عبدالوهاب لاتينوس: سأفرُّ مِن وطنٍ يُلهب ظهرى بالسياط
الثلاثاء, 02 مايو, 2023 - 09:36 صباحاً

سأفرُّ مِن وطنٍ يُلهب ظهرى بالسياط ليلَ نهار
سأفرُّ من امرأةٍ لا تعرفُ كيف تطعمُ روحى،
رحيقَ جسدها
سأفرُّ من كلِّ شىءٍ
وأهربُ غير مكترثٍ
نحو العدم. (عبدالوهاب لاتينوس)
 
عبدالوهاب لاتينوس  شاعر سوداني راحل (1994-2020) يُعد من أبرز الأصوات الشعرية الشابة في السودان والعالم العربي، مات غرقاً في البحر الابيض المتوسط في أغسطس من العام 2020، ولم يتجاوز من العمر 26 عاماً، وهو في طريقه للنزوح إلى أوروبا هرباً من الحرب في أسوأ تراجيديا عرفها قلب الأوطان.
 
يقول لاتينوس في آخر نصوصه المدونة قبل الغرق في البحر:
 
أن تموت في عرضِ البحرِ
حيث الموج يصطفق بصخب في رأسكَ
والماء يأرجح جسدكَ
كقارب مثقوب .
 
أو أن تموت على أرض قفر
حيث برد طازج ينخر جسدكَ
فتفر موجعاً إليكَ .
 
أن تموت وحيداً
تحتضن ظلكَ الذي بهت لونه
فغدا محض شبح هلامي
لا أحد يدرك كنهه ،
فإن ذلك لا يُحدث فرقاً أبداً .
 
جمعتني بـ عبدالوهاب لاتينوس صداقة افتراضية على مائدة الكلمة والحرف، وكنت ولا زلت مثل الكثيرين نقف بخشوع أمام موهبة هذا الشاعر المختلفة رغم حداثة سنه..
 
ببطء أمضي
خفيفاً أعبرَ مثل ظلال غيمة
تمشطُ ضفائرَ الأرض
مثل ليل تخنقه أصابع الفجر.
 
كما الكثير من الشباب العربي الحالم بمستقبل أفضل عاش عبدالوهاب لاتينوس، بقلب مفعم بالأمل، وکأن أتم ما يتمنى أن يرى وطنه السودان كما يحب، بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية.. لكن يبدو أن تخرجه من الجامعة وعدم حصوله على فرصة عمل جعلته يفكر بالهجرة إلى أوروبا عبر البحر، مثل الآلاف الآخرين الذين يعبرون البحار، لا يعرفون أي وجهة سيأخذهم التيار، وكأن الخروج من الوطن هو الخروج إلى الحياة..
 
قرر لاتينوس ان يذهب بعيداً، تلك الليلة التي ركب غمار البحر المتوسط قاصداً اوروبا، وكان آخر ما كتبه لاتنيوس على صفحته:
 
ليس سيئًا أبدًا أن تموت
في مقتبل العمر
دون أن تبلغ الثلاثين بعد
 
ليس سيئًا أن تغادر باكرًا أبدًا
السئ، أن تموت وحيدًا
 
دون امرأة
تقول لك : تعال إليَّ، حضني يتسع لكَ
دعني أغسل روحكَ مِن درنِ البؤسِ .
 
أمرأة كلما ضحكتْ
هرب الليل على أصابع الوقت..
 
مات عبدالوهاب لاتينوس قبل الثلاثين، وقبل وصول النوارس، وها هو السودان يإن تحت حُمى الجنرالات وقبعات الموت.
 
مات لاتنيوس في مقتبل الحياة، وعمر الورد، لكنه لم ينس مياه النهر،  لم ينس ثوراته، وغضبه المُدمِّر، لم ينس الوجوه المتعبة على أرصفة القطارات، حكايات الطفولة التي رددتها أُمَهُ لم يعد يسمعها أخيراً ماتت الحكايات.
 
   في ليلة الفيضان، لم يعرف أحد مصيره، هل غرق في النهر، أم التهمه وحل النيل العظيم، أم خاض النهر إلى الضفة الأخرى، أم رحل الى مناطق نائية.
 
في دمه المهزوم بالشوق، بـ "موسم الهجرة إلى الشمال"، بالرحيل الى مدن الضباب والصقيع، بحثاً عن الجسد وجيناته المتمردة، الجسد الممتلئ بالضياع، الراغب في الموت.
 
لروحك الرحمة والسلام صديقي: "سنفر جميعاً مِن أوطان تُلهب ظهورنا بالسياط"..
 

التعليقات