اليمن
الإثنين, 31 يناير, 2022 - 08:02 مساءً

عملية التقييم لأي محتوى صحفي أو وسيلة إعلامية، ليس مجرد روتين يومي، أو عمل إجرائي شكلي، إنها واحدة من الأعمال التي لها العديد من الاشتراطات والشروط لعل في مقدمتها النزاهة وعدم الانحياز والخبرة.
 
مؤخرا ظهرت العديد من الجهات التي تدعي أنها تعمل في هذا الجانب، وكل طرف يلقي بعصاه، ويدلي بدلوه، وللأسف بدلا من العمل والتقييم السليم والمنطقي للمحتوى الإعلامي والرسالة الصحفية أضاف هؤلاء مغالطات أخرى، وعملية تشويش جديدة، ونالوا من الآخرين أكثر مما يخدمون العمل الصحفي.
 
من هذه المواقع يمن فيوتشر، وهو موقع ظهر في العام 2020، أي أن عمره الصحفي ربما لايتجاوز العامين.
 
هذا الموقع خاض مؤخرا في العمل الصحفي الإلكتروني، ولكن للأسف بطريقة تفتقد للمهنية ولاحترام العاملين في هذا الوسط الإعلامي المتسع، وللظروف الراهنة التي تعيشها الصحافة الإلكترونية اليمنية.
 
هذا الموقع حديث التجربة قدم مؤخرا تقريرا قال فيه إنه قيم المواقع الإخبارية ومستوى تعاملها والتضليل الذي تمارسه خلال فترة حددها من 16 ديسمبر حتى 16 يناير.
 
النتائج التي خرج بها تبدو واهية وغير دقيقة للعديد من الأسباب:
 
أولا لا يحق لموقع إلكتروني تقييم نظرائه من المواقع المماثلة والمنافسة، والمفترض مثل هذا التقييم إن صدر فليصدر عن منظمة صحفية إعلامية لا تعمل في نفس المجال الذي تقيمه وتدرسه.
 
ثانيا التقييم لا يأتي من موظف في ذات المؤسسة، ويتبع نفس الموقع الإلكتروني التابع للمؤسسة، ومن موظفين لا يعلم أحد مدى خبرتهم حتى يصدروا مثل هذه النتائج.
 
ثالثا عدم معرفة هوية المواقع المستهدفة، والمعايير التي انتهجها الموقع القائم على العملية، علما بأن التقييم للأخبار المضللة هو نسبي، ويخضع لمزاج ورؤية وانحياز القائم على عملية التقييم خاصة مع غياب المعايير الموضوعية لعملية التقييم.
 
رابعا: عدم معرفة المواقع التي كانت قيد الدراسة والملاحظة والرصد، فلا يمكنك مثلا أن تضع بعض المواقع بنفس الدرجة من المقارنة مع مواقع أخرى، مثلا لا يمكنك أن تقارن موقع عدن الغد مع موقع الأمناء مثلا، وهكذا.
 
أود هنا أن أسرد تجربة ناضجة في عملية التقييم الصحفي للمحتوى الإخباري في اليمن.
 
هذه التجربة كانت تنفذها مؤسسة حرية التي يراسها الزميل خالد الحمادي، وانطلق مشروع التقييم التابع لها مطلع العام 2014م، أي في ذروة الصراع المسلح الذي انتهى بسقوط العاصمة صنعاء، واستمرت إلى أبريل من العام 2015 أي بعد خروج السفارات والحكومة في صنعاء وانطلاق أعمال التحالف العسكرية في اليمن.
 
كان هناك ثلاثة فرق، الأولى مختصة بتقييم المواقع الإلكترونية لعدد ثمانية مواقع تمثل كل الأطراف اليمنية، والثاني لتقييم الصحف الورقية لعدد سبع صحف، والثالث لتقييم القنوات الفضائية التي كانت حينها موجودة.
 
وضعت المؤسسة ثلاثة معايير رئيسية للتقييم، وتحت كل معيار رئيسي عشرة معايير فرعية، بإجمالي ثلاثين معيار كلية، تتضمن مختلف زوايا التقييم الإعلامي المهني، وكذلك تقييم خطاب الكراهية والتحريض، وغيره، ووضعت هذه المعايير بعد اجتماعات عديدة مع صحفيين ورؤساء مؤسسات صحفية ومراسلين أجانب، وجرى تصميم برنامج إلكتروني لعملية التقييم، وتدريب فريق عمل مختص وعمل في مجال تخصصه لسنوات، وأبلغت الجهات المستهدفة بعملية التقييم والمعايير، ثم بدأت المؤسسة بالتنفيذ.
 
عملتُ حينها في تقييم المواقع الإلكترونية مع زميل آخر بشكل يومي طوال الفترة المحددة، والنتيجة كانت مذهلة في التقييم، وخلقت علاقة تكامل وشراكة مع تلك الجهات، وأبانت العديد من الأخطاء في العمل الصحفي، وكشفت بنفس الوقت الجهات الإعلامية التي كان لها خطابا مسيسا وموجها في ذلك الوقت، وكانت النتائج الشهرية ترسل لكل صحيفة إعلامية مستهدفة في التقييم متضمنة إحصائيات، ومواقع الخلل في مختلف المواد المرصودة التي كان عليها ملاحظات من قبل المؤسسة الراصدة، وبذلك تستفيد الوسيلة الإعلامية من الملاحظات، وتقوم بعملية التصحيح، وتراجع طريقة أدائها، وهذا خلق علاقة شراكة وتعاون استفاد منه الوسط الإعلامي والعاملين فيه، وكانت تجربة يفترض بها أن تستمر وتبقى، ولكن دخل الحوثيون صنعاء، وصار من الصعب مواصلة العمل الإعلامي، ثم جاءت الحرب، وأكملت ما تبقى.
 
لذلك عملية التقييم لأي محتوى في أي موقع إلكتروني أو وسيلة إعلامية لا يجب أن تنبع من الأهواء، وبشكل مزاجي، وباسلوب يهدف لانتقاص كثير من المواقع العاملة في مجال الأخبار، وبطريقة غامضة، ومن موقع منافس يدعي أنه الأفضل وأنه الرقيب على الصحافة الإلكترونية، وبمعايير مجهولة.
 
هناك العديد من المواقع اليمنية التي تمارس العمل الصحفي في اليمن، وتقدم محتوى خاص وحصري، ومستمر، ومتنوع، وكثيف، وهي مواقع كثيرة، ثم يأتي هؤلاء ويهضمون العديد منها بهذا الشكل، وأتذكر أن أحد هذه المواقع أجرى تحليلا لخبر ما في أكثر من مواقع، وخرج بنتيجة أن هناك تضليل في الخبر، وبعد التحري اتضح أن الخبر جرى تناوله في أكثر من موقع ولكن بزوايا مختلفة، ومن اعتبره مضللا في موقع اعتبره أخر صحيحا والعكس.
 
لذلك تحتاج هذه العملية لدراسة وتحري وخبرة وتجربة وإنصاف ومعايير، وشرح وتفسير لكثير من المفردات، فالخبر المضلل لدى جهة ما قد لايكون كذلك لدى جهة أخرى، والتضليل أيضا مستويات عديدة، والمواقع التي تعمل بغزارة في الأخبار لا يجعلها بعيدة من الوقوع في فخ التضليل دون قصد، بينما المواقع قليلة التحديث أو ليس لديها توسع إخباري بالتأكيد لن تقع في مصيدة التضليل لندرة تحديثها اليومي.
 
ومع التطرق لموقع فيوتشر يمن، سأورد هنا رصدا لما نشره الموقع في يوم واحد فقط، ولنأخذ مثلا تغطية الموقع ليوم 30 يناير والتي خرجت بالتالي:
 
يعتمد على النقل من مصادر أخرى في كثير من الزوايا، وهذا الأمر جعل منه مجرد ناقل لا أكثر.
 
تدني نسبة تقديم المحتوى الخاص في الموقع سواء في الأخبار أو بقية النوافذ.
 
عدم وجود أسماء متعددة لصحفيين يعملون في الموقع، ما يعني أن موظف واحد قادر على أن يقوم بكل العملية التحريرية في الموقع.
 
تدني نسبة المحتوى الخاص باليمن باعتبارها صحيفة يمنية وتتناول واقع اليمن الراهن بتغطيتها الصحفية، وهو ما يظهر الموقع باردا وقليل الأخبار.
 
يفتقد الموقع لكثير من المعايير المهنية في العملية التحريرية، ويغيب عن تناول العديد من التطورات والأحداث.
 
وبالتالي لا يمكنك وأنت أحد مصادر الخلل ومظاهر الضعف وتفتقد للحد الأدنى من العمل والمعايير المهنية المطلوبة أن تمارس الرقابة على الآخرين بهذا الشكل، ولا يمكنك أن تحكم على أحد في شيء انت نفسك متورط فيه.
 
هؤلاء الناس ربما لا يعرفون الصحافة الإلكترونية جيدا، ولا يعرفون أيضا ما هي الصحافة التي تعمل الآن، ولا يستطيعون حتى التفريق بين مستوى الأداء وحجم العمل، وتنوع الزوايا الإخبارية لكل موقع إلكتروني.
 
أما عند استعراض عناوين اليوم الواحد للموقع فكانت النتيجة كالتالي:
 
الخبر الأول عبارة عن خبر من موقع المجلس الانتقالي وكتب في جهة المصادر المجلس الانتقالي، بينما لم ينشر الخبر كاملا من المجلس الانتقالي كمصدر، بل قام بتحريره، وثانيا لم يرفق رابط خبر المجلس الانتقالي وسط الخبر ليثبت للقارئ أن الخبر فعلا من المجلس الانتقالي.

الخبر الثاني والثالث: خبرين رياضيين منقولان من موقع فرانس24
 
الخبر الرابع بعنوان: نيويورك: الحوثيون يحتجزون يهود ومسيحيين ويحاكمون مهجرين بهائيين وهو عبارة عن تغطية لخبر قصير من تقرير الخبراء، وأغفل الخبر زوايا عديدة لتقرير الخبراء عن مختلف الأطراف اليمنية.
 
الخبر الخامس بعنوان: اليمن: الحوثيون يسلمون الامم المتحدة احتجاجا بشأن منع سفن وقود من دخول الحديدة
وهو عبارة عن خبر منقول من قناة المسيرة التي وضعت كمصدر للخبر، ولم يتم ارفاق أي شيء يؤكد أن الخبر فعلا جاء من المسيرة.
 
الخبر السادس بعنوان: الرياض: وزير الخارجية اليمني يقول ان السلام لن يتحقق مالم يتم تغيير قواعد اللعبة واسقاط فرضية الحوثي، وهو عبارة عن خبر منقول من صحيفة الأيام وصحيفة إندبندنت العربية.
 
الخبر السابع بعنوان: كأس الأمم الأفريقية: قمة عربية نارية بين مصر والمغرب.. والفائز يواجه الكاميرون بنصف النهائي، وهو خبر منقول من صحيفة فرانس24.
 
الخبر الثامن بعنوان: توقعات أبراج الأحد 30 كانون الثاني - يناير 2022
 
الخبر التاسع بعنوان: تحليل: التحول التركي المتوقع نحو حرب اليمن، وهو خبر منقول من مركز صنعاء للدراسات.
 
والخبر العاشر هو التحليل الذي قال الموقع أنه رصده لتقييم المواقع الإخبارية اليمنية.
 
في كل الأحوال الكلام واسع عن هذا الأمر، ولنا وقفات أخرى قادمة.
 

التعليقات