عن المقارنات بين حزب الإصلاح والرئيس السوري أحمد الشرع
الخميس, 13 مارس, 2025 - 02:00 صباحاً

كان حزب التجمع اليمني للإصلاح أول حركة إسلامية في العالم العربي أبدت انفتاحا على مختلف الأحزاب والمكونات الأخرى، ففي حين كانت الحركات الإسلامية في بعض الدول العربية على عداء وقطيعة مع الأنظمة الحاكمة، كان التيار الإسلامي اليمني (الذي أسس حزب الإصلاح بعد الوحدة) أحد مكونات تنظيم المؤتمر الشعبي العام الذي ضم مختلف الأطياف السياسية في شمال اليمن ليكون الحزب المقابل للحزب الاشتراكي في الجنوب قبل الوحدة، ثم تحالف حزب الإصلاح مع الرئيس علي عبد الله صالح بعد الوحدة، وكان ذلك التحالف حالة سياسية نادرة نظرا للقطيعة والعداء السائدين بين الحكام العرب والحركات الإسلامية، خصوصا أثناء الحرب الأهلية في الجزائر بين الجيش والإسلاميين في تسعينيات القرن الماضي.

وعندما أنهى حزب الإصلاح تحالفه مع الرئيس علي صالح، كان المبادر إلى إنعاش المعارضة اليمنية وتشكيل تكتل أحزاب اللقاء المشترك، الذي ضم أحزابا علمانية يسارية وقومية وأحزابا زيدية، رغم العداء المزمن في العالم العربي بين الإسلاميين والعلمانيين بمختلف توجهاتهم.

وفي وقت لاحق، كان حزب الإصلاح سباقا في الانفتاح على المكونات الأخرى لتجنيب البلاد الحرب الأهلية، فعندما بدأ الحو.ثيون يستعدون للانقلاب على السلطة الشرعية ويتقدمون صوب العاصمة صنعاء، ذهب وفد من حزب الإصلاح إلى صعدة للقاء زعيم الحوثيين بهدف تجنيب البلاد الحرب.

وعندما بدا أن لا فائدة من محاولات ثني الحوثيين عن إشعال الحرب، دعا رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الإصلاح، زيد الشامي، في صفحته على فيسبوك، إلى عودة التحالف بين حزب الإصلاح والرئيس علي صالح وحزب المؤتمر لمواجهة الحوثيين وحماية الدولة، لكن علي صالح لم يستجب لتلك الدعوة، ووجه إعلام حزب المؤتمر ونشطائه للسخرية منها.

وعندما دخل الحوثيون العاصمة صنعاء، كان أتباع علي صالح ومخبروه هم من دلوا الحوثيين على مقار حزب الإصلاح ومنازل قياداته وممتلكات الحزب ومؤسساته للتنكيل به ونهب كل ما أمكن نهبه واعتقال كل من أمكن اعتقاله من قيادات الحزب وأعضائه. 

وفي الوقت الذي كانت تقود فيه السعودية والإمارات الثورات المضادة لثورات الربيع العربي والحرب على الإسلاميين، كان حزب الإصلاح هو الحركة الإسلامية الوحيدة التي تحالفت مع السعودية والإمارات ضد تحالف الحوثيين وعلي صالح، ورغم ما تعرض له الحزب من غدر من الإمارات، لكنه لم يعلن العداء ضدها، بل فقد ظهرت قياداته العليا في لقائين منفصلين مع قادة من دولة الإمارات، اللقاء الأول في أبوظبي والآخر في الرياض.

ورغم الدعاية السوداء التي تشنها الأطراف المحلية ضد حزب الإصلاح، فإنه كان السباق أيضا في تشكيل التحالفات الحزبية لمساندة السلطة الشرعية واستعادة الدولة، وكان المبادر إلى دعوات المصالحة بين حزب الإصلاح وحزب المؤتمر، وتحالف مع الرئيس عبد ربه منصور هادي ثم مع الرئيس رشاد العليمي، وذهب وفد من قياداته إلى عدن للقاء عيدروس الزبيدي، ثم ذهب وفد من قياداته إلى المخا في الساحل الغربي للقاء طارق صالح بمناسبة ما يطلق عليها انتفاضة 2 ديسمبر، وهي لقاءات تعكس انفتاح حزب الإصلاح على مختلف المكونات وحرصه على توحيد الصفوف لمواجهة مليشيا الحوثيين والنفوذ الإيراني في اليمن واستعادة الدولة والحفاظ على وحدة البلاد، والآن حزب الإصلاح هو الوحيد الذي يرفع شعار وحدة البلاد، بينما بقية المكونات تخجل من ذلك حتى لا يغضب منها الحليف الخارجي المعادي للوحدة اليمنية.

لقد حرص حزب الإصلاح على التواصل مع الجميع وتميز بانفتاحه السياسي،  وبالتالي فالمشكلة عند المقارنة بين اليمن وسوريا، ليست أن الإصلاح غير منفتح مثل أحمد الشرع، ولكن أن الأحزاب والمكونات اليمنية ليست كالمكونات السورية، فالأحزاب والمكونات اليمنية غارقة في الأحقاد وملوثة بأمراض سياسية من الصعب أن تُشفى منها.

الأحزاب اليمنية سلمت العاصمة صنعاء والدولة للحوثيين ورحبت بهم نكاية بحزب الإصلاح وكأن الدولة ملك للإصلاح فقط وليست ملكا للجميع، لكن الأحقاد والضغائن تعمي أصحابها وتعطل عقولهم.

وعندما كان حزب الإصلاح في مقدمة من يواجهون الحوثيين كانوا يطلون من فنادقهم الوثيرة يتهمونه بالتحالف مع الحوثيين، وبعد أن صاروا محل سخرية صمتوا ثم اتهموا الإصلاح بعدم الجدية في مواجهة الحوثيين، بينما هم لم يطلقوا رصاصة واحدة، وكأنهم مجرد "خوالف" لا شأن لهم بالمعركة.

وبعد كل مؤامرات تفتيت البلاد وملشنتها، أو مليَشتها، صار كل تيار أو فصيل لديه قطعة أرض يحكمها ومليشيات يحتمي بها، ولم تعد تهمهم مسألة استعادة الدولة، وكل طرف يريد أن يحكم فقط مملكته الخاصة حتى وإن كانت بحجم قرية.

الأحزاب والمكونات اليمنية لا تريد من الإصلاح إلا أن يكون مطية لتحقيق أهدافها، وإلا فهو العدو المبين، وهو القوة التقليدية والحو.ثي هو الجماعة الفتية، وأجزم أنه لو اجتمعت الدول الكبرى وخيرت الأحزاب اليمنية بين أن يحكم اليمن حزب الإصلاح أو الحو.ثيين وأنها ستفرض من يتم اختياره، فإنها ستختار الحو.ثيين تحت ضغط الأحقاد والضغائن والأمراض السياسية وغياب الروح الوطنية.

وهذا هو الفرق بيننا وبين سوريا، ففي سوريا هناك تيارات ومكونات وطنية ومنفتحة ومستعدة لتقديم التنازلات من أجل وحدة البلاد وليست عميلة للخارج وليست ملوثة بأمراض أيديولوجية أو سياسية، بينما يوجد عندنا أحزاب ومكونات وتيارات ملوثة بالأحقاد والأمراض والعمالة للخارج ولا يهمها مصلحة البلاد ولا وحدتها، بل فهي مستعدة لخدمة الخارج والموافقة على تفتيت البلاد إذا كان ذلك إما يحقق مصلحة خاصة بها أو يكون مكيدة لحزب الإصلاح.

اليوم كل شخص وطني يتكلم عن الوحدة والجمهورية والديمقراطية يتهمونه بأنه إصلاحي، ومن دعا إلى وحدة الصف واستعادة الدولة قالوا إصلاحي، ومن حذر من مؤامرة أجنبية قالوا إصلاحي، وأي محافظ يقدم خدمة لمحافظته أزاحوه من منصبه بتهمة أنه إصلاحي، ومن دعا إلى تحقيق الأمن والاستقرار قالوا عنه إصلاحي، وكأن الوطنية صارت عيبا وتهمة لا تنطبق إلا على حزب الإصلاح.

الخلاصة، لا تقارنوا بين حزب الإصلاح والرئيس السوري أحمد الشرع، ولكن قارنوا بين المجلس الانتقالي وقوات "قسد"، وقارنوا بين عيدروس الزبيدي ومظلوم عبدي، وقارنوا بين جميع المكونات السورية والمكونات اليمنية، حتى تبدو الصورة واضحة تماما دون تزييف أو تضليل.

التعليقات