مقبل نصر غالب في حلقته الثانية من كنتٌ وكانت تعز.. ذكريات عن الجبهة القومية والحراك بين القوميين والإسلاميين
- خاص - تعز الخميس, 17 مارس, 2022 - 09:00 صباحاً
مقبل نصر غالب في حلقته الثانية من كنتٌ وكانت تعز.. ذكريات عن الجبهة القومية والحراك بين القوميين والإسلاميين

[ مقبل نصر غالب - الموقع بوست ]

تعز شعلة ثقافية، كل الأفكار والأيدولوجيات تناقش فيها، نقاشا علميا وحوارات منطقية، دون تشنج ولا تعصب، ومن تم احراجه في الحوار اثناء النقاش، يستعين بصديق ويعاود الكرة، وكل شيء مطروح بشفافية، حتمية الحل الاشتراكي، الإسلام هو الحل، العروبة والوحدة، وهناك قواسم مشتركة بين التيار اليساري والوهابية في محاربة الشعوذة والدجل والخزعبلات، السحر والدروشة، القبوريات والتمائم والنذور، وتحظى بمباركة التيار الإسلامي باعتبار ذلك ليس من الإسلام، وأنها خرافات أضيفت باسم الدين.

 

الكل يتابع الأخبار السياسية، المثقفون والطلاب، التجار والعمال، المشائخ والرعية، يتابعون إذاعة صوت العرب، وإذاعة لندن، وصنعاء وعدن، وكذلك إذاعة تعز.

 

الكل يشارك في التحليلات والتوقعات، وتأتي الاحداث كلها عكس التوقعات، كان الإجماع على جبهة التحرير أنها سوف تستلم الجنوب في عام 1967م، والأخبار اليومية كلها حولها، ولا نسمع عن الجبهة القومية إلا أنها مجموعة مشاغبين ضد التحرير، وبمجرد إعلان بريطانيا الانسحاب من عدن انفجرت مواجهات بين الجبهتين في المدينة كانت عنيفة ومدمرة، حرب شوارع وحرب مدن، قلنا الله يرحم الجبهة القومية قضت على نفسها، وأنا أشرح لهم المناطق التي يدور فيها القتال، وإذا بالنتيجة تنتصر الجبهة القومية، وتنتهي جبهة التحرير، وتنزح إلى تعز .

 

صورة قديمة لمدينة تعز - ويكيبيديا

 

بدأت الحرب بين إسرائيل وثلاث دول عربية هي مصر والأردن وسوريا، وقيل حينها أن إسرائيل انتهت، كان يكفي مصر وحدها لرمي إسرائيل في البحر، فكيف وقد معها سوريا والأردن، وكانت الأخبار في الأيام الأولى للحرب مبشرة بإسقاط طائرات إسرائيلية، وانتهت الحرب بهزيمة العرب، وانكسار التيار القومي، واحتلال إسرائيل الجولان والضفة الغربية وسيناء، وانكسرت قلوب الجميع بهذه النكسة.

 

كان الشعب اليمني حينها مع الرئيس عبدالله السلال والجيش معه، وقد انسحب الجيش المصري بموجب اتفاق بين الملك فيصل وعبدالناصر في جدة 1965م، والتزم عبدالناصر بالاتفاق في ترك أمور اليمنيين بينهم، وقلنا حينها إن السلال والجيش والشعب قادرين على حماية الثورة، وبدأ التجنيد الجديد، نفاجأ بانقلاب الخامس من نوفمبر 1967م، وهو انقلاب نفذه المحبوسون في مصر، وهي القيادات التي جرى سجنها في مصر بأوامر من عبدالناصر، وخرجوا من السجن يستولون على السلطة، خرج الشعب مظاهرات يطالب بعودة السلال، وتم قمعها بالرصاص الحي، ولم تلتزم السعودية باتفاقها مع عبدالناصر، بل جندت القبائل للقضاء على الثورة والثوار، وزودتهم بالأسلحة الثقيلة بكل أنواعها، ومدربين بريطانيين وفرنسيين حتى وصلوا صنعاء وحاصروها سبعين يوما.

 

لماذا كل توقعاتنا تأتي عكسية رغم أنها منطقية؟ هذا سر لا تعلمه غير بريطانيا، التي شجعت السعودية على احتلال أراضي من جنوب اليمن قبل رحيل آخر جندي بريطاني، وانتصرت الثورة في الشمال، ورجع الثوار يتقاتلون فيما بينهم داخل صنعاء، ورحل عدد من القوميين العرب إلى عدن، واختلف يمين الجبهة القومية ويسارها، ونزح يسارها إلى تعز.

 

كان النقاش الثقافي مستمر في تعز، والتيار الإخواني فيها ينشط بقوة في 1968م، وأنا أتابع نشاطه في المساجد، لأني مداوم على الصلاة وتربيتي دينية، ولم أدخل عدن إلا بعدما حفظتُ ثلث القرآن، وكنتُ أقرأ وأكتب رسائل إلى الوالد في عدن، وكان صندوقه في القرية مملوءا بالكتب، كما أن أمي أيضا من بيت علم، وقد عشت السنة الأولى للثورة السبتمبرية في القرية مع فرحة الناس، لأن العساكر توقفوا عن زيارة القرية، وتجند من القرية رجال مع الثورة منهم عمي أخ والدي.

 

من المظاهرات الجماهيرية ضد الاحتلال البريطاني بعدن

 

كان جدي غير متفائل، حين قالوا بدل الإمام طلع ضابط عسكري، قال ذلك باللهجة العامية: "ما سدينا مع العسكري وهو منفذ من الإمام كيف لما يقع العسكري هو الإمام"، والسلال كان متزوجا من القرية المجاورة، وقد سافرت إلى عدن في 1963م.

 

كانت تربيتي الدينية ومتابعتي لمحاضرات عبده محمد المخلافي واقترابي منه كافية لمتابعة الوضع بشكل افضل، فالمخلافي رحمه الله كان يجمع ولا يفرق، يبشر ولا ينفر، يستوعب الجميع ويناقش الجميع، ويطالب الجميع بالوقوف صفا واحدا أمام استهداف العروبة والإسلام، فقد جعل الشيخ إبراهيم عقيل خطيب جامع المظفر وشيخ الصوفية رئيسا لفرع الجمعية العلمية وهو الاسم الفني للإخوان في المركز الإسلامي، ومديرا للمعهد الديني، وكان في الشارع المقابل للمركز حيث الدور الأول كان عبارة عن دكاكين وقف للمعهد والدور الثاني فصول دراسية .

 

أما المركز الإسلامي فكان فيه قاعة محاضرات، ومكتبة وإدارة فقط، وتحته دكاكين مؤجرة لصالحه، وكانت الفعاليات عبارة عن ندوات أسبوعية في المساجد، ونشرات يقرأها شباب يتدربون على الخطابة بعد صلاة الجمعة في المساجد، وبعد صلاة المغرب لا تزيد عن صفحة واحدة، بالإضافة للمحاضرات والمناقشات داخل المركز ومعظمها للتثقيف الداخلي والاجتماعات.

 

الشيخ عبدالرحمن قحطان 

 

كان المخلافي خطيب مفوه ومشوق للسامعين لا يملون سماعه، وهو نصير المظلومين، فالاشتراكيون يبحثون عن العدالة من ظلم رأس المال، ونحن معهم لا نقر الاحتكار والظلم، والاشتراكية ليست دينا، إنما برنامجا اقتصاديا من حقنا نناقشه ونتفق معهم على برنامج مشترك.

 

القومية تبحث عن العدالة من ظلم القوميات الاستعمارية، ونحن معهم نرفض غزو القوميات لقوميتنا العربية، ومحاولات دحر اللغة العربية، العلمانية الغربية بحثت عن العدل من ظلم الكنيسة، وجبروت الكهنوت، ونحن معهم لا نقر الطغيان والاستبداد تحت أي مسمى ديني أو غير ديني، وثورتنا السبتمبرية تتعرض لظلم الرجعية السعودية، ومحاولتها المستميتة للقضاء عليها ونحن ضد الرجعية، والاستعمار، والعمالة، والخيانة.

 

أضرب المعلمون عن العمل بسبب ضعف الراتب، قال المخلافي حينها للمعلمين طلبكم مشروع وأنا معكم، أمطر الحكومة برقيات حتى رفعت راتب المعلم من 30 ريال إلى 60 ريال، أي 100%.

 

كنتُ حينها طالب علم، يهمني معرفة الثقافة الإسلامية وتجويد القرآن وتفسيره والفقه والسيرة والنحو، وبدأت دراسة فقه السنة على يد الشيخ عبدالرحمان قحطان في دروس يومية بعد صلاة المغرب في جامع الغفران الذي كان إماما وخطيبا له، وتارة عند الشيخ محمد الحسيني أمام جامع جمال الدين، ولم ألتحق بالمركز الإسلامي إلا في العام 1969م وأنا في الصف الأول إعدادي.

 

يتبع في الحلقة القادمة.


التعليقات