أبعاد الحضور التركي المفاجئ في العاصمة المؤقتة عدن (تحليل)
- كمال السلامي الجمعة, 18 يناير, 2019 - 11:55 مساءً
أبعاد الحضور التركي المفاجئ في العاصمة المؤقتة عدن (تحليل)

[ رئيس الوزراء معين عبد الملك مع نائب وزير الداخلية التركي -سبأ ]

منذ انطلاق عاصفة الحزم أواخر مارس 2015، كان الموقف التركي في اليمن ينسجم إلى حد كبير مع الموقف السعودي إزاء ضرورة وضع حد لتدخلات إيران في اليمن.

 

ظل الموقف التركي مؤيدا للشرعية، ومساندا لها، من خلال البيانات السياسية والتصريحات، فضلا عن تسهيل وصول جرحى يمنيين إلى الأراضي التركية لتلقي العلاج، وتقديم بعض المساعدات الإنسانية عبر الهلال الأحمر التركي، خصوصا في الجانب الطبي.

 

كما استقبلت أنقرة الرئيس عبد ربه منصور هادي، منتصف فبراير 2016، وحينها تحدث الرئيس عن دور إيران، واستمرارها في توريد السلاح إلى اليمن، دعما للحوثيين.

 

تركيا بدورها انتقدت -في أكثر من مناسبة- سياسة إيران في الدول العربية، منها اليمن، داعية إلى الكف عن الممارسات التي تسهم في زعزعة أمن دول المنطقة.

 

لكن العام 2018 كان مختلفا بعض الشيء، فقد تحولت النغمة التركية إزاء ما يحدث في اليمن، وتزايدت الدعوات الرسمية إلى ضرورة وضع حد للحرب في اليمن، وسرعة الدخول في عملية سياسية.

 

وسرعان ما انتقل الموقف التركي إزاء العملية العسكرية التي يشنها التحالف العربي في اليمن من التأييد والحياد إلى الانتقاد العلني، وذلك على لسان وزير الخارجية مولود داوود أوغلوا، الذي قال في كلمة له أمام البرلمان التركي منتصف نوفمبر 2018، إن بلاده لا ترى أن "سياسات المملكة العربية السعودية والإمارات لمحاصرة الجميع في اليمن صحيحة".

 

وأضاف "أوغلو" أن الكثير من الناس في اليمن يموتون من الجوع، وأن أنقره لن تقف صامتة حيال ذلك، كما كشف عن لقاءات تجريها بلاده مع إيران في صدد إيجاد حل للأزمة في اليمن.

 

ولتوضيح الصورة أكثر، لا بد هنا من الإشارة إلى أن العام 2018، شهد توترا في العلاقة بين تركيا ودول الخليج، وتحديدا السعودية والإمارات، بسبب موقف تركيا من ازمة الخليج، وإعلانها رفض الحصار الرباعي، بل وإرسالها المساعدات للدوحة.

 

موقف تركيا من أزمة قطر، أثر على العلاقة بين الرياض وأنقرة، وهذا التأثر انعكس على كثير من الملفات، وصار هناك استهداف إعلامي متبادل، زادت حدته بعد قضية تصفية الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول.

 

وانطلاقا من كل ما سبق، كان هناك تحول في موقف تركيا من الحرب في اليمن، وبرز بعض التحسس من الدور التركي البسيط خلال الأشهر الماضية في اليمن، حيث قامت وحدات أمنية مدعومة من الإمارات باحتجاز باخرة تحمل مساعدات تركية في ميناء عدن، كما تم احتجاز وفد إغاثي تركي قدم إلى العاصمة المؤقتة عدن في النصف الثاني من شهر ديسمبر 2018.

 

وحتى نهاية 2018، كان الدور التركي مقتصرا على الجانب الإنساني وبعض الاتفاقيات المتعلقة بتحسين وضع الخدمات كالكهرباء وغيرها في المناطق المحررة، لكن الأيام الأولى من شهر يناير 2019، شهدت تحولا نوعيا، بعد وصول وفد تركي أمني، برئاسة نائب وزير الداخلية التركي، إسماعيل تشاتاكلي، والذي التقى برئيس الوزراء معين عبدالملك، ونائبه وزير الداخلية أحمد الميسري.

 

الوفد ناقش -كما ذكرت مصادر مطلعة- جوانب التعاون في ما يتعلق بالمساعدات الإغاثية للنازحين، إلى جانب إمكانية قيام تركيا بتدريب وتأهيل عناصر الشرطة في عدن.

 

زيارة الوفد الأمني التركي، أثارت الكثير من التساؤلات، خصوصا أنها جاءت في مرحلة حرجة، وفي ظل سطوة أمنية للفصائل المدعومة من قبل الإمارات على الملف الأمني بعدن، وهو ما جعل البعض يتحدث عن مساعٍ لكسر الاحتكار الإماراتي للملف الأمني في عدن، وذلك بناءً على رغبة من قبل الرئيس عبد ربه منصور هادي والحكومة الشرعية.

 

لكن باعتقادي أن هذا الحضور التركي بهذا الشكل اللافت والمفاجئ ما كان له أن يتم لو لم يكن هناك تنسيقا مباشرا مع التحالف وعلى رأسه السعودية والإمارات.

 

فبالرغم من أن الحضور حتى اللحظة لا يزال مقتصرا على الجانب النظري واللقاءات في العاصمة المؤقتة، إلا أنه لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، كون ملف عدن يعتبر أحد أهم الملفات الحساسة والشائكة، بل إنه يكاد يكون الملف الأكثر تعقيدا والأكثر إثارة للخلافات بين الحكومة الشرعية والإمارات وحلفائها هناك، فما الذي قد يكون حدث حتى يصبح المشهد على ما هو عليه؟

 

ربما للأمر علاقة بالدور البريطاني الذي برز مؤخرا، في الملف اليمني، فالحضور والسطوة البريطانية في ملف المشاورات اليمنية، وتبنيها خطوات تهدف لإيقاف العملية العسكرية، وانغماسها في الملف اليمني بهذا الشكل، جعل الجميع يستغرب، ويستحضر الرغبات التاريخية لدى الإنجليز، في الحضور في البحر الأحمر وخليج عدن وخصوصا في الحديدة، بما تمثله من أهمية إستراتيجية على طريق الملاحة الدولية.

 

وفي المقابل، وجد التحالف العربي نفسه محاصرا بأجندة وتوجهات بريطانيا إزاء الأزمة اليمنية، لكنه في ذات الوقت مكبلا ولا يستطيع تبني مواقف مضادة للندن، فهو في نظر المجتمع الدولي طرف من أطراف الحرب، بينما يُنظر لبريطانيا على أنها تمثل وجهة نظر المجتمع الدولي والرأي العام العالمي أيضا، وهي وجهة النظر التي ترى ضرورة إنهاء هذه الحرب، نظرا لتكلفتها الإنسانية على الشعب اليمني.

 

بالتالي، فقد يسمح التحالف العربي بقيادة السعودية بوجود دور مكافئ لدور بريطانيا، من قبل طرف من خارج منظومة التحالف العربي، وهو هنا تركيا، بهدف مواجهة الدور البريطاني المستتر تحت عباءة الأمم المتحدة وتحديدا في الحديدة.

 

عبر التاريخ، كان هناك صراع بين العثمانيين والإنجليز على المدن الساحلية في اليمن، وقد تناوبت الإمبراطوريتان في السيطرة على عدن والحديدة، حيث سيطر العثمانيون على عدن بقيادة "خادم سليمان باشا" عام 1538، ثم في فترة لاحقة سيطر العثمانيون على الحديدة، في حين استولى الإنجليز على عدن في عام 1839،  وظلت الحديدة عاصمة للدولة العثمانية حتى توقيع صلح دعان بين الإمام يحيى حميد الدين والعثمانيين عام 1911.

 

ويبقى السؤال: هل نحن أمام صراع نفوذ جديد "تركي" "بريطاني" في اليمن؟


التعليقات