تطرق لبدايات أدوار الشيخ عمر أحمد سيف في تعز
في الحلقة الرابعة من كنتُ وكانت تعز.. مقبل نصر يتحدث عن وفاة المخلافي وسقوط صعدة بيد الملكيين واعتقال ياسين عبدالعزيز
- تعز - خاص الخميس, 31 مارس, 2022 - 01:40 مساءً
في الحلقة الرابعة من كنتُ وكانت تعز.. مقبل نصر يتحدث عن وفاة المخلافي وسقوط صعدة بيد الملكيين واعتقال ياسين عبدالعزيز

[ الحلقة الرابعة من ذكريات مقبل نصر تحدث عن حقبة نهاية الستينيات ]

المفكر ياسين عبدالعزيز، إداري صارم، في النظام والقانون، زاهد في المال العام والمال الخاص، لا يقبل الهدايا، ولا يخزن، ولا يدخن.

 

قام بتعديلات في مكتب التربية بتعز، وعين عبدالقادر القيري، سكرتير المكتب، وهو شاب نشيط ذكي، كما عين خالد محمد سعيد، مدير الشؤون المالية، وهو أيضا سياسي محنك وإداري متمكن، وعين بديلا عنه في إدارة مدرسة الثورة الابتدائية، الأستاذ عبدالله سعيد محمد، الذي كان شابا مهذبا ووقورا.

 

التعيينات شمل عبدالله علي سرحان وهو شيخ من المخلاف مديرا للقسم الداخلي، ونقل الأستاذ عبدالملك داوود، من إدارة الثورة الإعدادية إلى إدارة التغذية، وعين بدلا عنه في الثورة الأستاذ مشرف عبدالكريم المحرابي وهو فقيه وإمام وخطيب جامع القرشي)، وعين بدل المحرابي، في شؤون الموظفين، والأستاذ ناجي محمد سعيد التربوي المخضرم.

 

كما أعفى الأستاذ عبدالحكيم شرف، من منصبه في التغذية وتفرغ للدعوة، وكان شرف وكيلا لصحيفة الشهاب اللبنانية الناطقة باسم الجماعة الإسلامية في لبنان، وكنت أساعده في بيعها، لأكسب ثمن ريال في الواحدة.

 

وكان له دور في إدخال كوكبة من بني حماد، في المركز الإسلامي مثل: على عبدالله قائد، عبدالرحمن أحمد عون، محمد عبدالرحمن القاضي، مهدي أمين سامي، عبدالله على عثمان، سعيد عبده عبدالله.

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب يتذكر: كنتُ وكانت تعز .. ذكريات عن الدور المصري والزخم الثوري والمركز الإسلامي

 

وكان له دور أيضا، في إقناع ياسين عبدالعزيز، بإفراغ فصلين في المعهد الديني، لسكن الشباب الفقراء، الذين ليس لهم سكن في تعز، ولم يتمكنوا من دخول القسم الداخلي، وكنت واحدا منهم، وعبدالله محمد الفاتكي، ومحمد عبدالله حسن الصلوي، عبدالله ثابت راوح الأديمي، عبدالواسع محمد فارع الصنوي، عبده سعيد محمد السوائي.

 

ياسين عبدالعزيز

 

هناك شباب يملكون مسكنا، أو قادرين على دفع الإيجار منهم، محمد السماوي، محمد علوان مفلح، أحمد حمود مفلح، صادق شايف نعمان، عبدالله فرحان خالد، سيف أسعد عبدالوهاب، عبده محمد ناصر القباطي، عبدالملك عبده إسماعيل، عبدالملك الشيباني، عبده علي قباطي (وزير التربية الأسبق)، عبدالله الجمال، عبدالله فارع العزعزي، عبدالسلام علي حسن، نجيب النجار (خطاط المركز الإسلامي).

 

ولم يسكن في مبني المركز الإسلامي، غير شاب صومالي اسمه بشير العروسي، وسكن معه مؤقتا عبدالرحمن عمر يحيى الحضرمي.

 

استمتعت بالرحلات مع الشباب، وأنا أحب الرحلات، تعودت عليها من عدن، فقد سكنت عند خالي "أحمد سلطان"، في البريقة، حيث كان يعمل في المصافي، يأخذنا في الإجازة دوما إلى البحر أو الحسيني وبستان عبدالمجيد والبستان الكمسري.

 

غيرتُ السكن، لاحقا، وجاورت يحيى الشعيبي وزير التربية الأسبق في الهاشمي، بمنطقة الشيخ عثمان، وجاورت أبوبكر القربي وزير التربية الأسبق، في كريتر.

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب في حلقته الثانية من كنتٌ وكانت تعز.. ذكريات عن الجبهة القومية والحراك بين القوميين والإسلاميين

 

لذلك ما إن أسمع عن رحلة طلابية، إلا وسجلت فيها، إلى إب، المخاء، جبلة، ذي السفال، التربة، وكانت أسوأ رحلة عندي، في منطقة يفرس، بجبل حبشي، جاء دوري في حراسة أصحابي ساعتين، بعد منتصف الليل، وكنتُ أتخيل جن ابن علوان، أمامي وخلفي.

 

كارثة موت المخلافي

 

حصلت كارثة موت الأستاذ عبده محمد المخلافي، بحادث مروري مروع، في ذمار، وبعده بأشهر انقلاب سيارة ياسين عبدالعزيز، في سمارة، أسعف إلى مستشفى العظام في تعز، حيث مكث فيه فترة للعلاج والتحام الكسور، لا أدري ما إذا كان نفس المخرج في الحادثين، أم لا؟

 

عم الحزن اليمن كلها من أقصاها إلى أقصاها، بوفاة المخلافي، وصلوا عليه صلاة الغائب، حتى في عدن وحضرموت والحبشة، واقاموا له أربعينية في تعز تليق به، وألقى الشاعر عبداللطيف الحميري قصيدة قال فيها:

 

يا شهيد العلم والجيل الأشم

يا فقيدا عاش للحق علم

يا شعار الخير يا رمز التقى

يا قوي الجأش يا عالي الشمم

كلنا نبكيك من يوم الألم

والألم مازال في القلب ألم

 

سقوط صعدة بيد الملكيين

 

كانت البلاد تخطو خطوات نحو الديمقراطية في إعداد الدستور الدائم للبلاد والتحضير لانتخابات، لم يعجب السعودية، فسقطت صعدة، في يد الملكيين، بعد أن انتهت الحرب نهائيا.

 

محسن العيني

 

ولأن رئيس الوزراء محسن العيني، بعثي عراقي ثوري مناضل، فقد هاجمه الشعراء الشعبيون كثيرا، أولهم محمد الذهباني، في قصيدته الشهيرة:

 

سقطت صعدة على العمداء والشيوخ والجيش والعقداء

بعد ما سالت دماء الشهداء بالمئات.. لا إله إلا الله

 

وآخرهم الرداعي الذي قال:

 

عيني يا وجع عيني

خنت الشعب والأحرار

وفي المذياع أنت ثوري

وعند الشعب هات وأعذار

وبعتوا الأرض بالكيلو وبالأمتار

وأوسطهم النخلاني

بعتوا المواقع بصعدة يا لئام

بعدما سحقنا بها جيش الإمام

جيش القبائل تقدم والنظام

فلت سلاحه وفر يوم الصدام

وين الشرف يا دعاة الحزبية

 

وكان هذا النقد حادا خاصة أن البعث كان يركز جهوده على احتواء القوات المسلحة والأمن، ولهم حقائب وزارية وقيادات ألوية عسكرية، وهم مشهورون بالعنف الثوري، ولم يتوقع أحد أن تسقط في عهدهم، ما جعل العيني يخطو خطوات نحو المصالحة مع السعودية، واعترافها باليمن وعودة الملكيين.

 

في عدن، انقلب يسار الجبهة القومية على يمينها، وتولى سالم ربيع رئاسة الدولة، وجرى سجن قحطان الشعبي أول رئيس للجنوب بعد الاستقلال.

 

النازحون في تعز

 

عقب الإطاحة بالرئيس قحطان الشعبي استقبلت تعز النازحين من عدن، وهم جموع من رجال المال ورجال الأعمال، والدكاترة، وكان فرارهم ينطلق من اعتقادهم بأنه إذا قحطان الشعبي، عمل الإصلاح الزراعي بتمليك الفلاح خمسة فدان من الأرض فإن هؤلاء سوف يؤممون كل شيء، وإذا قحطان، رفع شعار تطهير الجهاز الإداري من موظفي الاستعمار، فإن هؤلاء سوف سيسحلونهم، وكان ظنهم في محله.

 

قحطان الشعبي

 

العلاقة مع الناصريين والاشتراكيين

 

كنا نحس تمازج بين الاشتراكيين والبعثيين، دعواهم واحدة وأسلوبهم واحد، كل واحد داخله مخزن ذخيرة يتقارح أوامر وأحكام جاهزة، يجب سحل، يجب شنق، يجب إعدام، يجب قتل، ولا تستطيع مناقشته، ينفجر في وجهك إنك غبي أو فاسد معهم، ولا أدري هذا حظنا في تعز، أم في جميع المحافظات هم هكذا؟

 

كان الناصريون أقرب إلينا مودة ويحضرون فعالياتنا ونتناقش بهدوء، ولا مشكلة بيننا وبينهم غير "الحب الشريف"، الذي تجسده أفلام الستينات.

 

أما الاشتراكية العربية، فكنا نصل أحيانا إلى قضايا مشتركة، الناصريون أيضا ضد البعث والماركسيين، خاصة أن الماركسيين يعتبرون الثورة على الإمام جريمة، لأن الإمام نموذج التقدم الاشتراكي، لم يتح للبرجوازية أن تنشأ وأفقر الشعب كله، أعدم تجار، أعدم مشايخ ولم يتح للإقطاع أن يسيطر وأعدم علماء ولم يتح للرجعية أن تنمو.

 

وكانت علاقاته مع الدول الاشتراكية وليست مع الإمبريالية العالمية، وأتاح للماركسيين أن يشتغلوا في تعز مثل أبوبكر السقاف، وعمر الجاوي، لرفد ثورة الجنوب، لكن الثورة السبتمبرية أتاحت للبرجوازية أن تصعد وتكبر.

 

الشيخ عمر قادما من الحبشة

 

وصل الشيخ عمر أحمد سيف، من الحبشة، عمل لنا تنشيط بأسلوبه الخطابي المميز وقدرته على جذب الانتباه والتفاعل معه، وقدرته على تبسيط تجويد القرآن وتحفيظه.

 

المركز الإسلامي مستمر بنشاطه كما هو، وكنا نستبدل كلمة العلماء الشيخ عمر بدلا عن ياسين، لأن ياسين خطابه فلسفي تأصيل، ويتقمص شخصية الداعية المصري عبدالحميد كشك، ولديه مشاغله.

 

الشيخ عمر أحمد سيف

 

ونحن نحب الحيوية مع عمر، وتم تعيينه إمام وخطيب جامع التوبة (جامع السقا)، وخضنا معه مظاهرتين، الأولى ضد إباحة مقبرة الأوجينات للسكن، والثانية ضد تغريب منتزه تعز.

 

اعتقال ياسين عبدالعزيز

 

زار وزير الداخلية أحمد الرحومي تعز، وسمع عن ياسين عبدالعزيز، فأصدر أوامره إلى الأمن باعتقاله (عنف البعث بلا نقاش)، وكلف عبدالعزيز الأغبري، مديرا للتربية، وقد كان الأغبري، مديرا للتربية قبل المخلافي، وهو ناصري (نسي الوزير أنه وزير داخلية وليس تربية).

 

أرادوا الفتنة بين الناصري والإخوان، وزرنا الأستاذ ياسين، إلى المعتقل، أنا والشيخ عمر، الذي وصل السجن وهو يتلو عليه بأعلى صوته (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما).

 

أصدرت الرئاسة أوامرها بإطلاق الأستاذ ياسين، وعودته إلى عمله، ووزير التربية والتعليم البعثي أحمد جابر عفيف، سافر إلى تعز، وجمع موظفي مكتب التربية، في صالة مدرسة الشعب، وأطلق رصاص الاتهامات في وجوههم، ومشي ولم يسمح لأحد بمناقشته.

 

حكاية مدرس سوري

 

هذه المواقف، جعلتني أتحسس من مدرس سوري، وكان كل المدرسين السوريين المبعوثين إلى اليمن ينتمون لحزب البعث، بالمناسبة، قال المدرس السوري في مادة التاريخ، إن سد مأرب هده فأر، قلت له يا أستاذ الله يقول إنه أرسل عليه سيل العرم، فقال القرآن ليس مرجعا علميا ولا أؤمن به.

 

وقال انتشرت مكروبات عام الفيل أهلكت الجيش الحبشي، فقلت قال الله طيرا أبابيل، قال "اص اص، أنا أدرس تاريخ مش قرآن".

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب يسرد ذكرياته عن بدايات التعليم في تعز ورد المخلافي على مذيع في عيد الثورة

 

عملت له خطبة في طابور الصباح لرأسه مع احترامي لكل المدرسين السوريين. وتوقفت الدراسة واحتبست يومي الخميس والجمعة، ذقت مرارة القيد في قدمي، ثم توسط محافظ تعز الشيخ أمين عبدالواسع نعمان، وأصلح بيني وبين المدرسـ وأطلق سراحي (تبين أن المدرس مسيحي)، ومع ذلك سلام الله على السوريين، لم يتدخلوا في أوضاعنا ومشاكلنا، كما فعل المدرسون العراقيون، فيما بعد.

 

مواقف من سيرة الشيخ عمر

 

أحمد محمد نعمان، جمع رموز الأحزاب في صالة مدرسة الشعب، يحاضرهم عن الانفتاح وأهميته في إنعاش البلاد والعباد، وفتح الباب للمناقشة، فكانت المناقشات لا علاقة لها بالموضوع، كلها حول إطلاق مساجين، توظيف، تسهيلات حريات، قال لا أحد يريد مناقشة الانفتاح وداعا.

 

من فضائل الشيخ عمر، أنه تجاوز مرحلة الزهد إلى الإيثار ولو به خصاصة، ولا نمل الجلوس معه مهما طالت الجلسة، وإن سمرنا نسمر على مولد نبوي.

 

أحمد محمد نعمان

 

وإذا حضر يسأل عن كل واحد، وقد افتقدني مرة، قالوا له إني مريض، فترك الدرس وجاء يزورني، قلت له تأتيني نوبات في المعدة كل ثلاثة شهور تنقلب فلا تبقي في داخلها شيئا حتى الصفار، كلف ابنه عبدالاله (الآن هو دكتور في كلية الزراعة بجامعة صنعاء) يذهب إلى البيت يحضر عرقا من شجرة (سماها بالحبشي)، وطحن العرق في ماء فائر، وقال هذه قهوتك اليوم، وشربتُ منها، وانتهت الحالة إلى الأبد.

 

وفاة الزعيم عبدالناصر

 

كنا مع الشيخ عمر، في درس تحفيظ عشر آيات يوميا مع التجويد والتفسير، وتحركت مسيرة عزاء بموت الزعيم جمال عبدالناصر، ورفعت فيها الرايات السود فوق المنازل والمحلات، تذكرت هذه الرايات عندما انتشرت في عدن، يوم مقتل عبدالسلام عارف، رئيس العراق.

 

صاح الناصريون: أين الراية السوداء يا أصحاب المركز الإسلامي؟ ومن باب الدعابة أظهرت لهم شخصا ذو بشرة سوداء من النافذة، وقلت لهم: هذه رايتنا، فضحكوا جميعا.

 

وبعدها قلت لأصحابي لابد منها في المركز الإسلامي، فقال الشيخ عمر، أخرجوا شاركوا في المسيرة، وتذكرت عبده محمد المخلافي، وهو يقول: "عيشوا مع الناس وشاركوهم همومهم"، خرجنا وتقدمت المسيرة أنا ومشرف عبدالكريم، إلى ميدان الشهداء، كانت أضخم مسيرة تشهدها تعز.

 

من مراسم وفاة جمال عبدالناصر

 

ألقى الأستاذ مشرف، كلمة في الجموع الغفيرة، قال فيها: "سواء اختلفنا معه أو اتفقنا لازم نعترف أن له ثقله في الوطن العربي، وموته ترك فجوة كبيرة، لا يمكن أن يسدها أي زعيم غيره، ولازم نعترف أن له مشروع لا يمتلكه غيره"، وقد صلت عليه مساجد تعز صلاة الغائب.

 

وفي المساء، كانت فعالية ثقافية في سينما، قصر سبأ، افتتحت بقرآن كريم تلاه أحد شباب المركز محمد صالح الريمي، من قوله تعالى (هل أتاك حديث موسى، إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى... إلى قوله فأخذه الله نكال الآخرة والأولى).

 

عام 1970، حزنا لموت عبدالناصر، وفرحنا بإقرار الدستور الدائم، وفيه الإسلام دين الدولة، والشريعة مصدر القوانين، والحزبية محظورة.


التعليقات