اليمن والانقلاب الآخر
الثلاثاء, 24 يوليو, 2018 - 09:58 صباحاً

لا تقتصر المعضلات التي يواجهها اليمنيون على حقيقة أن الحوثيين انقلبوا على شرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في صنعاء، وما ترتب على ذلك الانقلاب من حرب مدمرة وحسب، لكن الحرب التي اندلعت بعد دخول الحوثيين صنعاء يوم 21 أيلول/سبتمبر 2014 كانت لها تداعيات خطيرة على المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية على حد سواء، بعد أن اتضح لاحقاً أن للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن أجندات أخرى غير تلك المعلنة.
 
بعد طرد الحوثيين من مدينة عدن جنوب اليمن، منتصف العام 2015، على يد قوات المقاومة الشعبية التي انضوت تحت لوائها عدة مكونات دينية وسياسية، كان أبرزها الفصائل المحسوبة على التيار السلفي، وتلك المحسوبة على تجمع الإصلاح ذي التوجهات الإسلامية، بعد ذلك تركت المدينة لحالة من الفوضى المقصودة، مع منع دمج المقاومة في الأجهزة الأمنية، وتصفية قياداتها، حيث بدأت بشكل لافت عمليات منظمة لاستهداف رموز المقاومة بشقيها السلفي والإصلاحي على حد سواء. وكان ملحوظاً أن القيادات المستهدفة يجمعها جامع واحد، وهو أنها من القيادات المؤيدة للوحدة اليمنية والمعارضة لتحكم دولة الإمارات في الملفات الحساسة في المدينة.
 
استمرت حملة الاستهداف المنظمة منذ منتصف العام 2015 وإلى اليوم، حيث تم خطف وإخفاء عدد كبير من أئمة المساجد، بالإضافة إلى اغتيال أعداد متزايدة من هؤلاء الأئمة، فيما بات يشكل ظاهرة ملحوظة في تلك المدينة التي يشكو أبناؤها من حالة الانفلات الأمني، وانتشار الاغتيالات بشكل منظم، الأمر الذي جعل الكثير من اليمنيين في عدن وغيرها يشيرون بأصابع الاتهام إلى القوى الأمنية التي أنشأتها أبوظبي بعد طرد الحوثيين من المدينة.
 
وقد وجهت منظمات حقوقية دولية تهماً واضحة لدولة الإمارات، وللأجهزة الأمنية التي تشرف عليها مثل الحزام الأمني والنخب المختلفة التي أنشاتها أبوظبي في عدد من المدن جنوب البلاد، وكانت التهم تتعلق بعمليات الخطف والاعتقال القسري والإخفاء والتعذيب، حيث وثقت حالات موت تحت التعذيب، وإعاقات مزمنة لمعتقلين خرجوا جثثاً أو معاقين إعاقة دائمة، من السجون الإماراتية في جنوب اليمن.
 
وعلى الرغم من نفي أبوظبي، ومحاولات دحضها للتقارير الدولية التي تخص سجلها الحقوقي والأمني في عدن وحضرموت تحديداً، إلا أن تزايد الشواهد، وتوالي التقارير الصادرة من منظمات مثل منظمة العفو الدولية و «هيومن رايتس ووتش»، وكذا تقارير أممية، وشهادات موثقة لا يمكن إنكارها، كل ذلك يدعم حقيقة أن الإماراتيين متورطون في حالات واسعة من الانتهاكات ضد حقوق الإنسان في اليمن.
 
وفي الآونة الأخيرة، ومع حاجة أبوظبي إلى مظلة الشرعية لدعم معركة استعادة الحديدة من قبضة الحوثيين، حاولت القيادة الإماراتية التقرب من الرئيس عبدربه منصور هادي، حيث تم السماح بعودته إلى عدن، بعد استقباله في أبوظبي من قبل ولي عهدها الشيخ محمد بن زايد، ومن ثم توالت الزيارات بين المسؤولين في عدن وأبوظبي، وهو الأمر الذي بشر بانفراج العلاقة بين الشرعية اليمنية والإمارات.
 
 غير أن هذه الانفراجة لم تستمر طويلاً، إذ أسفرت جهود وضغوط دولية لوقف الزحف باتجاه الحديدة، ووجدت الإمارات نفسها في ورطة استرضاء القيادة اليمنية، دون أن تحقق المرجو من هذا الاسترضاء الذي أفضى إلى عودة الرئيس هادي إلى عدن، وهي العودة التي اقتضت تحجيم ـ ولو مؤقتاً ـ دور أجهزة الحزام الأمني والنخب المتعددة التي تتبع أبوظبي في جنوب اليمن، لإتاحة الفرصة للحكومة لممارسة عملها في عدن، وفقاً لتوافقات معينة بين هادي وأبوظبي.
 
ومع عودة عمليات الاغتيال، خلال الأيام الأخيرة، إلى عدن التي جعلها الرئيس هادي عاصمة مؤقتة لليمن، يبدو أن التوافقات بين هادي وابن زايد معرضة للانهيار، حسبما يرى متابعون يؤكدون أن أبوظبي أعطت الضوء الأخضر لميليشياتها في عدن لإحداث نوع من الفوضى التي يظهر فيها الرئيس اليمني عاجزاً عن ضبط الأوضاع الأمنية، الأمر الذي سيستدعي خروجه من اليمن إلى منفاه في الرياض مرة أخرى. كما أن عودة الاغتيالات التي نشطت خلال الأسبوع الماضي ومطلع الأسبوع الحالي مؤشر خطير على أن الجهة التي وقفت وراء الاغتيالات الماضية قد أُعطيت كذلك ضوءاً أخضر للعودة إلى ممارساتها السابقة، وسط تغاضي الأجهزة الأمنية المدعومة من الإمارات على بعض التقديرات، أو وقوف هذه الأجهزة وراء تلك الاغتيالات حسب تقديرات أخرى.
 
ومع استمرار التدهور في الحالة الأمنية، يستمر مأزق اليمن الذي وضعه فيه «انقلاب الحوثيين» في صنعاء، وانقلاب «المجلس الانتقالي» المدعوم إماراتياً في عدن، ضد الشرعية اليمنية التي يقول التحالف العربي إنه جاء لاستعادتها، فيما ميليشياته في عدن تنازعها سلطاتها.

التعليقات