كيف ولماذا قتل علي عبد الله صالح الرئيس إبراهيم الحمدي ومشايخ الحجرية؟
الإثنين, 28 يوليو, 2025 - 05:50 مساءً

من أزماتنا أننا ننسى التاريخ سريعا، ونتعامل مع مختلف الأحداث والشخصيات وفق اللحظة، دون الرجوع قليلا للتاريخ القريب، لتكتمل الصورة، ويظهر المشهد كاملا على حقيقته، وربط النتائج بالأسباب، ومن ذلك الطريقة التي قُتِل بها الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، على يد الإمامة التي صنعها بيديه ونفخ فيها الروح من جديد بعد أن كانت صفحة مطوية في التاريخ، وكان علي صالح ذاته قد بدأ حكمه بمسيرة دموية، أثرت على مستقبل البلاد، وكانت سنوات حكمه هي التي مهدت الأسباب لتصل البلاد إلى ما وصلت إليه اليوم.
 
بدأت المسيرة الدموية للرئيس علي صالح قبل أن يتسلم السلطة رسميا في شمال البلاد قبل الوحدة، وذلك عندما كان قائدا للواء تعز العسكري، وهو المنصب الذي عينه فيه الرئيس إبراهيم الحمدي، ثم كانت حادثة اغتيال الرئيس الحمدي (11 أكتوبر 1977م) أول جريمة ضد الوطن شارك فيها علي صالح، وذلك بحسب إفادات شهود عيان بعضهم مقربون من الحمدي، مفادها أن علي صالح كان حاضرا في "وليمة الغداء" التي دُعي إليها الحمدي، وكانت "مؤامرة" لاغتياله، وشوهد علي صالح أثناء الوليمة وهو يحمل مسدسه الشخصي ويتحرك بشكل غير طبيعي بين ذهاب وإياب في مكان الوليمة.
 
وبعد اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، خشيَ الموالون له من غدر الحكام الجدد بهم، وكان من بينهم عضو مجلس قيادة الثورة الأسبق وقائد قوات الصاعقة والمظلات عبد الله عبد العالم، الذي انسحب مع عدد من قواته من صنعاء وتوجه بها إلى مسقط رأسه في منطقة الحجرية بمحافظة تعز، وربما أن سماح سلطات الرئيس أحمد الغشمي له بسحب قواته من صنعاء كان الغرض منه تصفيته وتصفية قواته بعد الانتقال إلى الحجرية، بذريعة أنه يقود تمردا على الدولة، والحقيقة هي أنهم كانوا يخشون أن يقود انقلابا عسكريا وانتفاضة شعبية انتقاما للرئيس الحمدي، الذي اكتسب شعبية كبيرة، وأثارت حادثة اغتياله سخطا شعبيا كبيرا.
 
وبصرف النظر عن الغموض الذي يحيط بأحداث الحجرية (24 أبريل - 20 مايو 1978م)، والتي كان من أبرز نتائجها قتل معظم مشايخ تعز، والذين اختلفت الروايات بخصوص المتهم بقتلهم، إذ يتهم البعض عبد الله عبد العالم بقتلهم، لكن المسؤول عن تلك الأحداث بشكل عام هو علي عبد الله صالح، وذلك للأسباب التالية:
 
- أن تلك الأحداث ما كان لها أن تقع لولا حادثة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي المتهم فيها علي صالح وصديقه الغشمي، وبعد تلك الأحداث تسبب النظام في صنعاء بأزمة مع رجال الحمدي بغرض تصفيتهم.
 
- كان بالإمكان حل أزمة تمرد عبد الله عبد العالم، والتي تم دفعه إليها، بالحوار والحكمة، أو محاصرته وجنوده في الحجرية حتى الاستسلام أو استهدافهم لوحدهم في أماكن تحصنهم، إن اقتضى الأمر تصفيتهم من قبل علي صالح والغشمي، من دون اللجوء إلى تسيير حملة عسكرية بمختلف الأسلحة، بما فيها الطائرات، والقصف العنيف الذي تعرضت له مناطق عدة في الحجرية.
 
- يُفهم من سياق الروايات المختلفة والمتناقضة لأحداث الحجرية، أن علي صالح تواصل مع مشايخ تعز الذين كانت تربطهم علاقة بعبد الله عبد العالم أو من الموالين للرئيس إبراهيم الحمدي، وكان الهدف من ذلك هو أن يجتمع الكل في مكان واحد ثم تصفيتهم دفعة واحدة، للتخلص من كل الموالين للحمدي، لكن الذي حصل أن عبد العالم اعتقل المشايخ الذين أرسلهم علي صالح كوسطاء بغرض الضغط على نظام صنعاء، فاستغل علي صالح، الذي كان قائدا للواء تعز حينها، حادثة الاعتقال لتسيير حملة عسكرية إلى الحجرية بذريعة تحرير المشايخ المعتقلين والقضاء على تمرد عبد العالم، حتى لا يثير حفيظة أبناء تعز، ويكسبهم إلى صفه، لكن الذي حدث أنه تم قصف المكان الذي كان يعتقل فيه المشايخ بالطائرات وتصفيتهم جميعا، واتهام عبد العالم بتصفيتهم.
 
- ما يزيد من غموض تلك الأحداث، وخصوصا ما يتعلق بجريمة قتل مشايخ تعز والمسؤول عنها، أن عبد الله عبد العالم لم يتحدث عن تلك الأحداث أو حتى يبرئ نفسه من تهمة تصفية المشايخ، ربما بسبب ضغوط تُمارس عليه، رغم إقامته خارج الوطن حتى وفاته في يناير 2022م، وهناك تصريح منسوب له في بعض مواقع الإنترنت، لا يُعرف مدى دقته، مفاده أنه اتهم نظامي صنعاء وعدن بقتل مشايخ تعز.
 
- الرواية المتداولة بخصوص اتهام عبد الله عبد العالم بقتل مشايخ تعز، تفيد بأن عملية قتلهم قام بها عبد العالم ومرافقوه في الطريق أثناء هروبهم إلى عدن، وهذا غير معقول، لأنه مع بدء الحملة العسكرية كان عبد العالم ومرافقوه يتحصنون في مكان بعيد عن المكان الذي سُجن فيه مشايخ تعز، ثم اضطروا للفرار صوب عدن، لأنه لا قدرة لهم على مواجهة تلك الحملة التي استخدمت فيها مختلف الأسلحة، ولا يعقل أن عبد العالم في هذه اللحظات سيذهب مع رفاقه إلى السجن ويأخذ المشايخ معه، وأنهم سيوافقون على الفرار معه إلى عدن، وسيقوم بتصفيتهم في الطريق.
 
- الشهود الحقيقيون على أحداث الحجرية رفضوا منذ ذلك الحين الحديث عن تفاصيلها وكشف ما يعرفونه من أسرارها، وهذا يفسر تعرضهم لضغوط من نظام علي صالح الذي استمر 33 عاما، والذي تعمد تزييف حقيقة تلك الأحداث، وقتل بعدها بعض الشهود، والبعض الآخر أجبرهم على عدم الحديث عنها، وربما يتم كشف أسرارها كاملة في الوقت المناسب، خصوصا بعد أن يزول الخطر، ويطمئن الشهود لقول الحقيقة من دون أن يتعرضوا لأي خطر.
 
- الانقلاب الناصري والحرب مع الجنوب
 
استمرت تداعيات حادثة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، ثم أحداث الحجرية، حتى تسلم علي صالح السلطة رسميا في شمال البلاد، بعد اغتيال سلفه الرئيس الغشمي بواسطة حقيبة مفخخة عن طريق مبعوث جنوبي من جانب حكام عدن. ونظرا لاعتقاد الناصريين بأن علي صالح هو من اغتال الحمدي، فقد دبروا ضده محاولة انقلابية بعد أقل من ثلاثة أشهر من تسلمه السلطة يوم 15 أكتوبر 1978م، لكن المحاولة الانقلابية فشلت، وأعدم علي صالح عددا كبيرا من الضباط الناصريين المتهمين بها، ثم تواصلت الإعدامات والاعتقالات والإخفاء القسري سنوات عدة بعد تلك المحاولة الانقلابية، وطالت عددا كبيرا من الأبرياء الذين ما زالوا مخفيين قسريا حتى الوقت الحالي.
 
وبما أن تلك المحاولة الانقلابية تزامنت مع إعلان تأسيس الحزب الاشتراكي في الجنوب، فقد اعتقد علي صالح ومعاونوه أنها تمت بتدبير وتخطيط من حكام عدن، مما تسبب بتفاقم الأزمة بين حكام الشطرين، في وقت كانت فيه المناطق الوسطى على صفيح ساخن، وزاد من حدة المواجهات تحالف حركة 13 يونيو الناصرية مع الجبهة الوطنية الديمقراطية المدعومة من الجنوب، مما تسبب بزيادة حدة المواجهات أواخر العام 1978م، ومغادرة الناصريين إلى الجنوب بسبب استمرار قمع علي صالح لهم.
 
تسبب تصعيد علي صالح للأزمة مع حكام عدن باتهامهم بدعم الانقلاب ضده، واستمرار قمعه للناصريين، في اندلاع حرب شطرية يومي 23 و24 فبراير 1979م، انتصر فيها الجيش الجنوبي، الأمر الذي أثار هلع علي صالح، وجعله يقوم بجولة عربية شملت سوريا والعراق طلبا للوساطة. وبالفعل، ضغط حكام الدولتين على النظام في عدن بوقف الحرب والانسحاب، وأسفرت الوساطة عن توقيع اتفاقية الكويت الوحدوية بين رئيسي الشطرين: علي عبد الله صالح، وعبد الفتاح إسماعيل.
 
وهكذا يتضح مما سبق أن الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح بدأ مسيرته العسكرية والسياسية بحروب واغتيالات وتصفيات جسدية وأحكاما بالإعدام واعتقالات وإخفاء قسري للمعتقلين والمختطفين، حتى خلا شمال البلاد من أي معارضين أو منافسين له على السلطة، فشهدت البلاد استقرارا نسبيا طوال مرحلة الثمانينيات، لأنه لم يعد هناك ما يدفع علي صالح لإشعال الحروب، لأن السلطة أصبحت في مأمن من أي خطر، ثم عادت الحروب مجددا بعد أن ظهرت أخطار تهدد سلطته، بداية بحرب صيف عام 1994م، وانتهاء بالحرب الجارية التي أشعلها هو ومليشيا الحوثيين عام 2014م.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك
 

التعليقات