وداعا سلطان قابوس
السبت, 11 يناير, 2020 - 06:09 صباحاً

رحل السلطان قابوس بن سعيد آل تيمور (رحمه الله) عن ثمانين عاما منها خمسة عقود كاملة قضاها حاكما لبلده سلطنة عمان.
 
يرحل في توقيت حساس، وفي وقت تحتاج المنطقة والعرب جميعهم رجلا مثله، في الحنكة والعقل والرجولة والعروبة.
 
يرحل مخلفا إرثا ومجدا وتاريخا فريدا سيظل شاهدا على حكمة الرجل وتفانيه وإخلاصه لوطنه ومواطنيه، فقد قدم مدرسة سياسية فريدة في الإدارة والحكم والإتزان والعقلانية كان هدفها الوطن ومحورها الإنسان، وغايتها تحقيق أعلى المعدلات من النجاح السياسي والإداري والتنموي والنهضوي الشامل.
 
لقد مثلت سنوات حكم السلطان قابوس بن سعيد نموذجا للحاكم الرشيد، وكانت مليئة بالإنجاز والعطاء، استطاع خلالها أن ينقل بلده إلى مستويات متقدمة من التنمية والنهضة والبناء، بتناغم يجمع بين بناء الوطن وبناء الإنسان، وخلال فترة قصيرة أصبحت سلطنة عُمان اسما يعني الكثير، وبلدا مميزا بحاكمه وأهله، وثقلا سياسيا مؤثرا.
 
انطلقت سياسة السلطان قابوس (رحمه الله) في اتجاهين، الأولى نحو الداخل العماني، والثانية نحو المحيط والإقليم والعالم، وأثمرت جميعها في تقديم سياسة خاصة اتسمت بالهدوء والعقلانية في التعامل مع مجمل قضايا السلطنة، ودول الجوار والوطن العربي والعالم، وكان لهذا انعكاساته الإيجابية والمثمرة على مختلف الإتجاهات.
 
لقد حافظت سلطنة عمان خلال حكمه على خصوصيتها التاريخية، التي انطلقت منها باعتزاز واعتداد كبير، وسجلت مواقف لا تنسى في مختلف المنعطفات التي مرت بها المنطقة والعالم، وانحازت في مجملها للسلم والسلام بعيدا عن نزعات الحروب، والأجندة الضيقة.
 
إن زيارة واحدة لأي من مدن سلطنة عمان تخبرك الكثير عن ما حققه الرجل، والعقلية التي أدار بها بلده، ومستوى الطموح الذي كان عليه، وعظمة الإنجاز الذي حققه، وانعكس ذلك على حياة المواطن العماني الذي انتقل جراء ذلك إلى وضع أفضل في فترة قياسية، والأهم من ذلك أن أخلاق السلطان وسجاياه  انعكست بوضوح على سلوك المواطن العماني الذي تجده مميزا في تعامله، متسما بالأخلاق الرفيعة، محبا لوطنه ومخلصا له.
 
وداعا قابوس، فقد علمتنا إن الحاكم يستطيع أن يصنع المجد والتاريخ، وأن ينحاز لشعبه، وأن يقدم الكثير ليصنع التحولات، وأن يمتلك الهمة العالية ليجسد أسمى معاني العدل والمساواة والنجاح والتضحيات.
 
وداعا قابوس، فقد علمتنا أن الشعوب هي انعكاس لحاكمها، وأن الحاكم يستطيع أن يخلق شعبا نقيا متى ما كان متوشحا بالإخلاص لشعبه، عظيما في همته، مدركا لما يريده الشعب، وواثقا مما يفعل.
 
لقد علمتنا معنى أن يكون الحاكم محبا للسلام، مبغضا للحروب، مؤمنا بالوئام والتعايش تحت سماء واحدة، وفي ظلال وطن يسوده الأمن والاستقرار والمساواة والعدالة والكرامة.
 
لقد علمتنا أهمية الوطن والمواطنة، ومعاني الانتماء للوطن، وأن الفعل الصادق يثمر إنجازا عظيما، فأنت لم تكن سلطانا للعمانيين فقط، بل كنت سلطانا لكل متطلع للسلام، ورمزا لكل محب لوطنه، وقدوة لكل من يتسلح بحب الوطن.
 
إن رحيلك اليوم ليس حدثا عابرا، فمثلما كانت البداية لديك عظيمة، فالنهاية اليوم هي بداية لتاريخ جديد، يظل فيه اسمك خالدا طوال الدهر، كأحد العظماء الذين صنعوا التاريخ، وسطروا المنجزات.
 
الرحمة لروحك، وكل التعازي والمواساة للشعب العماني.
 

التعليقات