في ذاكرة النضال ، ستظل هناك أسماء فاصلة جدًا لايمكن ونحن نقرأ قصصها البطولية ومآثرها الطيبة سوى أن ننحني بكل حب وتقدير لها ولدمائها التي سالت في طريق مقارعة الإمامة والإمامة الجديدة ، لكن عندما يمتد بنا الزمن ليربط مابين تاريخين ، تاريخ بعيد يتمثل بتلك الإمامة الغابرة التي داست عليها أقدام أجدادنا الأوائل ، وتاريخ حاضر يتمثل بهذه الإمامة بصبغتها " اللاند " التي مازلنا نقاومها بالقصيدة والحجارة والخنجر وبالرصاصة وبالبسمة والجرح معًا ، بكل شيء نقاومها ، فإننا حقًا نفهم النضال بمعناه الأوسع عبر التاريخ وعبر اليومي أيضًا ، بين هذين التاريخين يقدم إلينا منضال ببذلته المأربية الأصيلة مطلقًا رصاصة الترحيب لمليشيا أحالت حياتنا إلى جحيم ، مناضلٌ من ضوء أحمر وبارود نافح ، اعتبر النضال سلوك وهويه وليس نهج وتحرر فقط ، وهذا عظيم جدًا ، قد لايعرفه البعض منا من قبل ، لأننا لانعرف حتى أنفسنا ، لقد صرنا عاجزين عن التحرر ، وذلك شأنه غير سهل ، أيديهم أطول من آمالنا وأيدينا أقصر من العطاء ، فمحال أن ننسى دم هذا البطل بعد معرفتنا لقصصه وتضحياته وبطولاته العظيمة ، محال نسيان ذلك الوجه المخبأ الآن في ثمرة الغياب ، وغيابهُ نابضٌ كقلب طفلٍ ، أي حاضرٌ بقوة، من لقبه الترف الذي ينحدر إلى أكبر قبائل مأرب نحس بأننا أمام بطلٍ غير مجازي ، فهو من قبيلة قدَمت في سبيل النصر أشجع وأقوى وأغلى أبنائها ، من قبيلة " الجدعان " ينحدر المقاتل الكهل " حمد ناصر الجدعي ".
الشيخ "حمد ناصر حسين رقيب الجدعي " ، مناضل لايستقر ولايهادن ، دومًا كان يملِك قلبه ، ولأنه قادرٌ على ذلك فإنه قادرٌ على رفعه للأعلى متى ماشاء ، لكن ماذا عنا نحن ؟ ! ، قلوبنا لم تتحرر ، قلوبنا نبض دم آخر ورجفة أخرى وقشعريرة أخرى أيضًا ، قلوبنا يسكنها الخوف وتسكن هي أقفاصنا الصدرية بكل إنكماش ، ودومًا كان هذا المناضل يملك دمعه لاتنطفئ ، نعم ، كان دومًا للأعلى يرفع كل شيء جميل يملكه ، أبنائه الأربعة وما خلفَ زمنه ومابين يديه وما يُكذبه الزيف " الحقيقة " ، لقد أستشهد أبنائه الأربعة ، التي كانت تجمعه بِهم بالإضافة إلى رابطة الأبوة والعائلة والقبيلة وشجرة النسل نضال وحرية ووطن ، وأكثر منه نضال وثقة ، ثقة بأن النصر سيأتي لا محالة وأنه يستحيل البتة أن تقام " يمن " بلا جمهورية حقيقية .
من قبل كنت منزعج ، وأفكر هل إلى هذا الحد هذا البلد فقيرٌ جدًا ، فقيرٌ من كل شيء ، حتى من الأبطال ، كان ذلك أكثر رهبةً حين كانت مليشيا الحوثي تحتفل بالنصر ويغرد ويفسبك حينها لبنانيين وايرانيين وعراقيين مؤدلجين منتشين بالنصر الموهوم الذي طفحت به البلاد وكانوا يعنونون عبر وسائل إعلامهم إلى حد غير معقول " صنعاء رابع عاصمة تسقط في أيدينا " ، لكني فعلاً الآن معجب ولايفيد العجب كثيرًا سوى بالحذو على النهج والمقاومة الحقيقة ، معجبٌ بمن سقطوا واقفين طولاً كالقشيبي والشدادي والحمادي وكثيرًا من الأباء العسكريين الشجعان الذين لاحصر لهم ، وأخيرًا ، البطل "حمد ناصر الجدعي " ، أُطل عل صورته وأُكذب فلسفات الغدر وترهات الرجعية وروائح المنبعثين من داخل مدننا النائمة ، أُكذب تلك الصور الزائفة التي تتباهى بحمل السلاح على وسائل الإعلام ولاتحضر على أرض المعركة البتة ، أتكلم هنا عن محمد البخيتي ، أكذب أيضًا استعراضات المفصعين التي تشبه استعراضات الأوبرا والبازرات العالمية أو تشبه استعراضات جيش علي صالح في ميدان السبعين ، واستعراضات رقصاتٍ غير خلاعية على حذو " شاكيرا" .
أية حصة يمتلكها الأبطال في آخر المطاف بل في بداية الحياة ، هم الذين يعيشون عموديًا ويموتون عموديًا ، أبطال وطنيون يموتون وتبقى أصابعهم تتمسك بطينة هذه الأرض ! .
أصحيح أن الذي لايقاوم ينتظر أمرًا وشيكًا ؟ . هذا عجيب ، هذا مؤسف حقًا ، ولعب ، لعب بالحبال بخفة يدٍ أكثر قذارة ، من لايقاوم لايتجذر ، ليس شيئًا ، أصلاً لايساوي شيئًا ، الذي لايقاوم يفقد نفسه أثناء معاركه السوبرمانية مع الوقت والحياة ، المقاومة فعل تجذر ، قبل يومين كنت إنظر إلى شجرة ، طبعًا من المعروف أن الأشجار لاتهرب من الرياح أو العاصفة ، كانت هذه الشجرة مغروسة بقوة إلى الأرض ورغم ذلك إلا أن الرياح الشديدة حاولت العبث معها ، بكل وقاحة تم تعرية هذه الشجرة وكسر تفرعاتها الحطبية الترفة ، وفوق كل ذلك بقيت الشجرة تقهر المستحيل وتتشبث بأمل ما ، ولم يتم تعريتها أو كسرها من الباطن ، من الجذر ذاته ، ربما بقيت لتقاوم هذه الشجرة اللذيذة بصبرها .. لتنتظر أول الموسم الهاطل لتعود عافيتها إليها من جديد ، وهكذا .
إن العدو ليس شكولا سندباد أو فيوري يمكن إلتهامه بسهولة ولا حتى زجاجة عصير يمكن تفريغها بخفة كرش جائع ومن ثم كسرها ، العدو إن لم يكن نحن بكل ما نملك لمواجهته ، أو خوفنا بكل مالا نملك لمواجهتنا، يجب الآن أن نكسره إنطلاقًا من ذواتنا نحن ، ومهما كانت الهزيمة فإننا مانزال بخير ، سنقاوم أيها الملاعين .
فعلاً ، الموت ليس كل الحياة وليس بدايتها مطلقًا ، الموت هو آخرها ، بابها المشرع حتى الأجل ، فالموت ليس قدرنا الوحيد ثمة مايُمكننا من السيطرة ، لأن كل المعارك التي قامت كانت معارك غير حاسمة بمعناها الحقيقي بل أن هناك حقيقة تدل أن لاتوازن في هذه الحياة كنهج سيروري ، لاتوازن مطلق ، التوازن نسبي ، كل الأمور تسير بإعوجاج ، ومعركتنا هذه إن خسرنا هناك سننتصر هنا ، وقبل ذلك سننتصر بوعينا عليهم ، بثورتنا عليهم ، بضعفنا عليهم ، بحقيقتنا عليهم ، بدمائنا عليهم ، وبتضحياتنا عليهم .
لابد من تفعيل المقاومة بالنسبة للفرد والمجتمعات والقبيلة وبالنسبة للمؤسسات السياسية والحزبية الوطنية
المقاومة كسلوك وهوية .
المقاومة التي لانشعر فيها على الدوام بالملل أو بالمستحيل أو بعدمية النتائج ، هي مقاومة ناجحة جدًا .
المقاومة تفتيت حقيقى للإستبداد الذي يحكم شعبًا .
المقاوم من يبتسم أمام المصير دومًا ولايبتسم أمام المستحيل دائمًا .
المقاوم اندفاعة حرة كمعركة حاسمة جدًا لاتنتهي في منتصفها أو في بداياتها وإنما إلى آخر الخلا.
المقاوم اندفاعة حرة كمعركة حاسمة جدًا لاتنتهي في منتصفها أو في بداياتها وإنما إلى آخر الخلاص الذي يأتي بالنصر.
إن داخل كل مأربي حر ومقاوم لمشروع الإمامة الجديدة قردعي كبير لايهادن أبدًا ، ونحن يجب علينا ذلك ، فالمعركة ليست معركة مأرب فقط ، يجب أن " نقردع " مقاومتنا .
أخيرًا ، انظروا إلى أصابعكم جيدًا ، بماذا تتشبث الآن ، أصابعكم الرخوة التي تلهث وتمجد الدفء ، انفضوا النقود والدولارات الخضراء ودراهم ابن زائد وريالات ابن سلمان ، دعوها ، أغسلوا أيديكم جيدًا بالماء والصابون من هذه الأموال اليابسة التي لاحقيقة لها ، أسسوا لأدب مقاومة وقوة مقاومة وثقافة مقاومة ، ثوروا دون توجس أو ريبة ، لاتهادنوا ، لاتهدءاو ، ولاتصبروا عليهم ، لاتحتفلوا بالآخرين واحتفلوا بأنفسكم .