هل تهدد استثمارات الإمارات أمن مصر القومي؟
- الجزيرة نت الجمعة, 11 أكتوبر, 2019 - 11:08 صباحاً
هل تهدد استثمارات الإمارات أمن مصر القومي؟

[ الرئيس عبد الفتاح السيسي في لقاء مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد بالقاهرة في يونيو/حزيران 2017 (رويترز) ]

تزايد تغلغل الاستثمارات الإماراتية في الاقتصاد المصري خلال الأعوام الأخيرة، واخترق في الآونة الأخيرة قطاعات حساسة، مما أثار تساؤلات عن الهدف الحقيقي من هذا التغلغل والأغراض التي لأجلها سعت أبو ظبي إلى تكريس هذا النفوذ.

 

ومنذ انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013، توسعت الاستثمارات الإماراتية في مصر بشكل مضطرد ليشمل الأمر الاستحواذ على امتيازات وتسهيلات اقتصادية مباشرة من قبل النظام القائم في قطاعات حيوية وحساسة، حوّلها -حسب خبراء اقتصاديين- من مستثمر خارجي إلى شريك أساسي في تلك القطاعات.

 

وكشفت آخر حلقات برنامج "للقصة بقية" المذاعة أخيرا، جانبا من الاستثمار الإماراتي في قطاعات حساسة بمصر، والتي شملت قطاعات كالدواء والاتصالات والنقل البحري والموانئ، وكيف يمكن أن يساعد ذلك أبو ظبي في التدخل في الشأن السياسي المصري، وما يمكن أن يشكله ذلك من تهديد للأمن القومي المصري.

 

وحسبما أعلنه وزير الدولة الإماراتي سلطان الجابر، شمل النفوذ الاقتصادي لبلاده في مصر الاستحواذ على مشروعات في البنية التحتية وفي قطاعات حيوية كالطاقة والإسكان والأمن الغذائي والتعليم والتدريب المهني والرعاية الصحية والنقل والمواصلات.

 

ويدعم هذا الاستحواذ إيجاد حصانة لهذا النفوذ من أي ملاحقة أو مساءلة أو تغيير عبر اتفاقيات تحول دون وجود هذا الحق للطرف المصري في المشاريع المشتركة، حيث لا تتيح تلك الاتفاقيات لمصر الاختصام إلى المحاكم الدولية في حال الخلاف بشأن أي من هذه المشروعات.

 

ويتخوف مراقبون من أن هذا النفوذ الإماراتي وتمويل أبو ظبي صفقات عسكرية للجيش المصري والزج به في صفقات تحوم حولها شبهات فساد، يرهن القرار السياسي المصري للإرادة الإماراتية.

 

وحسب تقارير رسمية، فإن الإمارات تحتل المرتبة الأولى في قائمة الدول التي تستثمر في مصر من حيث عدد المشروعات، وفي المرتبة الثالثة بين أكثر عشر دول تستثمر بالبلاد بقيمة استثمارات بلغت 14.7 مليار دولار خلال الفترة بين 2013 و2017.

 

وحسب تلك المصادر، فإن القطاعات غير الإنتاجية تحظى بالنسبة الأعلى من الاستثمارات الإماراتية كالاتصالات وتكنولوجيا المعلومات (59%) والبنوك (17%).

 

ففي قطاع الاتصالات والتكنولوجيا، كشفت وزارة الاستثمار المصرية في تقرير سابق لها تجاوز استثمارات الإمارات في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصري ملياري دولار.

 

وكان الاستثمار بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر مقتصرا على جهات سيادية في الدولة، أو أي مستثمر أجنبي بعد نيله الموافقات الأمنية، لاعتبارات لها علاقة بالأمن القومي، ومن ثم فإن توسع الإمارات في هذا القطاع يكشف حجم النفوذ السياسي الذي تتمتع به في مصر.

 

وفي القطاع الصحي، استحوذت شركة أبراج كابيتال الإماراتية، المتخصصة في إدارة الملكيات الخاصة، على أكبر كيانات طبيّة داخل مصر، الأمر الذي نقلها من مجرد مستثمر إلى محتكر لهذا القطاع الذي يخدم الملايين من المواطنين.

 

وشملت تلك الصفقات شراء 12 مستشفى خاصا، أبرزها القاهرة التخصصي وبدراوي والقاهرة وكليوباترا والنيل، بجانب معامل التحاليل الأشهر، ومنها المختبر والبرج، وكذلك شراء شركة آمون للأدوية.

 

تقارير مسربة

 

وفي عام 2016 نشرت وسائل إعلام مصرية تقريرًا مسربا عن هيئة الرقابة الإدارية يحذر من أن هيمنة الإمارات على القطاعات الطبية في مصر يشكل "تهديدا للأمن القومي المصري"، كما حذر من وجود شبهة "غسيل أموال" ووجود شبهات حول الغرض من الشراء.

 

وفي قطاع الموانئ، شملت الاستثمارات الإماراتية مشروعات كبرى بدأت قبل 2011، أبرزها مشروع ميناء "العين السخنة" المطل على البحر الأحمر، حيث حصلت شركة موانئ دبي على حق إدارته بحصة 90% بموجب صفقة أثارت كثيرا من الجدل، ونشرت صحف مصرية وثائق تكشف وجود فساد فيها.

 

وبدلا من التحقيق في الأمر، وقعت الهيئة الاقتصادية لمنطقة قناة السويس شراكة مع مجموعة موانئ دبي العالمية لتنفيذ مشروعات في منطقة قناة السويس الاقتصادية.

 

وانطلاقا مما كشفه البرنامج من تغول الاستثمارات الإماراتية في تلك القطاعات الحساسة، يرى الباحث المتخصص في الشؤون الاقتصادية والسياسية محمد حيدر أنها "تمثل خطرا قوميا يمس كافة الشعب المصري"، خاصة في ظل شبهات التجسس التي لاحقت الإمارات من قبل في قضايا عالمية عدة.

 

ومع تقلب بيئة الاستثمار في مصر وعدم استقرارها، يعتبر حيدر حرص أبو ظبي على الاستثمار في تلك القطاعات أمرا يثير الكثير من الشكوك، محذرا من احتمال وجود حالة من التهرب أو تبييض الأموال من شركات تسيطر عليها أبو ظبي.

 

وبخلاف ما هو معروف في عرف الاستثمار من خلق كل مليون دولار لفرص عمل لأربعين شخصا، لم توفر استثمارات الإمارات في التقديرات الدنيا لها، والتي تبلغ قرابة 7 مليارات دولار، إلا نحو 19 ألف فرصة عمل، في الوقت الذي ينبغي فيه أن توفر فيه قرابة 250 ألف فرصة عمل.

 

أهداف أخرى

 

وفي إطار الحلقة، شدد وزير الاستثمار المصري السابق يحيى حامد على أن الشعب المصري لا يستفيد مطلقا من تلك الاستثمارات، مشيرا إلى تراجع حجم الناتج القومي من 353 إلى 230 مليار دولار عقب تعويم الجنيه، وأشار إلى زيادة نسبة الفقر إلى 33%، حسب أحدث إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

 

وأوضح أنه على الرغم من استحواذ أبو ظبي على مؤسسات مهمة في القطاعات الحيوية، مثل الصحة والطاقة والموانئ، فإنها لم تقدم أي مشروع يخدم المواطن المصري ويصب في مصلحته بقطاعات مهمة مثل التعليم والإنتاج.

 

ويتفق الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام مع ما ذهب إليه وزير الاستثمار السابق، حيث يؤكد أن الاستثمارات الإماراتية تتركز في قطاعات غير إنتاجية لا تمثل قيمة مضافة للاقتصاد المصري، وتبتعد عن قطاعات مثل الصناعة والزراعة، ومن ثم فهي تحقق أهدافا أخرى لا علاقة لها بمصلحة المواطن المصري.

 

ويرى عبد السلام أن الاستثمارات الإماراتية تتسم بالاحتكار في بعض القطاعات الحساسة مثل قطاع الصحة، لافتا إلى أن تحكمها بواحد من أكثر القطاعات حساسية كقطاع الصحة يتيح لها التلاعب به كيفما تشاء.

 

وأشار إلى أن عدم وجود أرقام محددة للاستثمارات الاماراتية بمصر، وتعدد الروايات في ذلك، أمر مقصود لإيجاد نوع من الغموض حتى لا يعلم المواطن حجم وثقل هذه الاستثمارات والقطاعات التي تتركز بها.

 

ومع إقراره بضرورة أن تهتم كل دولة بتنويع مصادر استثماراتها، إلا أنه شدد على ضرورة ألا يكون ذلك ذا تأثير سلبي على الأمن القومي للبلاد، مستحضرا موقف الولايات المتحدة من الشركات الصينية وخوفها على الأمن القومي من نفوذها.

 

لكن في مقابل ذلك، يرى الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أن ما يتم رصده من تقديرات للاستثمار الإماراتي بمصر "طبيعي"، وأن رأس المال الإماراتي وجد الكثير من الفرص المربحة في السوق المصري، ونمو هذه الاستثمارات يمثل نفعا مشتركا للاقتصادين المصري الإماراتي على حد سواء.


التعليقات