ثورة اليمن في عامها الخامس: طال الطريق إلى صنعاء
الجمعة, 12 فبراير, 2016 - 04:27 مساءً

كان مليئا بالدلالات مشهد احتشاد المئات من سكان مدينة تعز، وسط اليمن، في مسيرة جماهيرية كبيرة إحياء للذكرى الخامسة لثورة «11 فبراير» اليمنية، التي أطاحت بالرئيس علي عبد الله صالح، في الوقت الذي تتقدّم فيه قوات الشرعية اليمنية للإحاطة بالعاصمة صنعاء وإنهاء سيطرة قوات الرئيس السابق وحلفائه الحوثيين.
 
ولا يمكن استيعاب المعاني العميقة للترابط بين الحدثين من دون فهم العلاقة المؤثرة في الجغرافيا الاجتماعية والسياسية لأهم مدن اليمن: صنعاء، وتعز، وعدن.
 
لعبت تعز دورا خطيرا (وما تزال) في حدث الثورة التي انطلقت شرارتها منها، ومن هنا يُفهم أيضاً الحصار والتجويع والقصف العشوائي الذي يمارسه حلف صالح مع الحوثيين ضد المدينة.
 
فلكونها قطباً رئيسيا في تشكيل الثقافة اليمنية ساهمت تعز في تقديم أغلب إدارات الدولة ورؤساء الأحزاب والكوادر السياسية والإعلامية، بل إن الفعاليات الثورية التي حصلت في صنعاء نفسها كانت في معظمها بمشاركة طلاب جامعيين أغلبهم قادمون من تعز، وأضاف موقعها الجغرافي في وسط البلاد وكونها على الحدود الفاصلة بين الجنوب والشمال شيوع الفكرة الوحدوية ضمن نخبتها السياسية والإعلامية، وهي إلى ذلك تجمع بين اعتناق غالبية سكّانها للمذهب السنّي الشافعيّ وكونها العاصمة الروحية للزيديين ففيها قبر الإمام الهادي بن الحسين ومراقد الأئمة الزيديين.
 
ومقابل صنعاء، التي تمثل مركز أجهزة الدولة القائمة على معادلة الجيش والأمن والقبائل، فإن تعز تمثل الجانب المدنيّ والحديث الذي يطمح لتجاوز زواج القبيلة والطائفة بجذور «الدولة العميقة» ويطمح لتأسيس دولة عصرية تتوافر فيها شروط العدالة والتنمية.

غير أن الصورة الأشمل للعلاقة المعقدة بين تعز وصنعاء لا يمكن أن تتوازن من دون إظهار دور عدن التي بدأت عام 2007 الحركة السلمية المعارضة للاستبداد وكان دورها مؤسسا في الثورة اليمنية بحيث التحمت الحركة السياسية المعارضة، التي أخذت شكل احتجاج طويل على العلاقة غير السويّة بين الشمال والجنوب، مع مظاهرات واعتصامات وفعاليات الثورة عام 2011، وقد استعادت عدن بعض مكانتها التي افتقدتها حين كانت عاصمة لدولة اليمن الجنوبي، بعودة الرئيس عبد ربه منصور هادي والحكومة اليمنية إلى هناك، فعامل الوجود على الأرض اليمنية مؤثر في إعطاء الشرعيّة اليمنية مصداقيتها أمام شعبها.
 
لا يمكن أن نتجاهل، أيضا، دور صعدة، مركز الحوثيين، التي مثّلت دوماً خزّان النقمة اليمنية وتجسيدها لمعضلة حكم الأئمة الذي سقط كنظام عام 1962 ولكن جذوته ظلت مستمرة وتتغذّى على الصراع التقليدي الناشئ بين الحكومات العسكرية المنقلبة على أسس الاجتماع القديم (ممثلاً بالهاشميين الذين حكموا اليمن ألف سنة) والعاملة على إقصاء مكوّناته، وإضعاف تأثيره الدينيّ والسياسيّ، والذي أضافت عناصر الاستبداد الناشئة، من استيلاء على المجال العامّ، والثروة، وممارسات أجهزة الدولة القمعية، في تعزيزه وتأجيجه.
 
بانقضاض الحوثيين وقوات علي صالح على السلطة وتحالفهم المبرم مع إيران انفتح الأفق اليمنيّ على صراع إقليمي كبير فدخلت المملكة العربية السعودية، جارة اليمن الكبرى، وحلفاؤها الخليجيون الحرب بغطاء شرعيّ من قرار أمميّ، ورغم أن آلام اليمن تتتالى فصولاً، فإن مآل النزاع الواضح هو عودة الحكومة الشرعيّة إلى صنعاء… لو طال السفر.
 
… وعندها ستجد النخبة اليمنية، بعد جراح الثورة وآلام التدخّلات الإقليمية الكبرى، أمام مشهد يحتاج جرأة تاريخية كبيرة لتخطيه وحل إشكالاته.
 

التعليقات