تطرق لسنوات الدراسة في عمان وسوق اليمانية بالأردن
مقبل نصر في حلقته الـ10 يتحدث عن تعيينات الإرياني للإخوان في التربية والهاشميين في السفارات ونقاشات القمة اليمنية في تعز
- تعز - خاص الخميس, 12 مايو, 2022 - 12:17 صباحاً
مقبل نصر في حلقته الـ10 يتحدث عن تعيينات الإرياني للإخوان في التربية والهاشميين في السفارات ونقاشات القمة اليمنية في تعز

[ مقبل نصر غالب - صورة خاصة بالموقع بوست ]

واصلت الكتابة في صحيفة الجمهورية، ونشرت سلسلة من حلقات "التربية قبل التعليم"، أقارن فيها ما تعلمناه من أفكار تربوية، وما يمارس في الواقع، كنوع من النقد التربوي، خاصة وأن كثير من المعلمين ومديري المدارس حضروا دورات تدريبية في الصيف، ودرسوا هذه الأفكار، كما درسناها في معهد التأهيل التربوي، إضافة إلى عمل ونشر مقابلات وموضوعات أخرى، بانتظار المنحة الدراسية.

 

سافرتُ إلى صنعاء أتحسس واستطلع، فوجدت نفسي الطالب الوحيد المبتعث في مجال التربية، ولهذا السبب ربما لم يعلنوا عن الحضور في الإذاعة كالمعتاد، لكن كل شيء جاهز.

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب يتذكر: كنتُ وكانت تعز .. ذكريات عن الدور المصري والزخم الثوري والمركز الإسلامي

 

مذكرة إلى الجوازات لاستخراج جواز السفر، ومذكرة إلى "اليمنية" لصرف تذكرة سفر إلى عمان الأردن، في أقرب فرصة، وأمر إلى أمين الصندوق، بصرف مخصصات الربع الأول 300 دولار، استلمت 1350 ريالا يمنيا، لاشترى الدولارات بنفسي من السوق.

 

مفاجأة فتوى التوظيف

 

قبيل السفر، قررت أن أودع الأستاذ أحمد حسن صبرة رئيس الديوان العام لموظفي الدولة، وأقول له إن سنوات التدريس الإلزامية ستكون بعد عودتي من الخارج، ففاجأني بفتوى الديوان إلى وزارة المالية، بمنحي درجة وظيفية على حساب تعز، براتب 635 ريالا.

 

شكرته، وسلمت الفتوى إلى وزارة المالية، وكان مقر الوزارة أمام سجن الرادع، وسافرت عبر القاهرة، وترانزيت في مطار القاهرة ثمان ساعات، كي أسافر على طيران المصرية إلى العاصمة عمان، وأنا مثل الأطرش، لأول مرة أسافر عن طريق الجو، وكل شيء جديد، وكل حركة جديدة.

 

وصلت العاصمة الأردنية عمان، الساعة التاسعة صباحا، في الأسبوع الأول من أكتوبر 1976م، وتوجهت مباشرة إلى السفارة اليمنية، التي جهزت لي مذكرات إلى الجهات المختصة.

 

وكلفت السفارة السائق بإيصالي إلى سوق اليمانية، وتدبير السكن، لي ولطلاب آخرين، فهناك اثنان مرسلين إلى معهد "البوليتكنيك"، وهما من مخرجات المدرسة الفنية بصنعاء، وهناك أيضا زميلان في كلية الهندسة سبقا قدومنا وانتظما في الدراسة والسكن.

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر يتحدث عن: إنشاء منتزه تعز وأول انتخابات نيابية وجدل إنشاء البنك المركزي

 

وهؤلاء هم كل الطلاب اليمنيين في الأردن، والسفير اليمني هو محمد عبدالقدوس الوزير، وأحمد الروضي وزير مفوض، والقنصل علي عبدالله الحواني.

 

سوق اليمانية وحكاية يمنيين

 

سوق اليمانية في وسط البلد، في قلب العاصمة عمان، سوق كامل متكامل للملبوسات والمنسوجات، وليس هو المكان الوحيد لليمنيين، لديهم معارض ومكتبات وبقالات في أماكن متفرقة في الأردن، ولديهم عمارات سكنية ملك للتأجير، ومحتفظين بألقابهم العرامي، الأهدل، الصبري، القدسي، الحبيشي، العديني... إلخ.

 

الملك الأردني السابق الحسين بن طلال

 

وبعضهم ظل هناك منذ 1948م، وذهبوا للدفاع عن فلسطين، فكانت النكبة فخرجوا إلى الأردن، ومنهم من نكسة حزيران 1967م، خرجوا من الضفة الغربية إلى الشرقية، وتم منحهم الجنسية الأردنية، وأولادهم الذين درسوا وتخرجوا من الجامعة تقلدوا مناصب في مؤسسات الدولة.

 

وبعضهم منحتهم السفارة جوازات وعادوا إلى الوطن للعمل، وحصل بعضهم على منح دراسية، وكانت السفارة تتعامل معهم بوحدوية وهم من مختلف مناطق اليمن، من الجنوب والشمال، ومن الشرق والغرب، وعددهم حوالي عشرة آلاف نسمة.

 

ولأنهم بدون عشيرة في الأردن، فقد شكلوا لهم رابطة تجمعهم عشيرة واحدة، لها نظامها الأساسي والداخلي ومعترف بها من السلطات الأردنية والعشائر، ونظامها مطبوع، موزع على الجميع.

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب في حلقته الثانية من كنتٌ وكانت تعز.. ذكريات عن الجبهة القومية والحراك بين القوميين والإسلاميين

 

وكانت هذه المعلومات أول مادة صحفية كتبتها من الأردن، وأرسلتها إلى صحيفة الجمهورية في تعز، مع نسخة من النظام الأساسي، وتم نشرها في حينه.

 

يمنيون محتفظون بلهجاتهم

 

تتعامل الرابطة مع العشائر الأردنية بنفس الأعراف والتقاليد وكأنها عشيرة أردنية، ومازالوا محتفظين بلهجاتهم اليمنية حسب مناطقهم في الحديث فيما بينهم، ومع أي يمني يزورهم.

 

ولذلك اكتشفت واحدا منهم أنه من العدين، من خلال لهجته، وتبين لي أنه من البلاد، وقد نساه أهل البلاد ظنا منهم أنه قد استشهد على يد اليهود، فجلس يسأل عن شخصيات ومشايخ، وأنا أجيبه، حتى اقتنع بأني من منطقته فعلا.

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب يسرد ذكرياته عن بدايات التعليم في تعز ورد المخلافي على مذيع في عيد الثورة

 

بدأتُ في الدراسة، وواجهت مشكلة واحدة في الكيمياء، حيث الرموز والمعادلات باللغة الانجليزية، ونحن درسنا الكيمياء باللغة العربية حسب المنهج المصري، فوجدت صعوبة في التغلب عليها مدة شهر كامل.

 

والمشكلة السهلة كانت في التعرف على أدوات التجارب وتركيبها والمحاليل، لأن كل طالب يجري التجارب بنفسه وفق خطواتها ويسجل النتائج، ونحن في اليمن لم ندخل معملا كيماويا إلا مرة واحدة عندما قام المعلم المصري بإجراء تجربة واحدة ليدلل على صحة كلامه، ونحن نشاهد.

 

لكنني استعنت بالطلاب الأردنيين، فشرحوا لي كيفية التعامل مع المواد والأدوات، وانطلقت بعد ذلك بنفسي أجري تجاربي وأحقق درجات عليا.

 

أما موضوع التخصص، فقد أصريت أن يكون (رياضيات معاصرة) كي أعود إلى اليمن بشيء جديد، ولم أجد فيه مشكلة، لأن الدراسة بدأت من أول درس فيها مراعاة للطلاب الذين لم يدرسوها في مدارس الأردن الثانوية، ولا يملكون خلفية عنها، واستفدنا من الطلاب الذين درسوها أثناء حل الواجبات.

 

الإخوان يشتغلون بحرية كاملة

 

الحزبية كانت في الأردن محرمة، ماعدا الإخوان المسلمين يشتغلون بحرية كاملة، ولديهم مقراتهم الرسمية المعتمدة.

 

والأردن مثل اليمن فيه الحزبية محظورة، لكنها تشتغل علنا في صفوف الطلاب، بل والجامعة تنظم مناظرات فكرية بين دكاترة الاتجاهات المختلفة في مدرج الجامعة والطلاب يشاهدون من سيفحم الآخر ويشجعوه.

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر يتحدث عن وفاة المخلافي وسقوط صعدة بيد الملكيين واعتقال ياسين عبدالعزيز

 

ولأول مرة اكتشفت أن هناك جماعة تسمى جماعة التبليغ، تطلب الناس للخروج بين القبائل للوعظ والإرشاد، ولأول مرة أسمع عن حزب التحرير الإسلامي، هدفه الأساسي إعادة الخلافة الإسلامية بالانقلاب على الأنظمة، وعمله سري جدا.

 

والأنشط منهم هي الجماعات الفلسطينية، إذ اقتربت مني جماعة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وبعد عدة دعوات غداء، طلبوا مني السفر إلى العراق، للتدريب على القتال، ثم الذهاب إلى فلسطين، فقلت لهم أنا جئت هنا أدرس وبس.

 

عبدالكريم الإرياني

 

وجماعة فتح، أرادوا منحي تصريح دخول الأراضي المحتلة، لأزور القدس والتقي مع الشباب هناك، فقلت لهم أنا جئت إلى الأردن وبس، ومجموعة الاشتراكيين تحوم حولي لإقناعي بالماركسية، لكن كان عندي حصانة منهم.

 

قلنا لهم يا "جماعة خلوا لي حالي أدرس، وإذا كان ولا بد من اتجاه معين، فأنا إخوان مسلمين، ففرح طلاب الإخوان بي، واجتمعوا حولي، ولم يمض شهر، حتى زارهم وفد من إخوان تعز برئاسة إسماعيل غانم الحمادي، الذي قال لهم إن مقبل قد اعتزل الإخوان منذ عامين، فقاموا يناقشوني عن سبب الاعتزال؟ فرديتُ عليهم بالقول إني وقفت مع الإخوان لنصرة الإسلام ضد الشيوعية والغزو الفكري الغربي وحماية تعز من الأفكار الهدامة، وقوف مخلص محب لله وعن عقيدة أؤمن بها، فلما صدر الدستور الدائم، ونص أن الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية مصدر التشريعات، رأيت أن الدولة أصبحت هي المسؤولة عن ذلك.

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر في حلقته السادسة يكتب عن: مواقف من حياة البيحاني والفريق العمري واغتيال مشائخ خولان

 

الإرياني وإشاعات حول المنهج

 

بقيتُ على تواصل مع صنعاء وتعز، وكانت هناك إشاعات تثير مخاوف الإسلاميين، ومضمونها أن الدكتور عبدالكريم الإرياني، سيلغي منهج التربية الإسلامية، كما سيلغي كتاب التوحيد للشيخ الزنداني، واشتعلت المنابر، بالحديث عن مؤامرة تحاك ضد الإسلام في اليمن.

 

لكن الدكتور عبدالكريم الارياني، لم يلغ التربية الإسلامية، ولا أي منهج، وإنما أزاح الإخوان من وزارة التربية ومكاتبها في المحافظات، باستخدام سياسة (الركل إلى أعلى)، حيث أعطاهم منح ماجستير ودكتوراه مع استمرار الراتب كاملا، وعين بدلهم ناصريين، وللإنصاف كان الجدد على مستوى المسؤولية التربوية.

 

وأعطى الهاشميين، ملحقيات ثقافية، فاستفادوا منها لغات أجنبية، وعملوا في منظمات داخلية وخارجية، كما عاد الإخوان بعد الدكتوراه للتواجد القوي في جامعة صنعاء، والذين لم يهتموا بالدراسات العليا، جرى توزيعهم على المعاهد العلمية ومكتب الإرشاد وبعض المحافظات.

 

نقاش ملفت عن قمة تعز

 

في 1977م، كنت أتابع الخطوات الوحدوية بين الشطرين، وتواصل اجتماعات اللجان الوحدوية في المجالات المختلفة، ونسمع عن تحقيق اللجان التربوية تقدما في توحيد المقررات الدراسية التي لا خلاف عليها مثل التاريخ القديم والرياضيات والعلوم.

 

من قمة تعز 1977م

 

وفي الأردن أيضا كانت تنشط اللجان الوحدوية، مع اللجان السورية للوحدة بين البلدين، وشارك في لجان التربية أساتذتي في الرياضيات والكيمياء والفيزياء، وكانوا يعطونا خلاصة عن اجتماعاتهم في دمشق وعمان، وكانوا يقولون "اختلفنا حول الرموز والمصطلحات، والمسميات واتفقنا في أشياء كثيرة، وغيرها من التفاصيل".

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر في حلقته الـ 7 يكتب عن: إدارة العواضي لتعز ووصول طرموم وحرية الصحافة في عهد الإرياني ولحظات يوم مقتل محمد علي عثمان

 

وفي نقاش ذات يوم، بادرني أحدهم بالقول "أنت يا يماني رئيسك الحمدي يلعب بالنار شو أمن البحر الأحمر وباب المندب، وقمة رباعية في تعز بين الشطرين والصومال والسودان، فاكرين الأمر لعبة يمكن أن تمرر على الدول العظمى، اللعبة أكبر منكم".

 

ولم تمض سوى شهور، حتى تم تصفية إبراهيم الحمدي، وسالم ربيع علي، وإسقاط جعفر نميري من السودان، ومحمد سياد بري من الصومال، وتوريط الصومال بحرب مدمرة مع إثيوبيا، وكان المنفذون من الداخل عبارة عن دمي رخيصة لا تعي ما تفعل.

 

سد مأرب دليل تقدم علمي

 

في الأردن، العلم والتكنولوجيا، الثقافة والفكر والتفكير، ومصادر المعرفة متنوعة، فالمكتبات كبيرة متعددة جعلتني لا أجد وقتا للفراغ، وجدتُ مؤلفات عن اليمن لم اسمع بها من قبل، وجدتُ سهولة في البحث العلمي، والدكاترة يفتحون للطالب آفاقا للتفكير المستمر.

 

كلفني دكتور الفيزياء، أن أعد بحثا عن سد مأرب، وجدتُ دراسات عنه كثيرة، وعن تفصيلاته وأقسامه، واستغربت ما علاقة هذا البحث بمقرر الفيزياء؟ وعند المناقشة فهمتُ وهو يسأل عن ضغط الماء والضغط الجوي في قاع السد وجداره من أعلى إلى أسفل عموديا وأفقيا.

 

وحكاية معبد الشمس وزوايا دخول الشمس، بمعنى أن اليمن كانت متقدمة في الفيزياء، لذلك كانت معجزة الصرح الممرد من قوارير منشورات زجاجية تسمح بمرور أشعة الشمس، فتخيلته الملكة التي تعبد الشمس لجة، وكشفت عن ساقيها.

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر في حلقته الـ8.. ذكريات عن إقالة الحجري والإطاحة بالإرياني واختلاف الإخوان مع هائل سعيد وتصدي صالح للهبيز والخنافس في تعز

 

كان الصرح أشبه بعصا موسى التي لقفت ما يأفكون فسجد السحرة، والملكة آمنت بعدما شاهدت فيزياء الصرح وحقيقة الشمس عن علم، لذلك قال: "وأوتينا العلم من قبلها".

 

زيارة الرئيس السادات للقدس

 

لم يمر عام 1977، بسلام فقد فجر الرئيس المصري أنور السادات، سكينة المجتمع الأردني بمبادرة زيارة القدس، وإلقاء خطاب في الكنيست الإسرائيلية.

 

وفي الأردن فلسطينيون بالملايين والنقاشات حادة، ومنفعلة، والملك الأردني حسين، يهدئ من روعهم بخطاب أن السادات لن يصل إلى شيء، وأن الأردن لن يلحقه في المبادرة، ولن يدوس على دماء الشهداء، ولن يصافح اليد الملوثة بدم الأبرياء.

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر في الحلقة الـ9 يتحدث عن: موقف الحمدي من تحديد المهور ومهرجاناته السياسية والحراك التعليمي في تعز

 

وفي الصيف، من نفس العام، كان يفترض أن أعود لليمن، خلال الإجازة، لكن لم يكن لدي القدرة لقطع تذكرة طيران إلى اليمن، والشيك الخاص بمستحقات الربع الرابع لم يصل، فقد قيل لنا إن موظف البعثات سافر إلى سلطنة عُمان، ولم يعرف أن عَمان هي عاصمة الأردن، وعاد إلى صنعاء، وجرى إرساله مرة أخرى إلى الأردن.

 

الرئيس المصري الأسبق أنور السادات

 

قضيتُ الصيف، وهو شديد الحرارة، في دورات تدريبية متنوعة، منها دورة في تصنيف وفهرسة المكتبات، ورغم كل ذلك لم أنشغل عن التواصل مع أحبابي في تعز، وقلتُ عن هذا:

 

تعز الحب الأحباب عز

وكل الأرض عن عينيك طز

فراسك شامخ صبر لغاز

وشعرك أيكة الأشجار خز

جمال الأنف قاهرة تسامى

وثغرك باسم التحرير لز

يد الحوبان تبسطها سلاما

وكف البرح للأضياف رمز

وثدي بالفنادق كالثرياء

ومنتزه على ثدي يبز

وكم غنيت بينهما صبايا

يزيد الشوق من نهديك هز.

 

يتبع في الحلقة القادمة.

 

*خاص بالموقع بوست.


التعليقات