تحدث عن زوار الريف ومذكرات حاكم تركي عن العدين
مقبل نصر غالب في الحلقة 21 من مذكراته يكشف لأول مرة لمحات من تاريخ مذيخرة وجيش السلال لتأديب الباشا
- تعز - خاص الخميس, 28 يوليو, 2022 - 03:53 صباحاً
مقبل نصر غالب في الحلقة 21 من مذكراته يكشف لأول مرة لمحات من تاريخ مذيخرة وجيش السلال لتأديب الباشا

[ تطرقت الحلقة لأحداث مهمة في مديرية مذيخرة بمحافظة إب ]

جبال عالية تصافح بعضها في السحاب، أمطارها غزيرة، وينابيعها كثيرة، وعيونها وفيرة، مدرجات زراعية من القاعدة إلى القمة، وأشجار كبيرة تحمي تربتها من الذوبان مع السيول، التي تتجمع في وادي نخلة، الممتد من حدودها إلى الخوخة عبر مدينة حيس بالحديدة، وتجمع معها السيول من شرعب وجبل رأس وشمير.

 

تاريخ مذيخرة

 

تلك هي مديرية مذيخرة التابعة لمحافظة إب، والتي كان المؤرخ الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب يسمي تلك الجبال المطلة على نخلة من شمالها بلاد قتاب ذي الكلاع الحميري، وربما كانت تسمى ذي العلى، عكس ذي السفال في العصر الحميري الأول، وتحولت في العصر الثاني إلى مذيخرة، ورغم أن الأسماء لا تعلل لابد أن يكون هناك سبب للتسمية، فأشجار الاذخير الكثيرة كان يستخرج منها لبان البخور، أو ما يسمى لبان ذكر، وأنا لحقت بعضها، واستخدمت في آخر العهد الحميري مركزا عسكريا إضافيا كذخرة لبقية المواقع وفيها مدافن حبوب ذخيرة للجنود، وهناك بقايا حصون حميرية في جبل قرعد، وجبل الشخاف، وقلاع في بني علي، وقمة جبل ريمة.

 

وفي العصر الإسلامي كانت محل تنافس بين الدولة الزيادية، والإسماعيلية، والمناخية، وهناك جوامع أثرية وقباب لكل جماعة منهم، وسواقي وبرك، إلا أنها اشتهرت في الذاكرة اليمنية بكونها عاصمة الدولة الإسماعيلية والقرمطية، وكل ما قيل عن علي ابن الفضل تبين أنها اشاعات سياسية مغرضة لا أساس لها، فندها أحمد محمد الشامي في كتابه تاريخ اليمن الفكري في العصر العباسي، وأنها لم تكن سوى دسائس مذهبية وسياسية لا تليق بحق شعب عربي مسلم، ومن خصومه الذين هزمهم، وقضى على طغيانهم في حق مواطنيهم.

 

مذكرات حاكم تركي

 

في عهد الدولة العثمانية تم ضم مذيخرة إلى قضاء العدين إداريا، ضمن نظام التقسيم الإداري الذين كان يتكون من لواء ويساوي المحافظة الآن، ثم قضاء، ويضم عدة مديريات، ثم ناحية، ويعادل المديرية اليوم، ثم العزلة، ثم القرية، فكان قضاء العدين يضم أربع مديريات، هي كلا من حزم العدين وفرع العدين ومذيخرة، ومديرية العدين، ومركز القضاء في مدينة العدين، وبقية الأسماء الحميرية للعزل والقرى كما هي مثل أيفوع، أكروف، أفيوش، أسلوف، أصروم، وكان يسمى مسؤول القضاء قائمقام.

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر في حلقته الـ20 يتحدث عن الحوار المفتوح في اليمن ومنتديات الهبيلي ولقاءه بعبد الرحمن البيضاني

 

وكان قائمقام التركي لقضاء العدين يقيم في مكان اسمه الدفدف عام 1901م، وكتب مذكراته عن العدين، وأثنى على مشائخ من بني أمية في مذيخرة، وأجزاء من مديرية العدين، وكان مستاء من أهل الدفدف لدرجة الضيق، وطلب نقله من العدين، وقال في إحدى رسائله بأنهم "لا يلبسون السراويل، ويغتسلون في البرك والشلالات جماعيا عرايا، وكل ينظر للآخرين بل يتوضؤون جماعيا في بركة المسجد دون حياء من بعضهم، وطلب نقله من العدين، فنقلوه إلى بيت الفقيه، ويقول: "خضت مع الرزرانيق خمسة عشر معركة، انتصرت مرتين فقط، وتعرضت لمحاولة اغتيال خمس مرات، وسوف يكون موقف الإمام يحيى معهم صعب جدا، فهم يملكون أسلحة احدث منه، ويملكون قوة برية وبحرية مدربة، ثم عاد ليقول سلام الله على العدينة.

 

علي محسن باشا

 

ومن مبررات قائمقام التركي لهزائمه أمام الرزرانيق أن المنطقة من اللاوية إلى حيس غابات كثيفة، وأشجار كبيرة من النخيل والسدر والطلح، فلا يدري من أين يخرجون له، ويقفزون قفزات عالية عند سماع اول طلقة، حسب كلامه.

 

وكثير من الإخوة الموجودين في ديوان المقيل التابع لمؤسسة الابداع، استبعدوا ذلك لأنها الآن شبه صحراء، قلتُ لا تستبعدوا، فأنا أذكر منطقتنا، وهي جبال كانت غابات كثيفة من الأفيوش إلى مذيخرة، وأشجار سدر وطلح وطولق، خنس، ثُعب، ثُعب، عُمق، صال، عسق، قرض، تين شوكي، والوديان الخصبة بها غابات من أشجار البن، ومن أهل قريتي من كان يجمع البن من القرى المجاورة أسبوعيا، كي يبيع البن في سوق القاعدة يوم الاثنين، وسوق تعز يوم الخميس، وكانت تضيع الجمال في الجبال، وأهلها يبحثون عنها من جبل إلى جبل، ولا ندري من أي غابة يخرج لنا الذئب لافتراس الغنم والثعلب لصيد الدجاج، وحتى القطط المتوحشة كانت موجودة، ومن يسافر ليلا قد يقابل النمر أو الفهد أو الطاهش، ويعرف كيف يتعامل معهم.

 

علي محسن باشا

 

كتب مذكراته في 1915م، وانسحبت تركيا من اليمن في 1918م، وكان عمر الشيخ علي بن محسن 20عاما، ولا أعلم عارف كيف أخذ رتبة باشا، وهي رتبة عسكرية تركية تساوي لواء.

 

وإذا اعتبرنا أن والده أو جده اخذها فصارت لقب الأسرة كعادة اليمنيين تصبح الوظيفة لقبا تتوارثه الأسرة مثل بيت الوزير بيت الأمير...الخ، لكن قائمقام التركي قال أنهم أمويين، ولم يقل في مذكراته أنهم بيت باشا، وللأسف فمذكرات هذا المسؤول التركي لم تطبع، وجاء ابنه في 2009م يحققها ليتأكد من معلوماتها كي يطبع الكتاب، وطلب أن يزور الدفدف وقلنا له يستعين بالشيخ صادق باشا، أما إذا كان الإمام يحيى هو من منح الشيخ رتبة باشا فهذا جائز، خاصة حين كلفه بإخماد ثورة المقاطرة، لأنه حين تعين عامل قعطبة كان اللقب معه، ثم عامل المخادر، وعامل جبلة، واشتهر عنه أنه يبطش بأصحاب الدعاوي الكيدية والمزورين وشهود الزور.

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب في حلقته الـ19 يكتب عن ذكريات حديثه ونكاته السياسية مع علي عبدالله صالح في مقيله بصنعاء

 

انضم علي محسن لثورة 1948م ضد الإمام يحيى، وحشد جيشا من العدين وإب وتعز، ووصل بالجيش إلى منطقة معبر بذمار، يقول صاحب كتاب رياح التغير أحمد الشامي إن المناضل النعمان أوقفه ومنعه من دخول صنعاء، وقال له: "مو معنا من فائدة نقاتل مع إمام ضد إمام، دعهم يتقاتلون فيما بينهم، والأسد المنتصر أسد جريح سنأخذه بسهولة"، وكان مع النعمان فرقة عسكرية مدربة.

 

يقول الشامي: "لو دخل جيش علي محسن باشا الى صنعاء لما استطاع أن يدخلها الإمام أحمد، وكان عنده فرصة أن يصل صنعاء قبل الإمام أحمد بيومين لكن النعمان حال دون نجاح الثورة".

 

عاد علي محسن إلى مذيخرة، إلا أن الإمام أحمد خاف منه أن يحشد ضده في أي وقت، كما حشد ضد والده، فاستدرجه إلى تعز للحوار والمناقشة، ثم أرسله لسجن حجة، وقضى هناك سبع سنوات، ولأن الإمامة تسمي من يعارضها يهودي كان العسكر يهدمون منزله في مذيخرة ويقولون: "يا حجرة اليهودي لا تعودي" وأراد بعض الرعية مساعدة العسكر بذلك الشعار فدفعوا الثمن وحدهم، وحين خرج الشيخ من السجن 1955م ألزمهم يحملون الحجار على ظهورهم وهو يهتف "يا حجرة اليهودي عودي فوق اليهودي ابن اليهودي".

 

قصة سالم

 

وحين قامت ثورة 26 سبتمبر 1962م كان مناصرا لها، وأرسل مقاتلين من العدين ومن كل القرى التابعة لمذيخرة، واختلف مع السلال حول شعار (لا مشائخ بعد اليوم) الذي يردده المتظاهرون في كل المحافظات، وأن أكثر المشائخ مع الثورة، والخلاف الأهم كان بسبب انتشار القوات المصرية في محافظات ليس بها مواجهات مع الملكية، مثل تعز وإب والحديدة وذمار ويتدخلون في كل شيء، والمفروض أن يكون تواجدهم في مسرح العمليات العسكرية، في صعدة والجوف وحجة، فحقد القائد المصري عليه.

 

الإمام أحمد

 

وكانوا يريدون من الشيخ علي محسن باشا أن يصل إلى صنعاء، وأرسلوا له العديد من البرقيات، فرفض، وكان يعتقد أن طلبه إلى صنعاء سيكون مثلما طلب الإمام أحمد وصوله إلى تعز، فأوغروا صدر المشير السلال أن مش من حق الشيخ أن يرفض أوامر الرئيس، وأن ما فعله علي محسن حاجة كبيرة، ولازم يحضر إلى صنعاء، ويحاكم على ما صنع.

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب في الحلقة الـ18 يتحدث عن المنتديات السياسية والنصيحة التي رفضها صالح وأيام العيد في اليمن

 

جرى تكليف جيش بإحضار علي محسن، وتحرك الجيش من أربعة محاور، من إب نحو مدينة العدين، ومن القاعدة نحو مذيخرة مباشرة، عبر خولان العدين، ومن تعز عبر منطقة تسمى المهيع، ومن حيس عبر فرع العدين.

 

وتم إخماد مدينة العدين بالمدافع، وكنا نسمع وقع المدافع إلى قريتنا من جهة شلف، وتمكنوا من اقتحام جبل نامة من جهة الجنوب والشرق، وكانت المدفعية تقصف مذيخرة مباشرة، وبعد صمود الشيخ سنة كاملة أدرك حقيقة أن حرب القبيلي على الدولة محال، ورحل من مذيخرة مع أسرته بطريقة أصبحت لغزا، لا يدرون من أين تمكن من الفرار، وأي طريق سلك، وكيف غادر حتى وصل نجران، وقد صور الشاعر هذا الصراع بقصيدة:

 

أطعناكم لنسلم من أذاكم

ولكن لا سبيل إلى السلامة

وقلنا البنطلون أخف حمل

لهذا الشعب من ثقل العمامة

تبرعنا تجندنا رأينا

بيوم الزحف أهوال القيامة

وجندنا من الأولاد جيشا

لكي يبقوا لثورتكم دعامة

فقلتم لا حياة لأي شيخ

وليس لهم بدولتكم كرامة

وقلتم يا صعاليك البوادي

تعالوا حطموا أهل الشهامة

وثورتكم تسمى بنت ست

وبنت الست أولى بالفطامة

وبطن الشعب حبلى من جديد

ستولد ثورة فيها السلامة

وثورتكم قد اعتلت وإني

أرى العلة من لبن الوحامة

 

وكان أكثر الناس ينسب القصيدة للشيخ محمد أحمد منصور، ويتناقلونها باسم الشيخ، ولما طبع الشيخ ديوانه لم نجدها في الديوان سألته عنها قال إنها ليست له، وهي للشاعر قاسم الشهلي، وهو شاعر شعبي من نفس منطقة الشيخ منصور في ذي سفال.

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب في الحلقة الـ17.. يسرد ذكرياته عن قصيدة أغضبت صالح ومخاض توحيد التعليم في اليمن وقصائده عن الوزراء

 

عبدالله السلال

 

دخل الجيش مذيخرة بقيادة سالم اليافعي، وهدم بيوت الشيخ وبيوت أنسابه وأصحابه، واستمر سالم اليافعي يمشط كل القرى والعزل التابعة للمديرية بحثا عن مقاتلين كانوا مع الشيخ، وأي منزل يجدوه فارغا هدموه بدعوى أن صاحبه ما هرب إلا خوفا من الحبس، ووصل الخبر إلى قريتنا أن لا تتركوا منازلكم كي لا يهدمها سالم اليافعي، ومر الجيش من القرية بسلام، وما هي إلا بضع شهور حتى قامت حركة خمسة نوفمبر 1967م، وعاد الشيخ علي محسن إلى مذيخرة رافضا كل المناصب المعروضة عليه، ولم يرفض اشتراك أي عديني في المقاومة الشعبية لفك حصار السبعين عن صنعاء، بل شجع على التجنيد في القوات المسلحة وغير ذلك.

 

أما شيخ الجعاشن قال للرعية حقه:

أهل الجعاشن لا تلبسوا الجرامل

عودوا الى العصيان والمحاكل

كم من فتى من العدين مقاتل

أبطال في العنسين يوحدوا الله

 

إدارة الشيخ علي محسن لمذيخرة

 

وتفرغ الشيخ علي محسن لشق طرقات بإمكاناته الخاصة بطرق يدوية، ومن كرم الشيخ علي بن محسن زاره الشاعر الشعبي الملقب بالحسام من حمير، كي يشكو له أن البقرة حقه ماتت، وأنه لا يستطيع العيش بدون بقرة، وكانت البقرة من أساسيات كل منزل وقتذاك، وجاء وقت المقيل وهم يناقشون قضايا الدولة الأموية والعباسية والحروب وهو يسمع ويكتب بعض الأبيات، فقال له الشيخ علي ما قضيتك؟ قال:

 

جالست قوما زاهدين

بالله احسب عارفين

يبكوا الملوك السالفين

ويسكبوا الدمع الغزار

قلت اسمعوا لي خبرا

ينسيكم ما قد جرى

من الملوك والأمراء

ومن حمى أم القرى

ماتت علي البقرة

ذي كان جوشه ثمرة

أحسن من مدفن ذرة

صبغ الصغار والكبار

أبكي عليها من صحيح

وهرتي جنبي تصيح

وقلبها مثلي جريح

فقلت عد به مستريح

يرحم بكى هذا العرار

قالوا فأعطاه بقرة بدلها فوالله ما عاد البيت إلا بها.

 

هذه مذيخرة شهرتها في الذاكرة اليمنية أنها عاصمة الدولة الإسماعيلية، وقلعة الشيخ علي محسن باشا، وشهرة مشائخ العدين أنهم طغاة ظلمة، وشهرة الشيخ علي محسن أنه يبطش بأصحاب الدعاوي الكيدية والمعتدين، وهناك العديد من المرويات التي يتداولها السكان في المنطقة، ولازالت في الذاكرة حتى اليوم.

 

اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب في حلقته الـ16 يتحدث عن إدارة القربي وقباطي والشعيبي لوزارة التربية ومعارضة عبدالسلام كرمان لحرب 94

 

الجبهة اليسارية

 

الجبهة اليسارية التي استهدفت مشائخ العدين في السبعينات لتنفيذ شعار لا مشائخ بعد اليوم، انتشرت في عزل من مديرية مذيخرة، وهي عزلة أيفوع أعلى، وأيفوع أسفل، والأفيوش، والأكروف، ونفذت بعض الاغتيالات، لكنها لم تستطع الاقتراب من مذيخرة ومناطق الباشا، وقيل لأن قائد الجبهة هو قائد قاسم سعيد من خولان العدين، ولا يريد نشر الرعب في منطقته، وهذا ليس في حساب اليساريين.

 

محمد أحمد منصور

 

ومع ذلك واجهت في أيفوع أسفل مقاومة شرسة من المشائخ أمثال الشيخ محمد عبدالله بن نائف، والشيخ مارش غلاب خالد، ودرهم بن يحيى، وربما كان لهم دور في ضم العزلة إلى ناحية السلام، لسهولة الحركة والتواصل مع قيادة الجيش في شرعب، بقيادة قائد شويط، فانحسرت في الأفيوش التي مازالت تتبع مذيخرة، وبعد موت الشيخ علي محسن باشا في 1979م عادت الجبهة بكثافة في الأفيوش، وما جاورها فتصدت لها الجبهة الإسلامية بقيادة محمد محمد قحطان، وكان بينه وبينهم كر وفر من الأفيوش إلى جبل رأس والجراحي.

 

مهن السكان وزوار المواسم

 

بعض السكان اشتغل بالصيد، صيد الجرع والعقب، والأرانب البرية والأوبار، بل من كثافة الغابات كانت السيارات تختفي في الطرق حتى عام 1970م ولا يعرفون إلا من صوت الحنين وصوت التنبيه (هون)، ومازالت مذيخرة حتى الآن محمية طبيعية.

 

وكان زوار القرية يزورون كل قرية مرة في السنة، وغالبا في موسم الحصاد أو بعده ولا يقيمون فيها.

 

وهناك شخص يدعى "المجذوب، يزور القرية وبيده طبلة صغيرة في رأس عود، يديرها بيده، ويقرعها بخرز مربوطة، فتصدر ايقاعات معينة، ونعرف أن المجذوب قد وصل، فنهرب إلى السقوف، ونحن أطفال نخاف منه، لأنه يطعن عينه بالجنبية، ونشاهد الجنبية واقفة في عينه أو سنارة، أو يضرب رأسه بفاس، ويبقى الفأس بالرأس، وهو يصيح الله الله حي، قيل أنه يطعن في ظهر الصوفي أحمد ابن علوان فلا يحس بألم.

 

وإذا رأى أن المحصول قليلا يقف أمام منزل ممتاز، ويقول أن ابن علوان أبلغه أن في المردم - عمود من الخشب يوضع فوق الباب الرئيسي للمنزل في الريف – حنش (ثعبان) وسوف يخرجه بمقابل، ويخرج كيسا من جيبه، ويمد يده في المردم مع تكبيرات أن الحنش دخل الكيس، وبأمر ابن علوان ويريهم الثعبان من فتحة الكيس، فيكرموه لأجل ابن علوان، ويدخل الكيس في الكيس الذي يحمله.

 

اقرأ أيضا: في الحلقة الـ14 مقبل نصر يسرد ذكريات إنشاء المعاهد العليا في اليمن وإدخال الوزير الآنسي الكمبيوتر لأول مرة في وزارة التربية

 

أما الزائر الثاني للقرى والأرياف فهو شخص يعرف من وصفه بـ"المداح"، ويأتي ومعه طار كبير – دف - ويضرب عليه بإيقاعات محددة، ويسرد للناس قصة النبي يوسف، وحوار علي بن أبي طالب مع عمرو بن ود العامري بطريقة مسجوعة، ويدعو الله لمن يكرمه بالخير، ويواصل طريقه في قرى أخرى.

 

أما الزائر الثالث فهو شيخ صوفي يبدأ التسبيح والتهليل من طرف القرية، فيعرف الناس أن بن سلام جاء، وينزل عادة عند أحد الميسورين في القرية يومين أو ثلاث أيام، ويشغل أهل القرية بقراءة سور يس والواقعة وتبارك، ويرددون بعده تسبيحات بأكبر عدد من أسماء الله الحسنى، ومن أراد أن يدعو الله له يكرمه مقابل الدعاء.

 

علم متواتر

 

علم الزراعة ومواسمها ومواعيدها يعرفه كل أهل القرية بدقة متناهية، في اليوم والساعة والاسبوع، كل واحد يعرف متى يقلب الأرض، ومتى يسمدها، ومتى يتلم، وهي وضع الحبوب في الأرض، بل ومتى يقطع الأشجار الكبيرة للحطب، ويترك في كل شجرة فرعا أخضرا يعيد بناء الشجرة من جديد، كما يعرف مواسم المطر، وكان الناس يضعون في ركن البيت قطعة حديد لمنع الصواعق، وامتصاص البروق، ويعرفون من النجوم تقسيم الليل من أوله إلى آخره، وكذلك فصول السنة، ثم خلف من بعدهم خلف لا يعرفون غير أسعار العملات وقيمة الفيزة.

 

يتبع في الحلقة القادمة.

 

*خاص بالموقع بوست.


التعليقات