ولي العهد أمر معاونيه بمغادرة الغرفة.. رويترز تكشف تفاصيل مكالمة عاصفة بين ترامب وبن سلمان بسبب النفط
- رويترز الجمعة, 01 مايو, 2020 - 01:47 مساءً
ولي العهد أمر معاونيه بمغادرة الغرفة.. رويترز تكشف تفاصيل مكالمة عاصفة بين ترامب وبن سلمان بسبب النفط

[ ترامب ومحمد بن سلمان في قمة العشرين بمدينة بوينس آيرس في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 (غيتي) ]

قالت وكالة رويترز إنها علمت من مصادرها أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هدد في خضم الحرب الأخيرة في أسواق النفط بقطع الدعم العسكري الأميركي عن السعودية إذا لم تتوقف عن إغراق الأسواق، وذلك في مكالمة أجراها مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

 

ونقلت الوكالة عن أربعة مصادر قولها إن ترامب أخبر محمد بن سلمان في المكالمة التي جرت في 2 أبريل/نيسان الجاري أنه إذا لم تقم منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بخفض الإنتاج فإنه لن يستطيع منع المشرعين الأميركيين من إصدار قانون يقضي بسحب القوات الأميركية من السعودية.

 

وأوضحت رويترز في تقريرها الخاص أن هذا التهديد بنقض عرى التحالف الإستراتيجي الذي يرجع إلى 75 عاما مضت بين البلدين كان عنصرا رئيسيا في حملة الضغوط الأميركية التي أفضت إلى الاتفاق العالمي التاريخي لخفض إمدادات النفط بعدما تهاوى الطلب عليها في ظل أزمة وباء كورونا، وهو ما اعتبر انتصارا دبلوماسيا للبيت الأبيض.

 

وأبلغ ترامب هذه الرسالة لولي العهد السعودي قبل عشرة أيام من إعلان تخفيضات الإنتاج العالمية.

 

صدمة ولي العهد

 

وحسب التقرير، فقد أسقط في يد محمد بن سلمان "الحاكم الفعلي للمملكة" جراء تهديد ترامب، لدرجة أنه أمر معاونيه بمغادرة الغرفة حتى يتمكن من مواصلة النقاش على انفراد، وهو ما ذكره مصدر أميركي أطلعه مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية على تفاصيل المحادثة.

 

ووفق الرواية نفسها، قال ترامب للأمير السعودي إنه سيتخلى عنهم في المرة التالية التي يدعم فيها الكونغرس اقتراحا لإنهاء دفاع واشنطن عن المملكة.

 

وأبرزت هذه الخطوة رغبة ترامب القوية في حماية صناعة النفط الأميركية من انهيار تاريخي للأسعار، في وقت أوقفت فيه الحكومات النشاط الاقتصادي في مختلف أنحاء العالم لمحاربة فيروس كورونا.

 

وعكست الخطوة كذلك تراجعا مهما من جانب ترامب عن انتقاداته المتواصلة منذ فترة طويلة لمنظمة أوبك التي كان يتهمها بالمسؤولية عن زيادة تكاليف الطاقة على الأميركيين بتخفيضات الإنتاج التي عادة ما كانت ترفع أسعار الوقود، أما الآن فقد أصبح ترامب نفسه يطلب من أوبك خفض الإنتاج.

 

وقال مسؤول أميركي رفيع لرويترز إن الإدارة أخبرت قادة السعودية أنه إذا لم يتم خفض الإنتاج فإنه "ما من سبيل لمنع الكونغرس الأميركي من فرض قيود قد تفضي إلى سحب القوات الأميركية".

 

ولخص المسؤول هذه النقاشات التي أجريت عبر قنوات دبلوماسية عديدة بأنها كانت رسالة إلى قادة السعودية مفادها "نحن ندافع عن صناعتكم بينما أنتم تدمرون صناعتنا".

 

تعقيب ترامب

 

وسألت رويترز الرئيس الأميركي عن محادثته مع محمد بن سلمان خلال مقابلة أجرتها معه مساء أمس الأربعاء في البيت الأبيض، وتساءلت إن كان قد أخبر ولي العهد السعودي بأن الولايات المتحدة قد تسحب قواتها من المملكة، فرد ترامب قائلا "لم أكن بحاجة لإخباره".

 

وتابع "رأيت أن لديه ولدى الرئيس (الروسي) فلاديمير بوتين موقفا معقولا جدا، أدركا أن هناك مشكلة ثم حصل ما حصل".

 

وسئل ترامب عما قاله لولي العهد السعودي فقال "كانا يواجهان صعوبة في إبرام اتفاق، وتواصلت معه عبر الهاتف واستطعنا التوصل إلى اتفاق".

 

وقالت رويترز إن مكتب التواصل الإعلامي في الحكومة السعودية لم يرد على طلب للتعقيب على هذه الأنباء.

 

وشدد مسؤول سعودي -طلب عدم نشر اسمه- على أن الاتفاق يمثل إرادة جميع الدول في مجموعة "أوبك بلس" المنتجة للنفط التي تمثل أوبك وتحالفا تقوده روسيا.

 

وقال المسؤول السعودي -الذي امتنع عن التعليق على النقاش بين القيادات الأميركية والسعودية- إن "السعودية والولايات المتحدة وروسيا لعبت دورا مهما في اتفاق أوبك بلس لخفض إنتاج النفط، لكنه لم يكن ليحدث لولا تعاون الدول الـ23 التي شاركت في الاتفاق".

 

غضب في الكونغرس

 

وقبل أسبوع من مكالمة ترامب مع الأمير محمد كان العضوان الجمهوريان في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور كيفن كريمر والسيناتور دان ساليفان قد اقترحا تشريعا لسحب القوات الأميركية كلها وصواريخ باتريوت ونظم الدفاع المضاد للصواريخ من المملكة ما لم تخفض السعودية إنتاج النفط.

 

وكان هذا الاقتراح يلقى تأييدا متزايدا، وسط غضب في الكونغرس بسبب حرب أسعار النفط التي نشبت بين السعودية وروسيا في توقيت سيئ.

 

وكانت المملكة أطلقت العنان لإنتاجها وأغرقت الأسواق بالنفط الخام بعد أن رفضت روسيا زيادة تخفيضات الإنتاج تماشيا مع اتفاق سابق مع أوبك لتقليص الإمدادات.

 

وفي 12 أبريل/نيسان الجاري وتحت ضغط من ترامب وافقت أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم باستثناء الولايات المتحدة على أكبر تخفيض للإنتاج في التاريخ، فقد قلصت أوبك وروسيا ومنتجون متحالفون معهما الإنتاج بواقع  9.7 ملايين برميل يوميا، أي حوالي 10% من الإنتاج العالمي.

 

وكان نصيب السعودية وروسيا من مجمل هذه التخفيضات حوالي 2.5 مليون برميل يوميا لكل منهما.

 

انهيار الأسعار

 

وعلى الرغم من تلك التخفيضات فإن أسعار النفط  واصلت تراجعها إلى مستويات تاريخية متدنية، وهبط الخام الأميركي في التعاملات الآجلة دون الصفر، حيث اضطر البائعون إلى دفع المال للمشترين لتجنب تسلم كميات من النفط لا توجد لديهم إمكانات لتخزينها.

 

وتراجع مزيج برنت في التعاملات الآجلة مقتربا من 15 دولارا للبرميل، وهو مستوى لم تشهده الأسواق منذ انهيار سعر النفط عام 1999 بعد أن كان سعره في مطلع العام الجاري 70 دولارا.

 

لكن ربما يؤدي تخفيض الإمدادات في نهاية المطاف إلى ارتفاع الأسعار عندما تبدأ الحكومات في مختلف أنحاء العالم استئناف النشاط الاقتصادي ويرتفع الطلب على الوقود مع نمو حركة السفر.

 

وأيا كانت النتيجة فإن المفاوضات تمثل استعراضا غير عادي للنفوذ الأميركي على إنتاج النفط العالمي، وفقا لرويترز.

 

وقال السيناتور الجمهوري كريمر للوكالة إنه تحدث مع ترامب عن تشريع سحب القوات الأميركية من السعودية في 30 مارس/آذار الماضي، أي قبل ثلاثة أيام من اتصال الرئيس بولي العهد السعودي.

 

وسئل وزير الطاقة الأميركي دان برويليت عما إذا كان ترامب قد قال للسعودية إنها قد تفقد الدعم العسكري الأميركي، فقال إن الرئيس من حقه استخدام كل الأدوات المتاحة لحماية المنتجين الأميركيين، بما في ذلك "دعمنا لاحتياجاتهم الدفاعية".

 

وترجع الشراكة الإستراتيجية بين البلدين إلى عام 1945 عندما التقى الرئيس فرانكلين روزفلت والملك المؤسس عبد العزيز بن سعود على متن الطراد الأميركي كوينسي.

 

وتوصل الرجلان إلى اتفاق مؤداه الحماية العسكرية الأميركية مقابل الاستفادة من احتياطيات النفط السعودية، واليوم تنشر الولايات المتحدة حوالي ثلاثة آلاف جندي في المملكة، كما أن الأسطول الخامس الأميركي يحمي شحنات النفط التي تصدرها المنطقة.

 

وتعتمد السعودية على الولايات المتحدة في الحصول على السلاح والحماية من الخصوم الإقليميين مثل إيران، غير أن نقاط الضعف في المملكة انكشفت في أواخر العام الماضي في هجوم شنته 18 طائرة مسيرة وثلاثة صواريخ على منشآت سعودية رئيسية، وحملت الولايات المتحدة إيران المسؤولية، ونفت طهران أي دور لها في الهجوم.

 

مجموعة الـ13

 

وكان ترامب رحب بادئ الأمر بانخفاض أسعار النفط، وقال إن أسعار الوقود الرخيصة تعادل خفضا ضريبيا لأصحاب السيارات.

 

وتغير الحال بعد أن أعلنت السعودية في منتصف مارس/آذار الماضي أنها ستنتج كمية قياسية تبلغ 12.3 مليون برميل يوميا، مما أطلق شرارة حرب الأسعار مع روسيا.

 

وجاء طوفان الإمدادات في وقت أصدرت فيه الحكومات في مختلف أنحاء العالم أوامر للناس بالبقاء في البيوت، وهو ما سحق الطلب على الوقود وهدد شركات النفط الأميركية بأضرار شديدة.

 

وثارت ثائرة أعضاء مجلس الشيوخ في الولايات المنتجة للنفط، وفي 16 مارس/آذار الماضي كان السيناتور كريمر واحدا من 13 عضوا جمهوريا في مجلس الشيوخ بعثوا رسالة إلى ولي العهد السعودي يذكرونه فيها باعتماد المملكة الإستراتيجي على واشنطن.

 

كما حثت تلك المجموعة وزير التجارة الأميركي ويلبور روس على التحقيق فيما إذا كانت السعودية وروسيا تنتهكان قوانين التجارة الدولية بإغراق السوق الأميركي بالنفط.

 

مكالمة مع السفيرة

 

وفي 18 مارس/آذار الماضي أجرت هذه المجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ -ومنهم السيناتور ساليفان من ولاية ألاسكا، والسيناتور تيد كروز من ولاية تكساس- مكالمة هاتفية نادرة مع سفيرة المملكة لدى الولايات المتحدة الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان.

 

ووصف كريمر الحوار بأنه "قاس"، إذ شرح كل عضو من أعضاء مجلس الشيوخ الضرر الذي حاق بصناعة النفط في ولايته.

 

وقال كريمر لرويترز "سمعت ذلك من كل عضو من أعضاء المجلس، لم يحجم أحد منهم". ولم ترد السفارة السعودية على طلبات الوكالة للحصول على تعليق.

 

وأضاف أن الأميرة نقلت كلامهم للمسؤولين في السعودية، بمن فيهم وزير الطاقة. وقال أعضاء مجلس الشيوخ للأميرة إن المملكة تواجه معارضة متصاعدة في مجلس الشيوخ للتحالف الذي تقوده السعودية ويخوض حربا في اليمن ضد الحوثيين.

 

والعام الماضي، ثبتت أهمية دعم أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين للتدخل السعودي في اليمن، فقد أيد مجلس الشيوخ اعتراضات ترامب على عدة اقتراحات بإنهاء مبيعات السلاح الأميركية وغيرها من أشكال الدعم العسكري للسعودية، وسط مشاعر غضب جراء الصراع الدائر في اليمن الذي تسبب في سقوط أكثر من 100 ألف قتيل وأدى إلى أزمة إنسانية.

 

وقال السيناتور كريمر إنه أجرى اتصالا هاتفيا مع ترامب يوم 30 مارس/آذار الماضي، أي قبل أسبوع تقريبا من طرحه هو والسيناتور ساليفان مشروع قانون سحب القوات الأميركية من السعودية.

 

وأضاف أن الرئيس عاود الاتصال به في اليوم نفسه بحضور وزير الطاقة برويليت والمستشار الاقتصادي لاري كدلو والممثل التجاري الأميركي روبرت لايتهايزر.

 

وتابع كريمر "قلت إن الشخص الوحيد الذي لم تشركه في المكالمة وكان من الممكن أن يكون مفيدا جدا هو مارك إسبر" وزير الدفاع.

 

وأضاف أنه أراد أن يناقش إسبر سبل نقل الأصول العسكرية الأميركية في السعودية إلى أماكن أخرى لحماية القوات الأميركية.

 

الاستجابة للضغوط

 

وجاءت دبلوماسية النفط التي اتبعها ترامب في سلسلة من المكالمات مع ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدءا من منتصف مارس/آذار الماضي.

 

وأكد الكرملين المحادثات التي دارت بين بوتين وترامب، وقال إنهما ناقشا أيضا تخفيضات إنتاج النفط وجائحة كورونا.

 

وهدد ترامب علنا في أوائل أبريل/نيسان الجاري بفرض رسوم على واردات النفط من السعودية وروسيا.

 

وبعد مكالمته مع ولي العهد السعودي ومكالمة أخرى في اليوم نفسه مع بوتين نشر ترامب تغريدة قال فيها إنه يتوقع أن تخفض السعودية وروسيا الإنتاج بنحو عشرة ملايين برميل يوميا. وفي وقت لاحق أكدت الرياض وموسكو أنهما استأنفتا المفاوضات.

 

وفي 3 أبريل/نيسان الجاري استضاف ترامب اجتماعا في البيت الأبيض حضره أعضاء مجلس الشيوخ كريمر وكروز وساليفان ومديرون في شركات نفطية، من بينها إكسون موبيل وشيفرون وأوكسيدنتال بتروليوم وكونتيننتال ريسورسز.

 

وخلال الجزء المفتوح من الاجتماع، قال كريمر لترامب إن واشنطن بإمكانها استخدام مليارات الدولارات التي تنفقها للدفاع عن السعودية على أولويات عسكرية أخرى "إذا كان أصدقاؤنا سيعاملوننا بهذه الطريقة".

 

وقال دبلوماسي من الشرق الأوسط لرويترز إن احتمال فقدان الحماية العسكرية الأميركية جعل العائلة الحاكمة بالسعودية تذعن لمطالب ترامب.

 

وبعد مفاوضات طويلة متعثرة تعهد كبار المنتجين بالخفض القياسي لإنتاج النفط بواقع  9.7 ملايين برميل يوميا في مايو/أيار ويونيو/حزيران المقبلين على أساس أن العوامل الاقتصادية ستؤدي إلى تقليص حوالي عشرة ملايين برميل أخرى يوميا من الإنتاج من دول أخرى، من بينها الولايات المتحدة وكندا.

 

وأشاد ترامب بالاتفاق، وصور نفسه على أنه من قام بدور الوسيط فيه، وقال في تغريدة عقب الاتفاق "بما أنني كنت طرفا في المفاوضات فإن الرقم الذي تتطلع أوبك بلس لخفضه يبلغ 20 مليون برميل يوميا".

 

ونسبت الرياض أيضا الفضل لنفسها، فقال وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان لرويترز في ذلك الوقت إن ولي العهد كان له دور رئيسي في صياغة الاتفاق.


التعليقات