كيف ستؤثر المصالحة بين تركيا والإمارات على الملفات الساخنة في الإقليم؟
- نون بوست الاربعاء, 04 مايو, 2016 - 12:00 صباحاً
كيف ستؤثر المصالحة بين تركيا والإمارات على الملفات الساخنة في الإقليم؟

[ لقاء وزير الخارجية التركي ووزير الخارجية الإماراتي وولي عهد أبو ظبي ]

حملت زيارة وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إلى دولة الإمارات العربية المتحدة دلالات كثيرة وألقت بظلالها على ملفات المنطقة الملتهبة، خاصة وأن الدولتين لعبتا دورًا رئيسيًا في تشكيل ملامح الأحداث التي مرت وتمر بها المنطقة حاليًا، قبل أن يتصادما على خلفية أحد هذه الأحداث وهو الانقلاب العسكري في مصر؛ الذي وقفت ضده تركيا بينما دعمته الإمارات بكل ما تملك من قوة دبلوماسية واقتصادية.
 
وعلى خلفية هذا الصدام تبادلت الدولتان الاتهامات عبر قنوات غير رسمية بشأن التدخل الإماراتي في الشأن الداخلي التركي، على خلفية مزاعم تركية اتهمت الإمارات بدعم تحركات معارضة ضد حكومة العدالة والتنمية في تركيا.
 
هذه الحالة من التوتر الشديد في العام 2013 ظهرت إلى العلن في صورة تراشقات إعلامية بين المسؤولين في البلدين، انسحب على خلفيتها سفيرا الدولتين من عاصمتيهما.
 
انخفضت مظاهر التبادل الاقتصادي القوية بين البلدين وفق بيانات معهد الإحصاءات التركي التي تقول إن هناك انخفاضًا في العلاقات التجارية بين تركيا ودولة الإمارات العربية المتحدة بعد عام 2013.
 
بدأت بوادر الانفراجة في العلاقات بين البلدين تظهر بالتزامن مع تلاحق الأحداث في الإقليم، وظهور قضايا إقليمية همشت الخلاف التركي الإماراتي حول القضية المصرية، حتى أصبحت في مكانة متأخرة لدى تركيا على الأقل التي انشغلت بمشكلات الداخل والقضية السورية وتداعياتها من لاجئين وغير ذلك.
 
لوحظ ذلك منذ تبادل التصريحات الإيجابية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في نهاية العام 2015 ووزير دولة الإمارات للشؤون الخارجية، والتي تناولت مسألة عودة العلاقات بين تركيا والإمارات لمسارها الطبيعي ووجوب تجاوز نقاط الخلاف بينهما.
 
ضرورة اقتصادية  
 
انخفضت مظاهر التبادل الاقتصادي القوية بين البلدين وفق بيانات معهد الإحصاءات التركي التي تقول إن هناك انخفاضًا في العلاقات التجارية بين تركيا ودولة الإمارات العربية المتحدة بعد عام 2013.
 
حيث تُشير الأرقام أنه في الأشهر الـ4 الأولى من عام 2015، بلغت قيمة الواردات التركية من دولة الإمارات العربية المتحدة نحو 647 مليون دولار، بينما سجلت الواردات خلال نفس الفترة من عام 2014 و2013 حوالي 812 مليون دولار و2.2 مليار دولار على التوالي، ما يعني أن العلاقات التجارية في تراجع بسبب الأزمة السياسية بين البلدين.
 
وكذا الأمر في تناول إحصائيات الصادرات بين البلدين في عام 2015، الذي شهد زيادة طفيفة، بحوالي 2.159 مليار بين يناير وأبريل ، مقارنة بـ1.883 مليار في نفس الفترة من عام 2014.
 
ثمة ضرورة حالية لدى الأتراك لإعادة تقييم مواقفهم التي أدت إلى تراكم كل هذه المشاكل التي تمثل ثقل على الدبلوماسية التركية وتحركاتها الإقليمية والدولية في الملفات المختلفة.
 
إلا أنه بشكل عام انخفضت الصادرات السنوية من تركيا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة دون مستوى ما كان بين عامي 2013 و 2014،  في حين بلغ إجمالي الصادرات في عام 2013 حوالي 4.965 مليار، وتراجع هذا الرقم إلى 4.655 مليار في عام 2014.
 
وفي ظل التحديات الداخلية التي يشهدها الاقتصاد التركي وتأثير ملف الإرهاب على الاقتصاد، فإنه لا يمكن لتركيا أن تخسر حليفًا اقتصاديًا مهمًا كالإمارات في هذا التوقيت، لذا كانت مسألة عودة العلاقات إلى طبيعتها تدريجيًا ضرورة ملحة عند الجانب التركي.
 
بدأت السياسة التركية مؤخرًا تتعامل في كل ملف على حدة دون الترابط الذي ظهر في سياسة الأعوام الماضية
 
العودة إلى تصفير المشاكل
 
من الجانب التركي أيضًا بدأت سياسة العودة إلى تصفير المشاكل الإقليمية بعد أن تضخمت في فترة وجيزة بسبب المتغيرات الإقليمية وأحداث سوريا ومصر، لتجد تركيا نفسها في صراع مع روسيا، إيران، الولايات المتحدة، أوروبا، اليونان، مصر، وبعض دول مجلس التعاون الخليجي بجانب استعار الملف الكردي وقضية اللاجئين.
 
فثمة ضرورة حالية لدى الأتراك لإعادة تقييم مواقفهم التي أدت إلى تراكم كل هذه المشاكل التي تمثل ثقل على الدبلوماسية التركية وتحركاتها الإقليمية والدولية في الملفات المختلفة.
 
لذا بدأت السياسة التركية مؤخرًا تتعامل في كل ملف على حدة دون الترابط الذي ظهر في سياسة الأعوام الماضية، فبدأت بتحسين علاقاتها مع طهران رغم الخلاف الحاد في سوريا، وكذلك بدأت في الدخول مع السعودية في تحالف استراتيجي ضمن عودتها إلى منطقة الخليج بقوة، بالتزامن مع تنحية القضايا الخلافية، وهو ما يبدو وأنها السياسة المتبعة حاليًا في الملف الإماراتي.
 
ولا يمكن فك الارتباط بين العلاقات التركية السعودية الحالية وبين المصالحة مع الإمارات، إذ إن وزير الخارجية التركي كان في زيارة للرياض قبيل التوجه إلى الإمارات، وهو أمر له من الدلالة الكثير على دور المملكة العربية السعودية في تصفية الأجواء بين البلدين.
 
ماذا عن الملف المصري؟
 
"مصر اليوم ليست قوية ولا تقدم أي نفع لأحد، الوضع هش للغاية وقد يصل لحد الانهيار إن غاب دعم الدول الأخرى في المنطقة لها، ونحن لا نريد ذلك، المصريون إخواننا، ونحن نعرف أهمية مصر، ولكن الصورة الحالية لا تضمن هذه الأهمية".
 
يمكن القول إن وزير الخارجية التركي أراد أن يقول لماذا سنعادي دول الإقليم من أجل الملف المصري والدولة المصرية لا تقدم أي نفع لأحد؟
 
يبدو من هذا التصريح الذي أطلقه وزير الخارجية التركي لمرافقيه أثناء زيارته للإمارات، أن تركيا بدأت تنظر للملف المصري بطريقة أكثر براجماتية جعلها تدرك أن الدور المصري ينطلق الآن من الخليج، وأن مصر الآن بدون الخليج "الدول التي تدعم مصر" ستنهار، وبالنسبة إليهم مصر "دولة لا تقدم أي نفع لأحد".
 
يمكن القول إن وزير الخارجية التركي أراد أن يقول لماذا سنعادي دول الإقليم من أجل الملف المصري والدولة المصرية لا تقدم أي نفع لأحد؟
 
عامل آخر مهم يتحكم في نظرة تركيا إلى الملف المصري وهو ثبات وجمود الوضع في مصر إلى حد كبير وفشل الرهان على تيار الإخوان المسلمين لإحداث تغيير في المنظور القريب على الأقل، لذا اتخذت تركيا قرارًا بتنحية هذا الملف جانبًا دون التراجع بالطبع عن الموقف السابق من النظام المصري، وفي نفس الوقت دون تضخيم.
 
حيث شدد الوزير مولود تشاووش أوغلو في حديثه أن بلاده على الرغم من الانتقادات التى توجهها لإدارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، فلم تعمل على الإطلاق ضد مصر في المحافل الدولية، ولم تقم بفرض أية عقوبات اقتصادية تؤثر على حياة المصريين، مضيفًا "هذه الأمور تدل على تقديرنا لمصر والمصريين".
 
وأضاف في قوله حول القضية المصرية، "لن تستمر العلاقة على صورتها الحالية للأبد، ولا يجب أن تكون كذلك"، إلا أنه شدد على أن تركيا لن تتراجع من أجل استعادة العلاقات على حساب مبادئها، وقال، "في الحقيقة، لقد قدمنا أفكارنا حول تصورنا للحلول، نحن لا نقوم فقط بغلق الأبواب".
 
واستكمل، "هناك خطوات يجب اتخاذها، وهذا لا يعد تدخلًا في الشأن المصري الداخلي، هناك مشكلة قائمة، ونحن نتشارك الآراء لحل هذه المشكلة لأن المصريين إخواننا"، وهذا معناه أن الأمر سيبقى على ما هو عليه لكن لن تكون له ظلال على العلاقات الإقليمية الأخرى كما حدث في 2013.
 
تركيا يبدو أن لديها رغبة في جمع أكبر قدر من الحلفاء إلى جوارها في الملف السوري الذي يتعقد يومًا بعد يوم
 
وقد حاول وزير الخارجية التركي نفي مسألة دعم تركيا لتيار الإخوان المسلمين لتشابه الأيديولوجيات قائلًا، "الاعتقاد السائد بأن تأييد الإخوان المسلمين في مصر كان نابعًا من تشابه الأيديولوجيات مع حزب العدالة والتنمية التركي هو فهم خاطئ للأمور؛ فالعلاقات التركية مع تونس تؤكد ذلك، فهناك وصل الإخوان أيضًا إلى السلطة بعد الربيع العربي وكانت لدينا علاقات جيدة معهم، وبعد ذلك خسروا في الانتخابات أمام أحزاب تونسية أخرى شكلت الحكومة ونحن ما زال لدينا علاقات جيدة مع تونس حتى الآن، لدينا علاقات جيدة مع جميع الأحزاب المنتخبة من قِبل الشعب التونسي".
 
هذا الخطاب يدل على أن الأتراك قد قرروا فيما يخص علاقتهم مع الإمارات بالتحديد والخلاف حول القضية المصرية تجميد الأمر عند هذه النقطة، وهي القبول بالأمر الواقع دونما التعامل معه، وبما لا يصنع خلافات مع شركاء تركيا في المنطقة، انطلاقًا من قضية دعم النظام الإقليمي والدولي لنظام عبدالفتاح السيسي، وقدرات الإخوان المتواضعة في مواجهته التي ظهرت للنظام التركي فيما بعد.
 
الملف السوري
 
كما أن تركيا يبدو أن لديها رغبة في جمع أكبر قدر من الحلفاء إلى جوارها في الملف السوري الذي يتعقد يومًا بعد يوم، ويظهر ذلك في الحرص على الشراكة في هذا الملف بالتحديد مع المملكة العربية السعودية.
 
وبالرغم من تباعد الموقف الإماراتي إلى حد ما عن الموقف السعودي والتركي في القضية السورية، إلا أن تركيا أدركت الآن ضرورة الخوض في غمار ودهاليز الحلول السياسية التي تُعد لسوريا في ظل عدم قدرتها مع السعودية على حسم الأمور على الأرض.
 
زيارة لها ما بعدها
 
زيارة جاويش أوغلو إلى الإمارات مؤخرًا ولقائه بولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، واجتماعة بنائب رئيس الوزراء حاكم دبي محمد بن راشد، وجلسته مع وزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد تشير إلى أن هذه الزيارة سيكون لها ما بعدها على مستوى البلدين وعلى المستوى الإقليمي.
 
فمن جانب تريد تركيا أن تضمن أن مشكلاتها الخارجية لن تؤثر على جبهتها الداخلية فيما يخص الإمارات بالتحديد، بجانب إعطاء الملف الاقتصادي أولوية في هذه المرحلة.
 
وما أن تعود العلاقات إلى طبيعتها وتفتح الصفحة الجديدة بحسب تعبير المسؤولين الأتراك، ربما تلقي العلاقات التركية الإماراتية بظلالها على الملف المصري والسوري.
 


التعليقات