التيار انقطع أثناء لقاء لوزيرها.. أزمة الكهرباء في السودان حرج حكومي واستياء شعبي
- الجزيرة نت الأحد, 29 أغسطس, 2021 - 10:26 صباحاً
التيار انقطع أثناء لقاء لوزيرها.. أزمة الكهرباء في السودان حرج حكومي واستياء شعبي

[ محطة قري الحرارية شمالي الخرطوم (موقع شركة التوليد الحراري السودانية على الإنترنت) ]

في شركة لأعمال الهندسة الميكانيكية بالمنطقة الصناعية (جنوبي العاصمة الخرطوم) يقاوم العاملون من أجل استمرار نشاطها عبر مولدات الكهرباء، مما زاد تكلفتها التشغيلية.

 

وتتبدى أزمة الكهرباء الخانقة التي يعيشها السودانيون بشكل جلي في هذه المنطقة، حيث انخفضت مداخيل الحرفيين بنسبة 50% جراء الانقطاعات المتكررة للكهرباء، والتي لا يبدو أنها ستتوقف قريبا.

 

يقول فني الميكانيكا علي ميرغني للجزيرة نت إن انقطاع الكهرباء يمتد أحيانا لنحو 10 ساعات نهارا، مما يضطرهم لتشغيل مولد كهربائي يستهلك حوالي 20 لترا من البنزين في الساعة.

 

أما أوضاع الحرفيين الصغار فهي الأكثر صعوبة، إذ إن ما يكسبونه من أعمال السمكرة والنجارة وغيرها انخفض إلى النصف جراء انقطاعات الكهرباء، مما يعطل الورشات التي لا تملك مولدات لعدة أيام أسبوعيا.

 

وبسبب النقص الحاد في التوليد الكهربائي بدأت شركة الكهرباء السودانية منذ العام الماضي بتنفيذ برنامج لقطع التيار يمتد أحيانا لنصف يوم.

 

اعتذار ولكن..

وعندما أطل وزير الطاقة والنفط السوداني جادين علي من منصة منتدى "كباية شاي" الذي تنظمه صحيفة التيار لم يجد بدا من الاعتذار للسودانيين عن المضايقات التي يسببها انقطاع الكهرباء.

 

وكان لافتا انقطاع التيار أثناء إجابته عن أسئلة الجمهور الذي احتشد للاحتجاج، وسط أجواء مشحونة قوطع فيها الوزير عدة مرات.

 

ووفقا للوزير، فإن الطاقة الكهربائية المتاح للسودان إنتاجها تقارب 3500 ميغاوات، لكنه ينتج عمليا 60 إلى 65% من المتاح بسبب تأخر وصول الوقود وقطع الغيار، وضعف الشبكات الناقلة.

 

وتحتاج وزارته 3 مليارات دولار لمعالجة أزمة الكهرباء، وقال "إذا تمكن السودان من تشغيل مصادر الكهرباء المتاحة بكامل طاقتها وتوفير ألف ميغاوات إضافية فإن وضع الإمداد سيكون آمنا".

 

تكلفة التشغيل

 

ويشكو وزير الطاقة من ارتفاع تكلفة التشغيل للتوليد الحراري الذي يمثل حوالي 50% من الكهرباء المنتجة مناصفة مع التوليد المائي من السدود.

 

وتصل تكلفة التوليد الحراري -حسب الوزير- إلى 10 سنتات للكيلووات الواحد، مقارنة بـ5 سنتات للكيلووات المولد من الطاقة الشمسية مثلا.

 

ومع تعدد مصادر التوليد الكهربائي فإن الإمداد لا يغطي سوى 40% من السودان رغم دخول الكهرباء منذ العام 1908، بحسب الوزير.

 

ويوضح الوزير أن المحطات الحرارية في السودان بحاجة سنويا إلى 700 مليون دولار لتوفير الوقود، فضلا عن تكاليف قطع الغيار، فيما الإيرادات المدفوعة لقاء خدمة الكهرباء لا تغطي سوى 15% من تكلفة التشغيل والصيانة.

 

ويؤكد أن الحكومة الآن في مفترق طرق لأنها لا تمتلك المال لتغطية مصروفات الكهرباء في ظل أولويات أخرى مثل الدواء والخبز، موضحا أن وزارة المالية التزمت بدفع 30 مليون دولار شهريا، لكن بسبب شح الموارد لا تستطيع الدفع.

 

ويحمل الوزير النظام السابق مسؤولية التردي الكبير في قطاع الكهرباء، والذي اعتقد أنه بإنشاء سد مروي عام 2009، والذي ينتج 1250 ميغاواتا سيحل عجز الكهرباء، فأهمل التوليد الحراري لدرجة إغلاق محطة الفولة (جنوب غربي البلاد).

 

المحسوبية وقلة الكفاءة

 

بدوره، يرى المهندس السابق في شركة الكهرباء السودانية النذير سعد علي أن النظام السابق كانت لديه خطة ربع قرنية (2005-2030)، لتوفير الاحتياج المتزايد للكهرباء في حدود 9 آلاف ميغاوات.

 

وفي حديثه للجزيرة نت يشير سعد إلى أن النظام السابق عندما سقط جراء ثورة أبريل/نيسان 2019 كانت الكهرباء المنتجة في حدود 4500 ميغاوات مع خسارة حوالي 500 ميغاوات أحيانا بسبب الأعطال الطارئة التي تتم معالجتها سريعا.

 

ويعزو سعد -الذي فُصل مؤخرا ضمن 600 مهندس وفني بشركات الكهرباء- تردي القطاع للمحسوبية التي تفشت في الشركات وتولي أشخاص محدودي الكفاءة والخبرة.

 

وفصلت لجنة إزالة تفكيك نظام 30 يونيو/حزيران 1989 عشرات العاملين من شركات الكهرباء بذريعة الانتماء لنظام الرئيس المعزول عمر البشير.

 

القادم أسوأ

 

ويحذر المهندس السابق من أن السودان مقبل على مشاكل أكبر بسبب عدم إجراء الصيانة الوقائية في سد مروي، إلى جانب وجود مشكلة كبيرة في سد الروصيرص الذي ينتج 280 ميغاواتا تتحمل مسؤوليتها شركة التوليد المائي ووزارة الري والموارد المائية، كما قال.

 

ويبين أن مسؤولي الكهرباء وبسبب العجز الشديد في الإمدادات اضطروا لتشغيل محطة الروصيرص طوال عامين عند مستوى 472 مترا لبحيرة السد، في حين أن التشغيل الآمن يكون عند مستوى 468.4 مترا.

 

وتسبب ذلك في زيادة الطمي في البحيرة ونقصان سعتها التخزينية، فضلا عن إهلاك التوربينات وتعرض الآليات العائمة للغرق.

 

ويشير سعد إلى أن محطة سد الروصيرص خرجت من الخدمة جزئيا بسبب صيانة تجريها شركة أوروبية تكلف السودان 9 ملايين يورو، وهو ما فاقم برمجة أزمة الكهرباء مؤخرا.

 

يشار إلى أن وزارة الري السودانية نبهت أكثر من مرة إلى أنها اضطرت لتخزين مياه إضافية خلف سد الروصيرص وخزان جبل أولياء لتلافي أي آثار محتملة للملء الثاني لسد النهضة، وهو ما يكلف السودان خسائر مالية فادحة.

خارطة الحل

 

وتحاشى وزير الطاقة والنفط إعطاء سقف زمني لأزمة الكهرباء، لكنه تحدث عن تمويل البنك الدولي لمشروع ربط شبكات الكهرباء بأفريقيا، فضلا عن مباحثات تُجرى مع إثيوبيا لإنشاء خط جديد لزيادة الكهرباء المستوردة منها.

 

ويستورد السودان 200 ميغاوات من إثيوبيا، ويعمل لتوسعة خط ناقل من مصر بقدرة 300 ميغاوات.

 

ووفقا لتقارير صحفية، فإن السودان أبدى رغبة في شراء ألف ميغاوات من إثيوبيا عقب فراغها من سد النهضة الذي تبنيه قرب حدود السودان الشرقية.

 

وانتقد الوزير نهج استئجار البوارج والمحطات التركية التي تمد بورتسودان الفاشر بالكهرباء، والذي وصفة بالمخزي للسودان.

 

الكهرباء والسياسة

 

بيد أن المهندس النذير سعد قال إن الإدارة الحالية للكهرباء ولأسباب سياسية تسببت في مغادرة شركة "سيمنز" (Siemens) التركية التي كانت تنفذ محطة "قري 3" بالخرطوم بعد أن وصلت إلى مرحلة التسليم، في حين تعمل محطة بحري الحرارية بنسبة 40% بسبب نقص قطع الغيار والوقود الذي يجب توفيره قبل وقت كاف من فصل الشتاء، إذ إن المحطة تستهلك 1800 طن يوميا تحمل في 35 مقطورة من بورتسودان للخرطوم.

 

ويضيف المهندس سعد أن محطة قري (شمالي الخرطوم) متوقفة تماما لأعمال الصيانة، فيما تعمل محطة أم دباكر بولاية النيل الأبيض بنسبة 75% وتحتاج أيضا لقطع غيار.

 

ومع تعدد مصادر التوليد الكهربائي فإن الإمداد لا يغطي سوى 40% من سكان السودان رغم دخول الكهرباء منذ العام 1908، بحسب الوزير.

 

وتزداد معاناة قطاع الكهرباء باستهداف لصوص أبراج الضغط العالي، مما تسبب في سقوط عدد منها.

 

ووفقا للمهندس المفصول، فإن فصل عمال الحراسة بشركتي النقل والتوزيع تسبب في سقوط 12 برجا العام الماضي.


التعليقات