الأمير بندر يروي تفاصيل مثيرة عن زيارة الأسد الأخيرة للرياض
- وكالات الاربعاء, 06 فبراير, 2019 - 09:19 صباحاً
الأمير بندر يروي تفاصيل مثيرة عن زيارة الأسد الأخيرة للرياض

روى رئيس الاستخبارات السعودي السابق، السفير السابق في واشنطن، الأمير بندر بن سلطان، تفاصيل مثيرة حول آخر زيارة لرئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الرياض.

 

بندر بن سلطان، في المقابلة التي تنشرها صحيفة "إندبندنت العربية" التابعة للرياض على عدة أجزاء، قال إنه وبعد شهرين من صعود بشار إلى سلم الحكم، واستقرار الأمور السياسية في سوريا، طلب منه الملك عبدالله الذهاب إلى دمشق ولقاء بشار، متابعا: "ذهبت فعلاً، واستقبلني بشار بطلبات... ترتيب زيارة له إلى فرنسا، وطلب مقابلة الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وقال إنه لا يعرف كيف يحصل على دعوة. سألته أين تريد أن تذهب؟ قال باريس ولندن. قلت له: سأستأذن من الملك.

 

عدت إلى السعودية، وأخبرت الملك، فاتصل برئيس الحكومة اللبناني الراحل رفيق الحريري، الذي كان موجودا صدفة في المملكة، جاء الحريري، وكان لا يعطي اهتماماً لبشار الأسد في حياة حافظ، ويتجاهل الطلبات التي يرسلها إليه، ويقول: (جيبوا موافقة من حافظ). ولم يكن رفيق الحريري يفعل هذا إهانة لبشار، بل احتراماً لحافظ الذي أرسل للحريري قائلاً: (إياكم وأن يأتيكم أحد ويقول لكم الرئيس أرسلني، أو يطلب مساعدة، لو كان هناك أي شيء أنا أكلمكم)".

 

ويواصل الأمير حديثه عن بشار وطلباته وشخصيته: "واستطراداً، بشار عكس ذلك تماماً. فقد أرسل لي ابن خاله رامي مخلوف رسالة عاجلة لوالدي الراحل الأمير سلطان بن عبدالعزيز، حين كان وزيراً للدفاع، يطلب فيها رؤية الأمير بندر، ثم الأمير سلطان، قلت له: ما الموضوع؟ قال: هناك مشروع في وزارة الدفاع السعودية، وهناك شركة فرنسية مع عدة شركات في المشروع، وأنا وعدتهم (أن ترسو عليهم المناقصة). قلت له: توقعت وجود مشكلة كبيرة، قال: هذا موضوع مهم لنا. قلت له: أنصحك ألّا تذهب للأمير سلطان، الموضوع لا يستحق إخبار الأمير به. ذهبت للأمير سلطان في منزله وأخبرته بذلك، فاندهش من الطلب، واتصل بعلي الخليفة مدير مكتبه، وسأله: هل هناك شركة فرنسية قدمت على المشروع الفلاني؟... قال: نعم، قال: احذفوها، في غضب من الأمير سلطان على الطلب والتوسط في هذا المشروع".

 

وأضاف: "تدريجياً، بدأ بشار يقوم بتصرفات غريبة، بدأ يزور إيران، وبدأت تحصل تحركات غريبة لسوريا في لبنان، شعرنا أن هناك شيئاً ما، لكن الملك قال: (أهل مكة أدرى بشعابها)، إذا كانت هذه العلاقات والتحركات تخدم بلاده فهو أدرى".

 

وعن الحريري، قال ابن سلطان إن "تجاهله قديماً لطلبات بشار الأسد، واشتراطه وجود موافقة من والده حافظ الأسد، حملها بشار في صدره بعد وصوله لسدة الحكم. وحينها بدأ الحريري يشتكي من تصرفات بشار، وجاءت قصة الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود والتمديد له. نجح الحريري في إقناع النائب -في حينها- وليد جنبلاط ونبيه بري وبعض المسيحيين بأنه ينبغي عدم التمديد لإميل لحود. فذهب مدير الأمن العام اللبناني جميل السيد إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري (بإيعاز من بشار) ، ويبدو أن الزيارة كانت للتهديد، وبعد اللقاء بين جميل السيد ونبيه بري، أعيد التصويت، ووافقوا على التمديد للحود.

 

 

 

رفيق الحريري غضب واستقال، وعيّن سليم الحص رئيساً للوزراء، وجرت انتخابات بعد فترة، عمل فيها رفيق الحريري الغاضب بجهد مع المسيحيين والدروز والسنة، وخرجت النتيجة بأغلبية لصالحه. الأحداث معروفة، جن جنون السوريين، ونقلوا رئيس شعبة المخابرات السورية في لبنان اللواء غازي كنعان، وأصبح وزير داخلية، وتم تعيين اللواء رستم غزالي بديلا عنه. وتلقى رفيق الحريري تهديداً بالقتل، فاستقل طائرته، وجاء إلى السعودية، وأخبر الملك عبدالله بما حدث".

 

وتابع ابن سلطان سرد تفاصيل مثيرة عن لقاء الحريري ببشار، قائلا: "عند دخوله على بشار الأسد، لم يجد الحريري وزير الخارجية فاروق الشرع أو عبد الحليم خدام، بل وجد غازي كنعان -الذي انتحر بثلاث طلقات في رأسه لاحقاً، ولأول مرة نعرف أن شخصاً ينتحر ثم يضع المسدس على المكتب. مات جميع الضباط لاحقاً، وتم إخفاء كل دليل مادي يوصلك إلى من قتل الحريري- قصة الأسد مع الحريري معروفة، بدأ الأسد بالشتم والهجوم، وقال له: نفّذ كل ما يطلبه منك لحود، وإذا كنت تعتقد أن علاقتك مع الملك عبدالله والسعودية، وجاك شيراك ستحميك (والله لأطبق لبنان على رأسك أنت ووليد جنبلاط). ومن كثرة الشتم والتهجّم عليه نزف الحريري دماً من أنفه نتيجة للشحن والضغط الذي تعرض لهما بعد ما سمعه من كلام وتهديد.

 

مر خدام بالحريري وقال له: ألم أقل لك؟ فرد الحريري: سأستقيل، ولن أتحدث مع أحد، لكنني لن أخرج من لبنان. توجه الحريري إلى جنبلاط، وأخبره بما حدث، وبعد هذه الحادثة بأسابيع، وقع تفجير واغتيل الحريري، واتصل الملك عبدالله ببشار، وأسمعه كلاماً قاسياً، وكان بشار يقسم بالله أن لا دخل له، فجاء رد الملك: إن لم يكن لك علاقة بالموضوع إذاً سلّم من لهم علاقة، نعرف جميعاً أنه لا يمكن أن يحدث شيء في لبنان دون تدخل منك. وطلب الملك تسليم المطلوبين".

 

يواصل الأمير بندر سرد قصة ما بعد اغتيال الحريري: "طلب مني الملك عبدالله الذهاب إلى بشار الأسد، وهذه كانت المرة قبل الأخيرة التي أراه فيها تقريباً. فتوجهت إليه في دمشق، وقلت له: تعاون مع المحكمة الدولية. فأجابني: (أخ بندر ما فيه دليل، شو الدليل). قلت له: هذا يعود للمحققين، لدينا علم بالزيارة الأخيرة لرفيق الحريري وماذا قلت له. فرد بشار: غير صحيح، جاء وقال إنه يريد أن يستقيل، قلت له: هذا أمر يعود لك، واستقال. قلت له: غير صحيح، هو استقال ثم جاء إليك بعدها.

 

وعن تفاصيل الزيارة الأخيرة للرياض، قال ابن سلطان: "عُدت مرة أخرى إلى سوريا، وأطلعت بشار على جدية الموقف، وقلت له إن الحبل بدأ يقصر، وإن خطوة واحدة تفصله عن أن يصبح وحيداً، وإنه لن يجد من يرد عليه السلام. قال لي حينها: أنا فكرت في الموضوع، وأوافق على أن تستجوب اللجنة الضباط بشرط استثناء (ماهر وآصف شوكت). وثانياً أن يكون التحقيق في جنيف أو فيينا، وثالثاً أن يكون هناك ضمانة بعودتهم إلى سوريا بعد التحقيق.

 

يتحدث بندر بن سلطان عن الحرج الذي أوقعه فيه الأسد، ويقول إن اتصالا جاءه من الإليزيه ليكون الرد لشيراك: "فخامة الرئيس، أنا أخبرتك بما حدث، ما قاله وزير الخارجية أو بشار بعد أن خرجت لا أعرف عنه شيئاً، ولكن دعني أتصل بالملك وأخبره، وسنرى. في هذه الأثناء، بدأت أغلي، وشعرت بالخديعة، اتصلت بالملك من الطائرة وأخبرته، وقال نعم وصلتني الأخبار الآن، هذا لعب أطفال. وسألني الملك: أين أنت؟ قلت له: في الطريق إليكم، فطالبني بالتوجه إلى دمشق فوراً، وبأن أخبر بشار الأسد بإصدار بيان متلفز منهم بأنهم وافقوا على الحل، وإلا أصدر أنا تصريحاً للصحافة الأجنبية في دمشق، وأقول إن السعودية رفعت يدها عن الموضوع، ولا علاقة لها بالقضية إطلاقاً، ونتصرف لاحقاً.

 

 

 

وصلت إلى دمشق، واستقبلني وزير الخارجية وليد المعلم في المطار، وقال لي بهمس، ولم يكن يريد أن يسمعنا السائق: (دخيلك هالولد بيدخلنا في المشاكل). قلت له: يا وليد لن يدخلكم في مشاكل، لأنكم الآن في وسط المشاكل. وأخبرني المعلم أننا سنتجه لتناول الغداء أولاً، قلت له: لا وقت للغداء، سأذهب للقاء الرئيس، ثم أعود إلى المملكة. ثم أصرّ، فقلت: له أين؟ قال: في مطعم جميل خارج دمشق، ووافقت. دخلنا إلى مطعم خال تماماً وكبير، رحب مديره بالوزير وبي، واتجه بنا إلى طاولة، لكننا اخترنا غيرها، بعد إشارة لي من وليد المعلم، الذي يبدو أنه كان قلقاً من وجود جهاز تسجيل في الطاولة الأولى".

 

هذا الموقف، والخديعة، والحرج بين فرنسا والسعودية، وتسبب الأسد بالإحراج للأمير بندر مع الرئيس الفرنسي وقتها جاك شيراك، بحسب ابن سلطان، دفع السعودية لأخذ موقف سلبي تجاه بشار، وعدم الترحيب به وتصديقه. ويذكر الأمير بندر قصة، أنه بعد الحادثة وبعد اغتيال رفيق الحريري، وقصة التعارض في التصريحات، طلب بشار زيارة السعودية، لكن الملك عبدالله لم يوافق، وأصر الأسد، وطلب الوساطة للزيارة، ووافق الملك عبدالله.

 

وأضاف: "وصل الأسد إلى السعودية، والتقى بالملك عبدالله، وجلسا على انفراد، ثم خرجا، وكان ذلك بوجود الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية آنذاك، وبوجود الملك سلمان -وكان حينها أميراً للرياض- والأمير مقرن بن عبدالعزيز والأمير سعود الفيصل. وخرج الملك، وقال لنا اتفقت أنا والرئيس بشار على أن يذهب رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ويزور دمشق، وأن يستقبله بشار استقبالاً رسمياً، وأن يسكن في قصر ضيافة الرؤساء، وعلى أن يعطي بشار توجيهات في لبنان، بعدم الاعتراض على أي قرار يتخذه رئيس الوزراء سعد الحريري، وجميعكم شهود الآن: هل هذا صحيح يا بشار؟ قال بشار باللهجة السورية: "إي نعم جلالة الملك". رد الملك، إذاً لعلها فاتحة خير، وهذا لا يمنع استكمال التحقيقات الجارية بشأن مقتل رفيق، وردّ بشار الأسد: بالتأكيد".

 

وقال بندر بن سلطان، إن الأسد قال للملك عبد الله: "يا جلالة الملك، الحقيقة أنا لست عاتباً، لكن اللبنانيين سيئون، ويقول صحفيوهم إنك مستاء مني، وإنك تقول عني أحياناً كلاماً (مش طيب)، وحينها الأمير سلطان بن عبدالعزيز ابتسم، ولم يظهر الأمير نايف أي ملامح، وبدأنا جميعنا نلتفت إلى الملك، منتظرين ما سيقوله".

 

وتابع: "فقال له الملك عبدالله: بشار، أنا أعرف عمك قبل والدك، ثم عرفت والدك، ولا تستطيع أن تقول عنه أي شيء غير أنه (حافظ) صادق، لم يكذب أبداً. أما أنت، فكاذب ثم كاذب ثم كاذب، كذبت على بندر، وكذبت عليّ، وأنا أسامح في كل شيء إلا من يكذبون عليّ".

 

وأردف قائلا: "تفاجأ بشار برد فعل الملك ورده، وقال مرتبكاً: لكن يا جلالة الملك أنا رئيس الجمهورية العربية السورية. فقال الملك منفعلاً: وإن كنت رئيس سوريا؟ أنت كاذب، وليس عندي ما أضيفه. ثم قام الملك وخرج".

 

وقال بندر بن سلطان، إن الأسد ثنى قدميه، وكان قلقا بعد وصف الملك عبد الله له بـ"الكاذب".


التعليقات