تصاعدت حدة المواجهة صباح السبت 10 فبراير/شباط 2018، على الجبهة السورية-الإسرائيلية، والتي أسفرت عن إسقاط مقاتلة إسرائيلية من طراز "إف-16"، تبعتها هجمات جوية إسرائيلية على منصات صواريخ داخل العمق السوري.
وأعلن التلفزيون السوري أن هناك غارات إسرائيلية استهدفت ريف دمشق، وتم التصدي لها، بحسب ما أفاد به التلفزيون الرسمي السوري.
وتتهم الروايات الإسرائيلية إيران، التي توجد قواتها في سوريا، بالمسؤولية عن إسقاط طائرتها صباح السبت.
المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، نشر في صفحته على موقع "تويتر" تفاصيل التصعيد العسكري، مشيراً إلى أن بدايته كانت مع "اعتراض الجيش الإسرائيلي بنجاح، من خلال مروحية حربية، طائرة إيرانية من دون طيار، أُطلقت من سوريا واخترقت الأراضي الإسرائيلية".
وكانت العديد من التحليلات قد توقعت مع بداية عام 2018، أنه ربما يكون عام المواجهة بين تل أبيب وطهران؛ إذ أشار الكاتب الشهير توماس فريدمان، مع بداية شهر يناير/كانون الثاني 2018، في صحيفة "نيويورك تايمز"، مقالاً تحدث فيه عن "الجنون"، متسائلاً عما إذا كان بإمكانه الحفاظ على السلام بين إسرائيل وإيران.
وأشار الكاتب في مقاله، الذي ترجمه موقع "عربي21"، بالحديث عن رحلة إلى مرتفعات الجولان على الحدود السورية مع إسرائيل، متسائلاً: "من كان يصدِّق أن مستقبل الحرب سيبدو وسط هذا الهدوء الجميل مثل إحدى لوحات الفنان ديفيد روبرتس عن الشرق الأوسط في القرن التاسع عشر".
"وضع متأزم"
ويقول فريدمان: "أزور الحدود الإسرائيلية على طول الطريق الذي يتقاطع مع لبنان وسوريا وإسرائيل، وبعيداً هناك جبل الشيخ المكلل بالثلج الناصع، يدعو المتزلجِين إليه، وتحيط به قرى سورية ولبنانية، البادية من التلال، والمتوَّجة بالمنارات والصلبان، والصوت الوحيد الذي تسمعه هو إطلاق النار المتقطع من بنادق الصيادين اللبنانيين".
ويستطرد الكاتب، قائلاً إن "لوحات روبرتس ليست موجودة، فالمنطقة التي أقف عندها تعد من أخطر بقاع الكرة الأرضية بعد شبه الجزيرة الكورية، والخلفية الهادئة هي صورة عن الحرب في القرن الحادي والعشرين".
ويبين فريدمان أن "هذه المنطقة تختفي في التلال وغابات الصنوبر، حيث تحاول دولة -وهي إسرائيل- التحرك في معركة مع جيش دولة (سوريا)، ومنافِسة إقليمية (إيران)، وقوة عظمى (روسيا)، ومرتزقة أقوياء ومجانين (حزب الله وتنظيم الدولة)، وعشائر وطوائف محلية (دروز ومسيحيين)".
ويقول الكاتب: "جئت إلى هذا التقاطع؛ لأنه قد ينفجر في أي وقت، فإذا كانت المواجهات في العراق وسوريا بين التحالف الدولي وتنظيم الدولة هي القصة الأولى والمهمة عام 2017، فإن القصة الأولى عام 2018 ستكون المواجهة، التي تتخمر بين إسرائيل وإيران وحلفائها من حزب الله، والتحالف الشيعي المتمدد على الحدود السورية-الإسرائيلية".
ويشير فريدمان إلى أنه "ما بين 1500 إلى 2000 من المستشارين الإيرانيين العاملين في بيروت ودمشق قاموا خلال العامين الماضيين، بتوجيه الآلاف من مرتزقة حزب الله الموالين لإيران، ونحو 10 آلاف من الشيعة المرتزقة من أفغانستان وباكستان؛ لهزيمة المعارضة السنّية وتنظيم الدولة في الحرب الأهلية السورية".
ويقول الكاتب: "شخصياً، لست معادياً للإيرانيين، وأحترم مظاهر القلق الأمنية المشروعة في الخليج العربي، لكن لديّ عدد من الأسئلة: بحق السماء، ما الذي تفعله إيران هنا؟! تعمل على إطفاء جذوة الديمقراطية في لبنان، وتأمل التشارك في السلطة بسوريا، والآن تمثل تهديداً على إسرائيل، وما حجم التعاون، تعاون روسيا مع إيران في قمع الثورة السورية، وهي على علاقة مع إسرائيل، وتستخدم نظامها الصاروخي أرض/جو (إس- 400)، الذي يغطي الآن كلاً من سوريا ولبنان ولحماية إيران وحزب الله؟".
ويلفت فريدمان إلى أن "هذين السؤالين حضرا هذا الأسبوع، واستمع لما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يوم الإثنين، بعد لقائه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للمرة السابعة في عامين: لن تسمح إسرائيل لإيران لتحصِّن نفسها في كل من سوريا ولبنان، وتحويلهما إلى (مصنع للصواريخ الدقيقة.. وكنت واضحاً مع بوتين بأننا سنوقفها إن لم تتوقف بنفسها)".
سياسة إسرائيل في سوريا
ويجد الكاتب أن "إسرائيل استطاعت حتى الآن لعب مباراة الشطرنج ثلاثية الأبعاد في حروب القرن الحادي والعشرين ببراعة، حيث ظلت خارج الحرب الأهلية السورية، وفي الوقت ذاته قامت بعمليات دقيقة، وقصفت الإيرانيين وحزب الله، ومنعتهم من تحديث صواريخهم، لكن حزب الله وإيران حاولا جهدهما للتقدم قدر ما يستطيعون، بحسب ما يقوله الضباط الإسرائيليون".
ويتساءل فريدمان: "ما هي استراتيجية إسرائيل لتحافظ على صراعها مع حزب الله وإيران على نار هادئة؟ قامت أولاً وأخيراً بإرسال رسالة إلى حزب الله وإيران بأنه لا يمكنهما التفوق عليها في الجنون، وفي حال اعتقد الإيرانيون وحزب الله أنه يمكنهم وضع راجمات صواريخ في التجمعات السكانية الكثيفة السورية واللبنانية، وتوقعوا ألا تقوم إسرائيل بتدميرها، رغم ما تحمله العملية من أضرار جانبية، فهم مخطئون اليوم، كما أخطأوا عام 2006".
ويوضح الكاتب أن "القادة الإسرائيليين مقتنعون بأن حزب الله تجنَّب المواجهة مع إسرائيل منذ عام 2006؛ لأن الطيران الحربي الإسرائيلي قصف -ودون رحمة أو رادع- البنية التحتية اللبنانية ومكاتب حزب الله، والمواقع العسكرية في الضاحية الجنوبية، ويقول المخططون العسكريون الإسرائيليون إن الحرب كانت قبيحة ووحشية، لكنها فعلت فعلها، فهذه ليست إسكندنافيا".
ويورد فريدمان نقلاً عن ضابط إسرائيلي، قوله: "الواقع يبدأ هنا، حيث ينتهي خيالك"، ويعلق قائلاً: "في بعض الأحيان، المجنون هو الذي يستطيع وقف مجنون آخر، بالتأكيد وصلت الرسالة لحسن نصر الله، واعترف بعد الحرب بأنه لم يكن ليبدأ الحرب لو كان يعلم أن إسرائيل ستتسبب في هذا الدمار الكبير".
ويقول الكاتب إن "المخططين العسكريين الإسرائيليين يأملون أن يتذكر هذا الأمر وكذلك إيران، ويقولون إن الأخيرة لو كانت تعتقد أنها تستطيع شن حرب بالوكالة ضد إسرائيل، من سوريا ولبنان، وتحافظ في الوقت ذاته على الجبهة الداخلية دون أن يمسّها سوء، فهي واهمة، حيث اشترت إسرائيل غواصات نووية من نوع دولفين، وتستطيع العمل في الخليج العربي، وسلّحتها بصواريخ كروز للعمل في أعماق البحر".
ويستدرك فريدمان بأن "إيران عدو مصمم ومراوغ، وتعمل على تحديث قدراتها الصاروخية التي تعود إلى السبعينيات من القرن الماضي إلى هجمات أرض/جو دقيقة، وقد استخدم الحوثيون حلفاء إيران في اليمن هذه التقنيات الجديدة".
أسلحة حزب الله تؤرق إسرائيل
وينوه الكاتب إلى أن الإسرائيليين أخبروا بوتين بأنهم لن يسمحوا لإيران ببناء هذه التقنيات الصاروخية في لبنان، أو تحويلها إلى صواريخ دقيقة، يملكها حزب الله في لبنان عن طريق أي مخزن أو مصنع بسوريا، وأن على روسيا ألا تتدخل في العمليات ضدهم، مشيراً إلى أنه من غير المعلوم ما إذا كان بوتين قدم وعوداً بهذا الشأن.
ويقول فريدمان: "هذا ليس أمراً صغيراً، فلو أراد حزب الله اليوم ضرب مبنى عسكري أو مصنع للتكنولوجيا من لبنان، فهو بحاجة لإطلاق 25 صاروخاً غبياً، ولو نشر الصواريخ الإيرانية المتقدمة فهو لا يحتاج لإطلاق سوى صاروخ واحد، وهناك احتمالات كبيرة أن يصيب الصاروخ الهدف على بُعد 30 متراً، ما يعني تكبيد البنية التحتية الإسرائيلية خسائر فادحة".
ويرى الكاتب أن "الحرب ليست حتمية، فعلى مدى الأعوام الـ12 الماضية، أدار الإسرائيليون والإيرانيون وحزب الله ما سماه ضابط إسرائيلي (حواراً حركياً)، يقوم فيه كل طرف باحتواء النزاع، لا إهانة الطرف الآخر، وعندما قتلت إسرائيل في يناير/كانون الثاني 2015 جنرالاً إيرانياً وعدداً من مقاتلي حزب الله في سوريا، فإن الحزب رد بإطلاق صاروخ على عربة إسرائيلية قرب الحدود وقتل جنديَّين، وكان هذا أكبر تصعيد منذ عام 2006".
ويقول فريدمان إن "إسرائيل قررت بعد تفكير طويل ألا تنتقم، فقد وصلت رسالة حزب الله وإيران، وهذا هو الحوار الحركي، لكن إلى متى سيظل؟".
ويذهب الكاتب إلى أن "إسرائيل وحزب الله وإيران أقوى اليوم من عام 2006، وكلهم سيخسرون في حرب الصواريخ، حيث أصبح لدى إسرائيل وادي سيليكون، الذي يضم شركات تقنية عملاقة على الشاطئ، ويعد آلة نمو، أما حزب الله وإيران فيسيطران على الدولتين اللبنانية والسورية، ولا أحد يريد الخسارة مرة ثانية".
ويختم فريدمان مقاله بالقول: "ربما كان هذا مصدراً للتفاؤل. لكن للأسف، فإن هناك العديد من الفرص، تتم فيها إساءة التقدير في مباراة الشطرنج ذات الأبعاد الثلاثة، حيث ستكون الأعوام الـ12 المقبلة كالتي سبقتها تماماً".