استجلاءات في مآلات اليمن
الثلاثاء, 21 يونيو, 2016 - 12:29 صباحاً

فتحت وسائل الإعلام التقليدية، ومثلها الافتراضية، سيلاً من التغطيات لشؤون اليمن في نزعة تشكيكية، دأبت على مثلها الوسائل الموجهة من قبل إيران، والوسائل العربية المعادية التي تدور في الفلك الإيراني، وكان اختيارها هذه المرة محاولة التشكيك في موقف الإمارات، واتخذت من جزئية عابرة في محاضرة وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش، ضمن النشاط الثقافي لديوان صاحب السمو ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في شهر رمضان المبارك، أشار فيها إلى أن حالة الحرب في اليمن تقترب من نهايتها، وأن المهمة المقبلة لدولة الإمارات في اليمن سوف تتجه إلى إرساء الاستقرار السياسي والبناء الاجتماعي، وجهود التنمية الاقتصادية، لبلد يقف الآن على مشارف الإفلاس.

 
هكذا يبدو الأمر، وكأنه تبشير بمرحلة جديدة من أداء الإمارات في الجنوب، ومن أداء التحالف في اليمن ككل، وهي مرحلة ما بعد الحرب، التي تضع اليمن في طريق المستقبل المكرس لإرساء قواعد الحكم واختيار النظام السياسي الجديد والتهيئة لاتخاذ قرارات صعبة وشجاعة تمس القضايا الجوهرية، مثل شكل النظام في اليمن، ودور ومستقبل القوى الخاضعة للنفوذ الإيراني، ومثلها طبيعة العلاقة الخليجية- اليمنية، والبحث عن مصادر التمويل لإنقاذ اليمن من ورطته التاريخية، التي وضعه فيها الحوثيون والرئيس المخلوع، وكيفية تجنيب اليمن في أن يصبح منطقة نفوذ إيرانية كاملة، تهدد المشروع العربي الخليجي بأكمله، وكلها قضايا صعبة ومعقدة وتحتاج إلى جهد خارق وإمكانيات هائلة، وإن كانت لا تصل إلى حجم تكاليف الحرب بطبيعة الحال.
 

لو أننا جمعنا ردود الأفعال على ملاحظة الدكتور قرقاش، وصدقنا ما قيل فيها لكان الوضع الآن خارج السيطرة، ولكانت الإمارات الآن خارج التحالف، ولكان الحوثيون يعيثون في أحياء عدن فساداً، ولكان التحالف في خبر كان.
 
في اعتقاد أبواق الدعاية الإيرانية أن الإمارات خرجت من التحالف ورضيت من الغنيمة بالإياب. وحرب اليمن انتهت بانتصار الحوثيين. أمّا الواقع فقد أوضحه أنور قرقاش، ورد على المرجفين بتصريحه الحاسم حين أكد التزام الإمارات الدفاع عن مكاسب المواجهة وحرب التحرير، وأكد النية على الاتجاه للبناء.

 
إن تجليات الموقف الآن تشي ببدء مرحلة جديدة، يكون فيها الجنوب وبقية اليمن النموذج المثالي للاستقرار والتنمية. وسوف تكون الإمارات الجهة الجديرة بإدارة هذه التنمية، وسوف يشارك أصدقاء اليمن بدعم هذا الجهد الإماراتي الخلاق المرتكز على تجربة تنموية كبرى قادت الإمارات إلى سقف الدول الأكثر نماء والأقدر على وضع وإدارة التحولات، ووضع البنى التحتية ونجاح المشاريع الإنتاجية، وتصميم مشاريع الخدمات بوسائلها التقنية الرفيعة الملبية لمتطلبات عصر ما بعد الحداثة.
 

الجنوب خصوصاً واليمن عموماً أقرب الآن لأن يشهد انبلاج فجر جديد، وإلى أن يكون النموذج التنموي الأول في جنوب الجزيرة. ففيه كوادر جاهزة للانخراط في سلك العمل، وفيه إمكانات استثمارية كبرى، على رأسها ميناء عدن والمكلا، وباب المندب والحديدة وجزيرة سقطرى، وسواحل تشكل الحزام الجنوبي للجزيرة العربية بأسرها. وفيه الموقع المتوسط بين شرق إفريقيا ووادي النيل (مصر والسودان)، وشمالاً الخليج العربي، العملاق الاقتصادي الكبير والحليف الفوري والأقرب موقعاً وسكاناً، ومن الجانب الجنوبي الغربي كل شواطئ جنوب شرق القارة السمراء، حتى كيب تاون.
 

في اليمن تتوفر كل شروط الاستثمار، وكل عوامل النجاح لتنمية سريعة وحقيقية شريطة ضمان وتوفر إدارة سياسية ذات رؤية، لديها الوعاء الفكري والخبرة الفنية والأمانة والإخلاص الوطني والرقابة الذاتية والإدارية وتطبيق مبدأ الشفافية في كل خطوة عمل في كل مفاصل الدولة، واستبعاد كل الوجوه القديمة التي عفا عليها الزمن، ولم تجلب إلّا الكوارث والمحن.
 
 

التعليقات