طرابلس الغرب.. تاريخ عريق أنهكته حروب العصر
- الجزيرة نت الجمعة, 31 يناير, 2020 - 02:26 مساءً
طرابلس الغرب.. تاريخ عريق أنهكته حروب العصر

لا تخفي العاصمة الليبية العريقة المطلة على البحر الأبيض المتوسط جانبها المرهق من الحروب أمام زوارها.

 

وقد تأسست طرابلس في القرن السابع قبل الميلاد على يد الفينيقيين، وكانت مركزا تجاريا للتبادل بين أوروبا وأفريقيا، ويعود سبب تسميتها إلى الإغريق إذ تعني "تريبولي" بلغتهم: المدن الثلاث.

 

ولأنها كانت على مدار تاريخها مدينة مأهولة لم يتبق الكثير من آثارها القديمة، وفي عصرها الروماني بني فيها قوس النصر (قوس الإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس الذي حكم في الفترة 161-180 للميلاد)، ولا يزال يتوسطها حتى الآن.

 

وبعد الرومان أصبحت طرابلس من مدن قبائل "الوندال" الذين اقتطعوا أجزاء من الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي، وأسسوا دولتهم في شمال أفريقيا وعاصمتها قرطاج.

 

وفتح المسلمون طرابلس في زمن الصحابي عمر بن الخطاب، وأصبحت بلدا عربيا منذ ذلك الحين باستثناء فترات احتلال النورمان الصقليين لها في منتصف القرن 12، والإسبان وفرسان مالطا في النصف الأول من القرن 16.

 

كانت المدينة -منذ بداية القرن السادس عشر- مسرحا لصراع بحري كبير بين القوى الأوروبية، وخاصة إسبانيا من ناحية والأساطيل العربية والعثمانية في شمال أفريقيا من ناحية أخرى، وقاد الطرابلسيون مقاومة باسلة أدت لرحيل البحرية الإسبانية عام 1530، ولاحقا جرى إخراج فرسان القديس يوحنا المالطيين بدعم عثماني في منتصف القرن ذاته.

 

وسميت العاصمة الليبية في منتصف القرن السادس عشر في زمن الولاية العثمانية: "إيالة طرابلس الغرب"، تمييزا لها عن "طرابلس الشام" (في لبنان الآن)، وكانت تمتد من إيالة (إقليم) مصر شرقا وحتى إيالة تونس غربا.

 

واستقل الوالي أحمد باشا عن العثمانيين مؤسسا حكم الأسرة القرمانلية منذ بداية القرن 17، قبل أن تعود البلاد مجددا للحكم العثماني عام 1835، وقد تخللت حكم القرمانليين مواجهات بحرية مع الولايات المتحدة لبسط السيادة على البحر المتوسط، وذلك قبل حقبة الاحتلال الإيطالي للبلاد.

 

معاناة العاصمة

 

أصبحت مواقع ليبيا الأثرية مدرجة على قوائم الخطر من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، بما في ذلك مدينتا لبدة وصبراتة التاريخيتان الواقعتان شرق طرابلس وغربها، وكانتا جزءا من المملكة النوميدية الزائلة.

 

وفي العاصمة الليبية، تستقبل الزوار مبان عملاقة غير منتهية وعليها آثار الرصاص فور دخولهم طرابلس التي احتضنت العديد من الحضارات.

 

أمّا ضواحي العاصمة الليبية، فقد تحولت إلى مدن أشباح بعد أن اضطر سكانها للنزوح إلى مركز المدينة هربا من القصف والاشتباكات.

 

ووفقا لبيانات منظمة الأمم المتحدة، فإن عدد النازحين الليبيين بلغ أكثر من 300 ألف بسبب الحروب المستمرة، وأدى هجوم اللواء المتقاعد خليفة حفتر إلى نزوح 170 ألفا من محيط العاصمة طرابلس، وسط تردي الظروف المعيشية.

 

ويواجه سكان طرابلس صعوبات كثيرة بسبب تعطل بعض الخدمات مثل النظافة والمستشفيات ومحطات الوقود والمصارف وحتى الاتصالات، بينما يتعرض مطار معيتيقة الدولي شمال المدينة لهجمات قوات حفتر.

 

وفي مركز العاصمة يوجد ميدان الشهداء وجدران تاريخية يتجول في ظلالها الليبيون والسياح ليستنشقوا عبق التاريخ.

 

ويبعد سوق المدينة -المبنى في العهد العثماني- السكان عن الحرب ولو لساعات قليلة، حيث يصلون إليه عبر بوابة حجرية مقوسة.

 

ويستقبل جامع أحمد باشا العثماني الزوار بعد وصولهم إلى داخل السور، لينتقلوا بعد ذلك إلى الأزقة الضيقة.

 

وينتظر الليبيون في طرابلس بفارغ الصبر اليوم الذي تنعم فيه مدينتهم الواقعة في مرمى أسلحة حفتر، بالأمن والسلام الدائمين.


التعليقات