شجعتها عائلتها وخاضت تجربة ميدانية مثابرة
"المدق" كان ميكرفونها الأول.. عبير عبدالله.. من إذاعة المدرسة إلى مراسلة تلفزيونية في زمن الحرب (وجوه يمنية)
- صلاح الواسعي الخميس, 02 فبراير, 2023 - 01:41 مساءً

[ عبير عبدالله مراسلة تلفزيونية في تعز عاشت قصة إعلامية مميزة ]

بدأت الإعلامية عبير عبدالله اهتمامها بالإعلام منذ أن كانت طفلة صغيرة، وكانت لا تفوت برنامج الإذاعة المدرسية، ككثير من الإعلاميين الذين تفتقت مواهبهم فيها، وشقوا طريقهم في الحياة نحو تحقيق ذلك الحلم.

 

كان "المدق" الذي تستخدمه والدتها لهرس الثوم والبهارات المنزلية بمثابة الميكرفون الإعلامي الذي تجري بواسطته المقابلات الإعلامية، مع أفراد أسرتها ومع الزائرين.

 

كان ذلك يثير جلبة في أرجاء البيت أحيانا، وفي أوقات يغدو مثيرا للإعجاب، وفي أوقات أخرى مثير للضحك، لكن "المدق" الذي كان في الماضي الآن استبدلته عبير بميكرفون حقيقي، وباتت لا تزعج أفراد أسرتها، وحسب، بل الحكام والسياسيون، وتثير الأعجاب والدهشة لجميع من يشاهدها على منصات الإعلام وشاشات التلفزة.!

 

لم يكن حلم عبير المولودة في محافظة تعز وحدها أن تصبح إعلامية يشاهدها الأهل في شاشات التلفزة، فقد كان ذلك حلم والدها وأمها، إذ كان لهم الدافع الأكبر في جعلها تغدو اعلامية كبيرة، ومدق الثوم الذي كانت تستخدمه لإجراء مقابلات تلفزيونية في البيت، لم يكن يغضب والدها الذي كان يعمل كضابط في الجيش، وعوضا عن ذلك كان يدربها على الصوت الإذاعي، وكيفية إعداد التقارير التلفزيونية، وليس أخيرا بألعابها التي كانت تأخذ شكل أدوات مراسل تلفزيوني من كاميرا وميكرفون.

 

سنوات المدرسة

 

من الجيد أن تجد الشخص الذي يكتشف ميولك منذ البدايات الأولى، وينميها في شخصيتك، وكانت عبير محظوظة بأستاذتها "خديجة" في المدرسة التي تنبهت لموهبتها الإعلامية، ولم يكن ذلك يتطلب جهدا كبيرا لاكتشاف ذلك، لأن عبير كانت تسرق مدق الثوم من منزلها لتحاكي مقابلات تلفزيونية مع زميلاتها في المدرسة.

 

لاحظ الأب عبدالله موهبة ابنته مبكرًا فقرر أن يوجهها صوب مشاهدة برامج تلفزيونية، والاستماع الي نشرات الأخبار، والتدقيق على بعض البرامج الإذاعية، وهذا ما شكل لديها وعي اعلامي منذ البداية، كما حرص والدها على أن يلحقها بمركز لتحفيظ القرآن الكريم، كي يساهم ذلك في صقل قدرتها اللغوية، وضبط مخارج حروف الكلمات.

 

تقول عبير عبدالله لـ"الموقع بوست" إن الاعلام يعني لها كل شيء، فهو حلم حياتها، والانسان هو كل شيء في الحياة، وهو دافعها نحو تخصص كالإعلام الذي يتخذ من الانسان محور قضيته وحديثه.

 

 

مرحلة الجامعة والتدريب

 

في بداية الجامعة، كانت عبير تنطلق من مفهوم "ادرس ومن ثم توجه الي العمل" كما هو سائد لدى الجميع، غير أنها اكتشفت أن تواجدك كإعلامي في الميدان، هو أهم من كل شيء، وان الجامعة لسيت كل شيء، وكان ذلك الاكتشاف سبب توجهها نحو التدريب الاعلامي والاذاعي، في مرحلة الجامعة الأولى وكان لإذاعة تعز دورا كبيرا في تدريبها ضمن طالبات دفعتها، وكان للإعلامية اليمنية المعروفة "مايا العبسي" دورا مفيدا في تدريبها داخل إذاعة تعز، ولا تزال عبير تتذكر ذلك بامتنان.

 

نالت عبير الذي ولدت خارج اليمن شهادة البكالوريوس في الإعلام من جامعة العلوم والتكنولوجيا، وكان قسم الإعلام مزودا بأجهزة وأدوات ساعدتها في إنماء قدراتها، وهناك تلقت تدريبها الصحفي على يد صحفيين محترفين كالصحفي، " أحمد غراب" الذي كان له فضل كبير في تعليمها تقنيات كتابة الخبر الصحفي.

 

تتذكر عبير موقفا قديما جعلها تتخذ قرارها بأن تكون إعلامية، ذلك الموقع هو ما شاهدته من عنصرية تجاه الأسر المهمشة، وكان ذلك مشهد رق قلبها لحالتهم، وكانت تلاحظ النزعة العنصرية من المجتمع تجاه هذه الفئة، وتشعر حيالهم بالشفقة، فهم لا يختلفون عن البيض تماما، وليس هناك مبررات أخلاقية لتلك الدوافع العنصرية، وكان ذلك التضامن هو سلوك من والدها أيضا، فهو أيضا ممن يناهضون أفكار التمييز العنصري ضد الأسر المهمشة في اليمن، لذلك أرادت عبير أن تكون صوتا للإنسان الذي لا صوت له.

 

بدايات العمل

 

قلق البدايات كان صعبا، هكذا تقول عبير، عن أول تقرير تلفزيوني لها، وتصفها بأنها لحظة مقلقة، ولا تنسى، بل وتعتبرها "لحظة سيئة جدًا"، وهي تلك اللحظة عند أول ضهور اعلامي على شاشة التلفزيون، فـ"الكاميرا كانت مخيفة لها"، والخوف برأيها أنك تقع في خطأ أمام المشاهد، وينتابها هاجس ألا يتم قبولها ولا ينال تقريرها استحسان الجمهور، تضيف بالقول: "كنت قلقة وخائفة، في مقابل ذلك كان هناك حماس واندفاع كبيرين تجاه عملي، ولكن كل ذلك تلاشى بعد ثاني تقرير تلفزيوني عندما شعرت أني قوية وواثقة".

 

والحقيقة أن عبير لم تبدأ في التلفزيون، بل بدأت صحفية في الصحافة الإلكترونية، سنة 2016 حتى 2018 في موقع "يمن فويس"،  ثم بالفضائية اليمنية في 2017 وكانت تكتب من خلف الشاشة، ولم يكن ذلك يخيفها كثيرًا لها، لأن المشاهد لا يرى صورتها في حال ما إذا وقع الصحفي في أي خطأ، ولن يكون الضرر أكبر مما لو كان ذلك يحدث بالصوت والصورة أمام شاشة التلفزة.

 

تحديات على الطريق

 

واجهت عبير تحديات أسرية كبيرة، وما زالت التحديات تواجه طريقها إلى اليوم، فمن ناحية أسرتها القريبة (والدها ووالدتها) لم يكن هناك أي ممانعة لظهورها الإعلامي، بل شكل ذلك دافعا لها، في ظل مجتمع لا يريد للمرأة الظهور، ويتخذ موقفا تجاه الفتاة، من مفهوم لابد للفتاة أن تكون معلمة مدرسة أو طبيبة فقط، وكانت مشكلة عبير تتركز في أسرتها من الدرجة الثانية، لكنها رغم ذلك لم تتوقف، ولا زالت الي اليوم تعمل في الميدان، وتواصل الظهور.

 

وفي العام 2013 فقدت عبير والدها قبل أن يشاهدها في التلفزيون، رغم تلك الممانعة التي جابهتها إلا أنها لم تحد من أن تكون إعلامية، ورغم المتاعب التي يمكن الحديث عنها إلا أن عبير تخطتها، واتخذت مسار آخر هو الإعلام وما زالت إلى اليوم، كما تقول تواجه تلك الممانعات الأسرية وتتجاوزها.

 

سنوات الحرب

 

عندما بدأت الحرب في اليمن في العام 2014م، قررت عبير أن تعمل مراسلة تلفزيونية، واختارت العمل ضمن قناة الشرعية التي كانت تبث من العاصمة السعودية الرياض، وحين جاءتها الفرصة عملت لدى قناة اليمن الفضائية الحكومية، وكانت أسرتها تعيش في نطاق سيطرة جماعة الحوثي، ولكن قررت رغم ذلك أن تسافر إلى تعز، وهي منطقة حرب للعمل كمراسلة.

 

الصعوبة التي واجهتها حينها تكمن في رفض الأهل القاطع لها، لأسباب تتعلق بسلامتها، والمخاطر المحتملة التي قد تواجهها، وأسباب تتعلق بالسكن والعيش في منطقة ليس فيها أحد من الأقارب، ومع ذلك قررت عبير أن تعمل مع التلفزيون اليمني كمراسلة، وتجابه تلك العقبات والتحديات.

 

كانت الحرب بمثابة عقبة كبيرة في طريق عبير، وكثيرًا ما كانت تعيق طريقها المهني، فكان هناك شبه منع من الدخول في المناطق التي تعتبر خطرة، لأنها لا تزال تحت رحمة النيران، فكانت تلك عقبى أولى، والعقبة الثانية تتمثل في كونها فتاة لا تستطيع التوغل أكثر في مناطق دون أن يكون معها حماية، وكذلك صعوبة الوصول الي المادة البصرية والتصوير، وأحيانا كان يذهب المصورون دون أن يذهب المراسلين، لجلب المادة الصورية، كون المناطق خطرة جدًا.

 

تعمل عبير مع جهات لا توفر لها الحماية كما تتحدث، ولذلك دائما ما يراودها الشعور أنها قد تخرج من البيت للعمل والنزول للميدان، ولا تعود، ثم أن هناك أسر تعيش في مناطق قريبة من خطوط الحرب لا تستطيع الوصول إليها، بسبب المخاطر المحدقة.

 

تقول عبير وفي صوتها نبرة أسى. !: "هناك أضرار كثيرة نفسية يتعرض لها الصحفي والمراسل، مثل مشاهد الجرحى القتلى التي تقوم بتغطيتها، ورائحة الدم التي تشمها وهي تغطي الوضع في المستشفيات، ومشاهد كثيرة أحيانا تصل بالإنسان الي مرحلة من التبلد واليأس، وتعرض وضعه النفسي للدمار.!"

 

مواقف من الحرب

 

تسرد عبير مواقف من واقع الحرب كادت أن تودي بحياتها تقول: "ذات مرة كنت أغطي أزمة السكن في مديرية صالة بمدينة تعز، وفجأة حدث تبادل اطلاق رصاص لولا الطاف الله لم يحدث شيء."

 

وتضيف قائلة:" في أحد المرات أثناء زيارتي لاحد الجبهات، توغلت سيرا إلى مناطق بعيدة، دون أن أعلم، وكدت أن أتجاوز أحد النقاط العسكرية التي تتبع جماعة الحوثي، يومها كنت أحمل الكاميرا في يدي، وخفت لو أن القناصة التابعين للحوثيين استهدافي بالرصاص، خاصة أن ذلك حدث سابقا في قنص مصورين وصحفيين.! "

 

الظروف السياسية في اليمن لم تساعد عبير كصحفية، ولكنها أعاقتها كثيرًا، تقول عبير أن كونها مراسلة مستقلة فإن ذلك لم يساعدها كثيرًا، فهي ترى بإن الأحزاب تقوم بدعم بعض الصحفيين الذين ينتمون لها، بينما المراسلين المستقلين لا يحضون بالرعاية والدعم" فكونك صحفي مستقل سيكون عليك أن تعاني الكثير."

 

الحرب أيضاً خلقت من عبير صحفية، فالحرب بيئة خصبة للعمل الإعلامي كما تقول، وتخلق فرص كثيرة ليكون الإنسان صحفي.

 

الإعلام في اليمن

 

غير أن هذا لا ينفي كونها مهنة المصاعب والمتاعب، خصوصاً في اليمن، كما تحكي، وهي أيضا مهنة" الوساطات" ومهنة تطبيل وتلميع للسياسيين، "هكذا هو الإعلام في اليمن، بالنسبة للصحفيين المستقلين، فهم قلة ونادرون، لأنهم لا يتلقون أي دعم أو مساندة، وفرصهم للوصول قليلة."

 

وتوكد عبير أن "واقع الصحافة في اليمن يحتم عليك أن تتخذ مسارات أخرى غير إبداعية، لإن المؤسسات لا تعمل على تأهيل موظفيها الإعلاميين، وإنما التطوير يتخذه الصحفي من تلقاء ذاته، ويتكفل هو بتطوير نفسه، بعكس المؤسسات الأخرى التي تعمل على تطوير موظفيها لكي يكونوا مبدعين."

 

رغم ذلك هناك لحظات تصنع فارقاً في حياة عبير، وتشعر كما لو كانت مكافئة لها، وذلك حينما تشعر أنها نقلت معاناة نازحين، أو أسر متضررة، أو منكوبة، لتجد بعد ذلك أن هناك مؤسسات تجاوبت، وقدمت لهم الرعاية والدعم، وهناك تشعر أنها قدمت شيء للناس، وأن ما تقوم به له صوت ويسمعه الآخرون، ذلك ينسيها كل ما تكابده من معاناة، ويصنع كل لحظات سعادتها.!


التعليقات