صانع الحفاظ ومخترع السلاح
الثلاثاء, 04 فبراير, 2020 - 02:15 مساءً

إرتبط السلاح إرتباطًا وثيقًا بشخصية اليمني ، وقد عدت البنادق والجعب وأحزمة الرصاص بدرجة أساسية مظهرًا لتأنقه في جميع الأحوال وفي كل الأماكن ، في الأعياد مثلاً إلى جانب البذلة الجديدة والأنيقة يرتدي اليمني السلاح وأيضًا في بعض أحواله الأخرى كالمناسبات الإجتماعية ومناسبات الأفراح وفي أحداث النكف والثارات ، فاليمني يرى أن جزء من رمزية تواجده بين الآخرين لاتكون إلا باقتناء السلاح وحمله أمام أنظارهم الشاخصة ، وكحالة فخرٍ رجولية وذات مضامين وأهداف مبيتة أخرى  يعتز الفرد اليمني  بالذهاب والبندقية على كتفه إلى محل عمله وفي الأسواق العمومية وكذلك التواجد بها في الأماكن المقدسة كالمسجد والجامعة ، حاليًا هناك عدد مهول من أولئك التابعين لجماعة الحوثي الذين يظهرون للوهلة والبنادق في أكتافهم وعليها شعار الجماعة " الصرخة " ومن بينهم سياسيين وأكاديميين ، ويعد البخيتي كسياسي بارز في الجماعة هو احدى هذه الأمثلة الحية الذي في كثير من لقاءاته المتلفزة وفي عدد من صوره يظهرُ ببذلته العسكرية الرخيصة أو حاملاً للجعب أو حزام الرصاص كترويج بخسٍ  لأيدلوجية قبلية وعسكرية عنيفة . 
 
إن شخصية اليمني اليوم لاتختلف كثيرًا عن شخصية جده اليمني القديم الذي هو الآخر تفاخر بحمل السلاح وكان في حالة شوق دائم لرفعه في وجه الآخرين كلما بدى يستشري أي خلاف أو صراع سواءً كان صراعًا داخليًا أو خارجيًا ، ما إن تشتعل معركة ما يهب إلى حمل سلاحه والقتال به ، وإن كان في سبيل المقارنة الأمر يختلف كثيرًا بالنسبة لسلاح اليوم والأمس في مدى قوة الفتك والقياس الرقمي والحضاري للتطور وتأصل الشر على هذا الكوكب الذي تسعى دولٌ كبرى عبره للتغول على دول مايسمى " بالهامش " أو حتى الدول الأخرى المنافسة لأن تكون مركزًا أو رقمًا عصيًا بين أمم العالم ، ظهرت أسماء سيوفٍ ورماحٍ يمنية قديمة محلية الصنع في تاريخ اليمن القديم كان يستخدمها العرب في معاركهم المختلفة كالسيف اليمني والتَّبعي نسبة إلى التتابعة ملوك اليمن ، والصمصام سيف عمرو بن معد يكرب السيف الذي مدحه شعراء أخرون وكان يعتد به ، وكذلك الرمح اليزني الذي وصفه وتغنى به عددٌ من شعراء الجاهلية وعصر الأندلس .
 
قبل هذه الحرب ، وتحديدًا في ظل حكم الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح ، صُنفت اليمن عبر احصاءات دولية كثاني أكبر دولة بعد أمريكا يحمل مواطنيها السلاح ، وهذا مالم يكن متوقعًا في بلدٍ فقير كاليمن ، السلاح نفسه المتواجد في اليمن كان في متناول أيدي مواطنيين كُثر خارج االمؤسسة العسكرية لدرجة أن أحد رجال القبائل في مارب كان يمتلك دبابتين ويريد بيعهما للجيش اليمني نفسه بل إن العديد من القبائل كان بمقدورها أن تحارب حتى الدولة لما تمتلكه من سلاح ، إن غياب اللائحة القانونية والموانع الدولية وظهور السلاح في أيدٍ كثيرة ، السلاح الذي لم يقتصر على البقاء في أيدي الجنود النظاميين في الجيش ، عمق من الأزمة واغتال نصف مستقبل هذه البلاد إن لم أقل كله . 
 
كان عهد زعامة الرئيس صالح أسودًا وبالسلاح أيضًا ، والديمقراطية المؤسسة في عهده كانت ديمقراطية السلاح ، كما أن للطغاة أساليب كثيرة في البقاء على كرسي الحكم مدة أطول منها جمع المال مثلاً وتقوية رصيد " الزعيم " الطاغية لهدف شراء الولاءات وفتح قناة زبونية وقناة رعاية ، أيضًا جمع السلاح هو العامل الأول الثاني بعد جمع المال بالنسبة للطاغية لأجل تزويد خانة القبيلة به والجيش الموالي كما حدث في أثناء أصعب فترة حكم جحيمية في هذا الوطن ، إن الطابع التسلطي " للزعيم " كان في ثقة لامتناهية للبقاء في الحكم مع فكرة تجميع أكبر قدر من الأسلحة والأموال بحيث تبقيه هو الثابت الوحيد على مستوى من يحيطون به والباقي متغيرات سرعان مايزولون ويتم استبدالهم ، لكن ثمن ذلك كان واضحًا جدًا ، قُتل جامع الأسلحة ومُصّدرها الكبير إلى اليمن وصاحب فكرة "ديمقرطة " السلاح برصاصة واحدة اخترقت جسده الآدمي .
 
بعد ثلاث سنوات من الجمود والفقر ، في العام 2011م قامت ثورة الحادي والعشر من فبراير في اليمن ، البلد العاجز تقريبًا عن احداث أي ثورة بالنسبة لقصور ثقافته ووعيه بالثورة وبمفاهيمها التحولية والسياسية وبالنسبة لتراجعه الحضاري مقارنة بدولٍ عربية شقيقة كتونس ومصر ، لكن ماكان متوقعًا خاب ، وماحدث كان مفاجئًا بالنسبة لعدد من منظري الثوارات والمفكرين والسياسيين الجادين ، عن حق كانت ثورة مفاجئة جدًا ، وعظيمة جدًا ، ولقد أصبحث الحادي والعشر من فبراير فاصلة وعلامة تحول مضيئة حتى  وإن تم اغتيالها كما يروج البعض ، عظمة هذه الثورة أنها انتهجت الطابع السلمي في بلد يموج بالسلاح التي تفوق عدد قطعه المتواجدة رؤوس الخلق وأيديهم وأرجلهم أيضًا ، لقد مثلت ثورة " فبراير "  تحول تقدمي على مستوى الوعي المجتمعي ، فلقد أخرجت الجماهير بتكتيك وسمة مطالبة جديدة صُبغت بطابعٍ سلمي .
 
في عهد الخليقة الأولى ، عهد قابيل وهابيل ، كان السلاح التقليدي هو الحجر وهو سلاح وحيد بالنسبة لعقلية إنسان ذلك الدهر ، سلاح قتلٍ بسيط مقرون بأعتى أسلحة الفتك والدمار الشاملة التي يمتلكها إنسان اليوم ، وبهذا السلاح التقليدي البسيط ، الحجر ، حدثت أول قتلة وسقطت أول قطرات الدم ربما منذُ بدء الخليقة ، وحين كان القاتل الأخ مرتبكًا  لايدري كيف يداري سوءته ، كان الغراب معلمه الحقيقي لدفن أخيه ، الطائر المقزز الجميل الذي يضرب به المثل في التشائم هو معلمنا في الدفن  ، نحن ، وقد ازدادت المقابر طولاً وعرضًا في كل وطننا الحبيب ! ،  هل سنرشد دومًا ولن نعتصم بالسلاح في كل أحوالنا السياسية ؟ ، الأسوأ في كل الأحوال أن البعض أصبح يقتل من أجل المستقبل ! .
 
 
هناك في كل مرحلة استقرار تحدث معركة ، قد تكون بائنة هذه المعركة في نظر البعض ، وقد تكون في نظر آخرين خبيئة كامنةٍ كما هي طبيعة المعارك ، الأخيرة هذه قد تكون في مخزن أحد أباطرة الحروب ، أو حتى تحت لسان سياسي أو صحفي أو مفكرٍ ما ، فآلة القتل قد تختلف من آلة مادية إلى آلة قتلٍ معنوية ، بل إن وجود الأسلحة كما هي في البلدان دعوة حقيقية لقيام حربٍ مدمرةٍ ووجودها في عدد من المخازن هو بداية الإستعداد لحرب ستكون ، مثلاً في ظل حكمه قام الرئيس صالح بجلب الأسلحة إلى اليمن بكثرة ، كذلك نشط في مرحلة حكمه وبمساعدته تاجر سلاح عُد من ضمن أكبر عشرة مهربي سلاح خطيرين في العالم وهو " فارس مناع " الذي أتهم أيضًا بتهريب قطع من السلاح إلى جماعات إرهابية في الصومال ، دخول السلاح إلى اليمن عبر هذان الشخصان دعوة لقيام معركة ، هذه المعركة قد وقع ضرامها ولم تنطفئ حتى الآن رغم موت العديد من مشعلي نارها شمالاً وجنوبًا ، بل إن حضور هذين الأسمين " فارس وصالح "  له علاقة كبيرة بالممولين والداعمين المحليين لجماعة الحوثي بالسلاح بعد ايران .
 
في نظري ، إن مسدسات الماء ، هي أجمل أنواع الأسلحة ، على الأقل هذه المسدسات المائية أبهجت قلوب أطفالنا وساعدتهم على الفرحة ولم تقتل حتى ذبابة واحدة ،  وإن كانت ربما تؤوسس لخلق ثقافة حرب واطية ! .
 
يعتبر فكتور ميلز ، المولود بولاية نبراسكا الأمريكية عام 1897م أهم مخترعٍ أفاد ابنته أولاً والبشرية ثانيًا باختراعه الجميل والناعم " الحفاظ "  ، هذا الإختراع أصبح على المستوى الكوني إحدى أهم رموز الراحة وأبرزها ، فكتور ميلز اليد البيضاء كان يفكر كثيرًا بعبقرية كيف يمد يده لإنقاذ الآخرين ، وهاهو الحفاظ ذو الملمس الناعم علامة تحول لثورة تغيير العالم نحو الأفضل والبحث عن أساليب راحة لكل أفراده ، ليس فقط "فكتور ميلز " من أبهج البشرية بمخترعاته ، هناك كُثر ، على سبيل المثال نذكر " ويليم هانا " صاحب فكرة قصص الأطفال الأسطورية " توم وجيري "  الذي أبهج العالم صغارًا وكبارًا ،  كذلك مخترع فرشاة الأسنان " ويست " ، ومخترع شفرة الحلاقة " كنج جيليت " ، وأخيرًا " كضرب مثال " مخترع أعواد الثقاب " بويل " ، هذه الأسماء اللامعة أنتجت ماهو كثير بالنسبة للبشرية ، بل إن هؤلاء لم يساهموا بصنع مستقبل الإنسانية فقط ، إن هؤلاء أساسًا هم من صنعوا المستقبل . يبقى الفرق بين مخترع السلاح ومخترع الحفاظ كالفرق بين الحياة والموت ، الأول يقلقنا بالذري ونهاية العالم وانها مدنٍ بأكملها والثاني أراح العديد عبر حفاظه ذو النعومة الملساء وشارك كل أم في تربية طفلها .
 

التعليقات