هل يعاقب ترامب الرياض؟
الإثنين, 15 أكتوبر, 2018 - 11:34 صباحاً

ألقت أزمة اختفاء الكاتب الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، بظلالها على العلاقات الأميركية – السعودية بشكل كبير. ولعلّها المرة الأولى التي تتزايد فيها التكهنات بشأن مستقبل هذه العلاقات منذ أحداث "11 سبتمبر" في عام 2001، حين هاجم ما يقرب من 15 سعودياً الولايات المتحدة تحت لواء تنظيم القاعدة.
 
لذا فإن السؤال هو: هل تعاقب واشنطن الرياض، إذا ما ثبت فعلياً تورّطها في اختطاف خاشقجي واغتياله؟ الإجابة المبدئية هي ربما، ولكن لن يكون العقاب بالحجم الذي قد يضع حداً لحماقة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وتهوره داخلياً وخارجياً. وذلك لعدة أسباب، أولها أن دونالد ترامب هو من يحكم أميركا الآن، وهو شخصٌ لا يقلّ حماقة وتهوراً عن بن سلمان.
 
 ولو أن جريمة اختطاف خاشقجي قد تمت في عهد أوباما أو أي رئيس آخر أكثر عقلانية لربما اختلف الأمر، خصوصاً وأننا إزاء جريمة اختطاف واغتيال لصحافي مؤثر، تمت على أراضي دولة أجنبية، وجرت تحت عيون المخابرات الأميركية التي اعترضت اتصالات سابقة بين مسؤولين سعوديين وخاشقجي لإغرائه بالعودة إلى السعودية، من أجل القبض عليه.
 
وثانيها، أن ترامب بنى جزءاً مهماً من خطته الاقتصادية الداخلية على ابتزاز "جيوب" الرياض، تحت شعار "الدفع مقابل الحماية"، الذي بات يردّده في جميع لقاءاته الجماهيرية، ويفاخر به كما لو كان أحد إنجازاته في السياسة الخارجية.
 
 وهو قطعاً لن يضحّي بمليارات الدولارات التي يأخذها من آل سعود، سواء في شكل مبيعات للسلاح أو استثمارات اقتصادية، فترامب لا يعرف سوى لغة المصالح، وقد قالها صراحة في لقاء تلفزيوني قبل يومين إنه لن يضحّي بالعقود العسكرية بين واشنطن والرياض، والتي تصل إلى حوالي 110 مليارات دولار، خصوصاً وأنه في موسم انتخابي الآن، وبحاجة إلى الأموال من أجل مواصلة الأداء القوي للاقتصاد الأميركي، وتوفير آلاف الوظائف للأميركيين. كما أن من الصعب تخيّل تقويض ترامب أحد أهم حلفاء واشنطن في المنطقة من أجل عيون أي شخص، حتى وإن كان بحجم جمال خاشقجي ووزنه وتأثيره.
 
ومن جهة ثالثة، بنى ترامب استراتيجيته في المنطقة على التحالف الوثيق بين الرياض وتل أبيب وأبوظبي والقاهرة، وذلك في مواجهة إيران.
 
ومعاقبة الرياض على جريمتها بحق خاشقجي قد تدفع بتغير مربع التحالفات في غير صالح هذه البلدان. وفي ظل الدفء في العلاقات بين هذه البلدان، من الصعب عليها أن تترك الرياض وحيدة في مواجهة احتمالات معاقبتها والتأثير عليها. لذا من المتوقع أن تلعب هذه البلدان، خصوصاً تل أبيب، دوراً في التقليل من حجم الضرر الذي قد تتركه أزمة خاشقجي على العلاقات الأميركية – السعودية.
 
 وسوف تستغل تل أبيب علاقاتها داخل إدارة ترامب، خصوصاً مع زوج ابنته وكبير مستشاريه، جارد كوشنير، من أجل مجابهة الضغوط التي يتعرّض لها ترامب من الرأي العام والكونغرس الأميركي بشأن فرض عقوبات على السعودية.
 
ومن جهة أخيرة، لن تتوقّف شركات العلاقات العامة واللوبيات التي تعمل لصالح السعودية وأبوظبي في واشنطن، وهي كثيرة، عن الضغط على أعضاء الكونغرس الذين يطالبون الآن بمعاقبة الرياض، من أجل تخفيف لهجتهم وصرفهم عن ذلك، خصوصاً وأننا في موسم انتخابي ساخن، وهؤلاء بحاجة لكل أشكال الدعم من أجل الاحتفاظ بمقاعدهم في الكونغرس، خصوصاً مجلس الشيوخ.
 
ولربما يكون المخرج الوحيد من الأزمة الحالية هو حدوث تسوية أو صفقة ثلاثية بين أنقرة والرياض وواشنطن، بحيث لا يتحمّل بن سلمان، مباشرة، مسؤولية اختطاف خاشقجي واغتياله، وأن يتم توجيه الاتهام لأفراد عاديين في مقابل دفع مبالغ مالية لهم. وفي هذه الحال، سوف يخرج الجميع فائزاً، ما عدا جمال خاشقجي الذي سيذهب دمه هدراً.
 
وهو سيناريو تزداد فرص حدوثه مع تأخر الكشف عن ملابسات ما حدث للرجل يوم الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. كما أنه يتناغم مع مصالح كل طرف، فتركيا بحاجة للاستثمارات السعودية، والتي تتجاوز حالياً ستة مليارات دولار، في حين يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 50 مليار دولار.
 
 وهو أمر يضع ضغوطاً قوية على أنقرة، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها، وانخفاض قيمة الليرة التركية بنسبة تتجاوز 40% خلال الشهور الماضية.
 
وفي كل الأحوال، فإن اختطاف (وقتل!) خاشقجي لن يمر من دون أن يترك أثره على العلاقات بين الرياض وواشنطن. وسيكون من الصعب على الرياض تحسين صورتها أميركياً، خصوصاً بعد سلسلة الجرائم التي توّرط فيها ولي العهد، وكان جديدها جريمة خاشقجي.

التعليقات