الحرب الروسية الأوكرانية وما بعدها هي مرحلة تقليم مخالب الديكتاتوريات الأسيوية
الجمعة, 04 نوفمبر, 2022 - 07:25 مساءً

مع الاعتراف بحجم الثقل العسكري لروسيا والأهمية الاقتصادية للصين والأذرع المسلحة لإيران والصواريخ البالستية لبيونج ينج، إلا إن الحديث عن انتهاء الهيمنة الغربية أو نظام القطب الواحد الذي نسمعه من الرئيس الروسي أو الصيني ... هي خطابات أمنيات لا وقائع تسندها على الأرض، فالقطب الغربي المهيمن قطبٌ له سمات محددة ضمنت ولا تزال تضمن له الهيمنة... بدءًا بالليبرالية في الاقتصاد والديمقراطية في السياسية والتقدم في البحث العلمي والسبق في الابتكارات..  فما هي سمات الدول التي تقدم نفسها كأقطاب تنذر بإنهاء الهيمنة الأمريكية الغربية؟ هل هي الدكتاتورية في الحكم والاستيراد للتكنولوجيا كما هو حال الصين التي تحولت من ديكتاتورية الحزب الواحد إلى ديكتاتورية الفرد، أم أن المنافس للغرب الرأسمالي هي روسيا البلد الذي يعتمد على الاقتصاد الريعي (النفط والغاز) ولا يتجاوز اقتصاده اقتصاد دولة أوروبية كإيطاليا؟ فروسيا منذ أن تخلت عن الأيديولوجية الاشتراكية تحاول تقليد الغرب في الاقتصاد متجنبةً أي تحديث في مضمار الحكم والسياسية، مع العلم أن الاتحاد السوفيتي الذي شكل القطب الثاني في العالم عقب الحرب العالمية الثانية حتى عام 1990 كانت رافعته الأيديولوجية هي الاشتراكية التي نجحت في تحقيق قدر من العدالة الاجتماعية، بوصفها بديلًا للرأسمالية التي كانت تبدو متوحشة لاسيما قبل أن تستفيد من الاشتراكية في الانتقال من رأسمالية متوحشة إلى رأسمالية اجتماعية، كما هو الحال في أوروبا.
 
 وبعد انهيار القطب الشرقي وأفول نجم الأيديولوجية الاشتراكية أعلن المفكر الأمريكي صامويل هنتنجتون عن مرحلة صراع الحضارات بين المسيحية والإسلام باعتبارها السمة المميزة لمرحلة ما بعد الحرب الباردة، وسواءٌ تحققت نبوءة المفكر الأمريكي أم تم السير على هديه فقد عاش العالم ما سُمي بالحرب على الإرهاب منذ 11 سبتمبر 2001 حتى اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية في 24 فبراير 2022، التي يبدو أنها طوت مرحلة صراع الحضارات، ودشنت حقبة جديدة، ليست صراع حضارات ولا حرب عالمية ثالثة لكنها  - في تقديري - صراع الديمقراطيات لكبح جموح الديكتاتوريات، بدءًا بالتصدي لروسيا ومرورًا باحتمالات نشوب حرب مع الصين  للدفاع عن تايوان، وليس انتهاءً بما يمكن أن تسفر عنه استفزازات كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية واليابان من احتمالات نشوب حرب في شبه الجزيرة الكورية، وصولًا إلى تقليم مخالب القوى الاستبدادية الحالمة بالهيمنة في منطقة الشرق الأوسط.
 
ووضع الأنظمة الديكتاتورية في مواجهة الغرب الديمقراطي يستند إلى ما يحدث من إعادة فرز للتحالفات الدولية، حيث نلاحظ اصطفاف الديكتاتوريات في خندقٍ واحد، بما فيها الأنظمة الخليجية الاستبدادية التي ظلت حتى الأمس القريب الصديق الودود للغرب الديمقراطي، رغم علمها أن الغرب ليس لديه أهداف قيمية في حروبه المزمعة سوى الدفاع عن مصالحه، وليس لدى الغرب نوايا لتغيير هذه الأنظمة نحو الديمقراطية لكن يبدو أن بعض الديكتاتوريات وجدت أن لديها فائض قوة، وتعتقد أن  من حقها أن تتقاسم النفوذ مع القوى الغربية المهيمنة، إلى جانب هاجس التصدي الاستباقي للتحول الديمقراطي، الذي يجعلها ترى أن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، فعدوى الديمقراطية يمكن أن تنتقل في أي لحظة، وهو ما فهمته الأنظمة الغربية التي رغم برجماتيتها لن تتخلى عن تدمير أي ديكتاتورية تتمرد عن المركزية الغربية وتشق عصا الطاعة لأمريكا.
 
 

التعليقات