رهانات الإمارات في المغرب الكبير … أطماع وأوهام
- وكالات الأحد, 24 مارس, 2019 - 05:36 مساءً
رهانات الإمارات في المغرب الكبير … أطماع وأوهام

من بين المطالب والشعارات الهادرة التي تعالت بها حناجر المتظاهرين الجزائريين، في خضم دينامية الشارع الأخيرة المطالبة بإصلاحات سياسية عميقة وشاملة على المستوى الداخلي، ” كانت هناك دعوة للسياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة لكي تنأى بنفسها عن التدخل في شؤون الجزائريين والابتعاد عن محاولة تكرار تجاربها المماثلة السابقة في كل من ليبيا وتونس”.

 

وفِي هذا السياق، تنامت حركة التدوين الافتراضي في المواقع والحسابات الجزائرية على منصات التواصل الإجتماعي، مجمعة وجامعة على رفض تغريدة للمستشار السابق لولي عهد أبو ظبي السيد عبد الخالق عبد الله، الذي علق فيها على قرار الرئيس بوتفليقة القاضي بإرجاء الانتخابات وعدم الترشح لولاية خامسة، وهو ما اعتبرته شريحة واسعة من الجزائريين بأنها “حالة شرود إماراتي ضمن المشهد السياسي الجزائري”.

 

وفي سياق متصل، تناقلت وسائل الإعلام مؤخرا مشهدا لعدد من المتظاهرين السلميين وهم يحيطون بمراسل قناة العربية، السعودية المنشأ والإماراتية الموطن والخطاب، وهم يصدحون جهارا وعاليا بعبارات تطالب دولة الإمارات بالابتعاد عن الشأن الداخلي الجزائري، وعن حركة التدافع الجماهيري العرضي والسلمي الباحث عن إصلاحات سياسية، وذلك في إشارة عفوية رافضة لكل الإملاءات الخارجية، وكاشفة لمحاولات التأطير والحجر التي تحاول فرضها بعض الجهات والأجندات الخارجية على الخيارات الداخلية للشعوب.

 

شعارات مناوئة للإمارات…محاولة للفهم

 

لم يكن الشارع الجزائري وحده في المنطقة العربية والمغاربية الممتعض والرافض لنزوعات الإمارات المتدخلة في الشؤون الداخلية للدول، فقد سبقه إلى ذلك الشارع والنخبة السياسية التونسية، بعدما مارست الإمارات العربية المتحدة ضغوطا إعلامية وسياسية ومالية مكشوفة وأخرى مبطنة لشيطنة الانتقال السياسي السلمي في مرحلة ما بعد رحيل الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، معتمدة في ذلك على كورال إعلامي حريص على تضخيم السلبيات وخلق الأزمات وتقديم صورة مغلوطة عن الأوضاع الداخلية مؤداها “فشل الثورة التونسية”.

 

والشارع المغاربي لازال يستحضر أيضا ” الأيادي البيضاء” للإمارات الشقيقة في إدامة الصراع والاختلاف الليبي. فبعدما توافق الفرقاء السياسيون الليبيون على حكومة ائتلاف وطني يرأسها فايز السراج، كثمرة لجهود ومساعي بذلتها مختلف الأطراف الليبية، بوساطة مغربية ورعاية للأمم المتحدة في إطار اتفاق ” الصخيرات”، برزت لاحقا على السطح نثوءات الاختلاف ونزعات “البلقنة”، بعدما دعمت الإمارات تأسيس الجيش الليبي بزعامة المشير خليفة حفتر ، وخلقت منه “إسفينا” في نعش الانتقال السلمي الديموقراطي في بلد لازال لم يتعاف بعد من تداعيات حكم معمر القدافي.

 

وملامح التدخل الإماراتي تبدو جلية كذلك في العديد من دول المنطقة العربية، منها ما اقتصر على التأثير على القرارات السيادية للدول، ومنها ما تجسم في صورة التدخل العسكري المباشر مثلما هو الحال في اليمن. وهذه التدخلات تتم عادة عبر سلاح التمويل والاستثمارات التي يلعب فيها الصندوق السيادي الإماراتي الدور البارز، باعتباره الأول عربيا والثاني عالميا، أو عبر يافطة الدراسات الاستراتيجية والتوجيه المعنوي من خلال مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أو عبر التغلغل المباشر في الإعلام غير الرسمي للدول، عن طريق شراء غالبية الأسهم في المواقع الإخبارية الأكثر مقروئية، أو تمويل زيارات لمدراء النشر ورؤساء التحرير إلى دولة الإمارات، أو تكليف الملحقين الإعلاميين والثقافيين في السفارات الإماراتية بخلق شبكة من “العلاقات المتشعبة والمتينة في الأوساط الإعلامية للدول المستهدفة”.

 

أوهام الإمارات في المغرب الكبير

 

مخطئ، بل واهم من يهمس في أذن الإمارات ويشي لها بأن دول وشعوب المغرب العربي ربما هي مجرد “بيادق” في قطعة شطرنج، يمكن أن يهزها هزا دحلان وضاحي خلفان وغيرهم كثر على مذبح الجهل بالجغرافية السياسية. فخلق كيانات شبيهة “بالكانتونات” في اليمن ليست بالفكرة الصائبة التي يمكن تصديرها لدول مثل الجزائر أو تونس أو المغرب.

 

والرهان أيضا على تجييش الشارع مع أو ضد الأنظمة السياسية في هذه البلدان لن يخدم مصالح الإمارات، بل ستكون له حتما ارتدادات عكسية على العلاقات الثنائية وحتى المتعددة الأطراف مع دول مجلس التعاون الخليجي، خصوصا الدول التي تدور في فلك الإمارات. فالأمر هنا سيتعدى العلاقات الثنائية ليمس بمصالح التكتلات السياسية والاقتصادية التي ترتبط بها دول المنطقة فيما بينها، أو في إطار بعدها الإفريقي ضمن الأقطاب الإقليمية في دول الساحل والصحراء وغرب إفريقيا.

 

وهنا لابد من التنويه إلى أن التدخل الإماراتي غير المعلن في دينامية المطالب السياسية والشعبية الجزائرية، بدا مشوبا بالضبابية وانعدام الرؤية، ومرد ذلك إلى الجهل أولا بالنسق السياسي والاجتماعي الجزائري، وللنزق الذي يبديه منظرو التدخل الخارجي في الأجندة الإماراتية ثانيا. فقد كانت المواقف الرسمية تؤيد في البداية اختيارات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، رغم أن الإمارات لا تحفظ الود لهذا الأخير بسبب مواقف بلده الرافضة للتدخل الإماراتي في تونس وليبيا، وذلك قبل أن يتغير هذا الموقف وتتعالى أصوات شبه رسمية تؤكد الاصطفاف الإماراتي مع مطالب الشعب الجزائري، في تحول برغماتي يحاول مسايرة المستجدات وتطورات الساحة السياسية الداخلية.

 

وإذا كانت الإمارات تراهن على استقبالها في مناسبتين لرئيس أركان الجيش الشعبي الجزائري ونائب وزير الدفاع الوطني الفريق أحمد قايد صالح، بمناسبة الذكرى 47 لإعلان الاتحاد وكذا المشاركة في المعرض الدولي الرابع عشر للدفاع 2019 -INDEX ، في محاولة لرسم خارطة مستقبلية للنظام السياسي، فإنها تجهل، أو على الأقل، لا يمكنها أن تتكهن بردة فعل النخبة السياسية والشارع الجزائري، الذي عبر مند خروجه الأول عن رفضه لكل التدخلات الخارجية، سواء كانت غربية ممثلة في النفوذ الفرنسي، أو عربية تتزعمها دولة الإمارات المعروفة بسوابقها في المنطقة العربية والمغاربية.

 

الإمارات..وتلاشي رصيدها في المنطقة المغاربية

 

ما من أحد بمقدوره أن ينكر العلاقات الاستراتيجية القوية للإمارات مع دول المغرب العربي في فترة الراحل زايد آل نهيان، خصوصا مع تونس وبدرجة أكثر متانة مع المملكة المغربية. وقد انعكست طبيعة هذه العلاقات الاستراتيجية على شعوب هذه الدول ومصالحها المشتركة، بحيث أضحت الإمارات مثلا المستثمر العربي الأول في المغرب بأكثر من 15 مليار دولار أمريكي، من خلال أكثر من 20 مقاولة وشركة استثمارية ضخمة، بينما قدمت المملكة المغربية، في المقابل، تسهيلات كبيرة وامتيازات واسعة للرساميل الإماراتية، سواء على مستوى الوعاء العقاري للإستثمارات أو التخفيضات الضريبية أو الامتيازات القنصلية في سندات الإقامة وتصاريح التعشير والجمرك، وحتى في التأشيرات والرخص الاستثنائية لمرافقي الوفود والبعثات الاقتصادية والشخصية.

 

وعلاوة على الجانب الاقتصادي، ارتبطت المملكة المغربية والإمارات العربية المتحدة بأكثر من 95 اتفاق ومذكرة تفاهم وبرنامج تنفيذي في كل المجالات السياسية والثقافية والدبلوماسية، وهو مستوى يؤشر على عمق ومتانة العلاقات الثنائية بين البلدين، وذلك قبل أن تبرز تصدعات بينية كبيرة بسبب التحولات الطارئة في السياسة الخارجية لدولة الإمارات. فقد تفاجأ المغرب كيف أن الإمارات العربية المتحدة صوتت ضد ملف ترشيحه لاحتضان نهائيات كأس العالم، رغم أنها التزمت بذلك علانية وصراحة في اللجنة المشتركة بين البلدين في مايو 2018، في وقت لازمت فيه الجزائر ودول عربية شقيقة موقفها الثابت من دعم قضايا الشعوب العربية سياسيا واقتصاديا وحتى رياضيا.

 

ولم يكن هذا هو المنعطف الأول والوحيد في سياسة الإمارات في المنطقة، فقد جمدت العديد من الاستثمارات المهمة في المغرب، وراهنت على تقوية نفوذها السياسي وتدخلها في منطقة الساحل والصحراء، خاصة في مالي وموريتانيا التي تعد مجالا حيويا لدول المنطقة ، وهو ما ينذر بتزايد حدة الاحتقان وتآكل الرصيد الحيوي للإمارات في المنطقة المغاربية، بسبب سياساتها الموغلة في التدخل في الشؤون الداخلية لدول المغرب الكبير ومحاولاتها المساس بأمنها القومي.

 

فليس في صالح الإمارات أن تخسر علاقاتها الاقتصادية القوية وتقاربها المتين مع شعوب منطقة المغرب العربي، لأن ذلك سيوسع لا محالة من رقعة البلدان الرافضة للسياسة الخارجية لهذا البلد الصغير بطموحاته السياسية الكبيرة، لتنضاف بدورها إلى دول قطعت أشواطا في هذا الاتجاه مثل قطر وتركيا وإيران…، كما أنها ( أي الإمارات) ستفقد حلفاء قارين في السياسة والاقتصاد والجغرافيا مثلما فقدت سابقا تعاطف فئات واسعة من الشعب المصري والليبي والسوري واليمني وغيرها من الشعوب، التي كانت شاهدة على نزعات التدخل في السياسة الخارجية الإماراتية، وتأثرت كثيرا بسبب النتائج الكارثية لتلك التدخلات السافرة التي ترفضها كل الأعراف والمواثيق الدولية.


التعليقات