كيف مهّد الموساد للاعتراف بأرض الصومال؟
- أحمد الطناني الإثنين, 29 ديسمبر, 2025 - 03:02 مساءً
كيف مهّد الموساد للاعتراف بأرض الصومال؟

[ رئيس أرض الصومال غير المعترف بها دوليا ]

لم يكن إعلان رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عن الاعتراف المتبادل مع أرض الصومال حدثًا دبلوماسيًا تقليديًا، بقدر ما عكس مسارًا استخباريًا طويل الأمد سبق السياسة وأدارها من الخلف.

 

الإشارة العلنية إلى دور جهاز الموساد في إتمام الاتفاق، تكشف أن ما جرى يتجاوز حدود التطبيع الرسمي، ليطال إعادة رسم مواقع النفوذ الإسرائيلي في القرن الأفريقي، بأدوات أمنية واستراتيجية بالدرجة الأولى.

 

الموساد من الظل إلى العلن

 

تخصيص رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو شكرًا علنيًا لجهاز الموساد ورئيسه ديفيد برنياع، في بيان إعلان الاعتراف المتبادل مع أرض الصومال، لم يكن تفصيلًا بروتوكوليًا عابرًا، بل إشارة مباشرة إلى طبيعة المسار الذي قاد إلى هذا التطور، فخلافًا لما هو معتاد في الاتفاقات الدبلوماسية التقليدية، بدا أن الجهاز الاستخباري هو من تولّى إدارة الملف وتهيئة شروطه، قبل أن تنتقل مخرجاته إلى المستوى السياسي الرسمي.

 

ووفق ما نقلته وسائل إعلام عبرية عن مسؤولين إسرائيليين، فإن نشاط الموساد في أرض الصومال يمتد لسنوات طويلة، عمل خلالها على بناء شبكة علاقات سرية مع شخصيات نافذة في الإقليم، ممهّدًا تدريجيًا لانتقال هذه العلاقة من الطابع الأمني غير المعلن إلى مستوى الاعتراف السياسي العلني.

 

وفي السياق ذاته، حافظ عدد من رؤساء الموساد المتعاقبين على علاقات شخصية مباشرة مع مسؤولين في أرض الصومال، في إطار سياسة تراكمية هدفت إلى بناء الثقة وضمان المصالح المتبادلة بعيدًا عن الأضواء.

 

ويأمل صناع القرار في إسرائيل أن يشكّل هذا الاتفاق بوابة لتوسيع دائرة القبول الإقليمي بها، وتشجيع أطراف أخرى على الانخراط في علاقات استراتيجية مشابهة، ضمن تحالفات تُدار أمنيًا بقدر ما تُسوّق سياسيًا.

 

وبحسب متابعين، فإن الاعتراف الإسرائيلي لم يكن مفاجئًا أو طارئًا، إذ كثّفت إسرائيل خلال السنوات الأخيرة من عملياتها وأنشطتها السرية في أرض الصومال، في سياق تصاعد الدور الاستخباري للموساد في منطقة القرن الأفريقي عمومًا.

 

ويأتي هذا الحضور ضمن مسعى لإقامة قاعدة تجسس متقدمة في الإقليم، تُشكّل رافدًا داعمًا للقاعدة الإسرائيلية القائمة في إريتريا، بما يعزز قدرة إسرائيل على الرصد والمراقبة والتحرك الاستخباري في واحدة من أكثر المناطق حساسية في التوازنات الدولية.

 

ولم يقتصر هذا المسار على البعد الأمني المباشر، بل توازى مع جهد سياسي–استراتيجي لاستقطاب الدعم الأمريكي، إذ لعب وزير الشؤون الاستراتيجية المستقيل رون ديرمر دورًا في تسويق “أرض الصومال” داخل الدوائر الأمريكية، باعتبارها موقعًا جغرافيًا متقدمًا يتيح مراقبة الأنشطة الصينية المتنامية في إفريقيا.

 

الاستثمار في الأزمات

 

يرتكز النشاط طويل الأمد لجهاز الموساد في القارة الإفريقية على قاعدة مركزية، قوامها الاستثمار في الأزمات المركبة التي تعانيها العديد من الدول الإفريقية، وتحويلها إلى فرص لتعزيز الحضور الإسرائيلي بأشكال متعددة.

 

ويشمل ذلك استغلال حاجة جنرالات، وزعماء محليين، وحركات انفصالية، إلى دعم لوجستي وبنى تحتية تكنولوجية، وفتح قنوات تواصل غير مباشرة مع الولايات المتحدة، بوصف إسرائيل بوابة عبور مضمونة نحو واشنطن.

 

في هذا الإطار، وسّع الموساد من مروحة الأدوات والواجهات التي يستخدمها لبناء موطئ قدم داخل دول القارة، مستندًا إلى مقاربة “النفوذ الهادئ” بدل الاختراق الصدامي، وتشير دراسة صادرة عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات (2022) إلى أن إسرائيل تمتلك علاقات رسمية أو غير رسمية مع أكثر من 44 دولة إفريقية، وتعتمد في ذلك على أدوات تنموية وشركات خاصة تعمل كأذرع موازية لبناء نفوذ استخباراتي طويل الأمد.

 

ويشير معدّ الورقة، الخبير في الدراسات المستقبلية وليد عبد الحي، إلى دراسة أكاديمية إسرائيلية اقترحت صراحةً “تدريب المهاجرين الأفارقة داخل إسرائيل، ثم إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، للعمل على تشكيل شبكات تجسس محلية داخل الدول الإفريقية”، في نموذج يعكس التفكير الاستخباري الإسرائيلي القائم على تحويل الموارد البشرية الهامشية إلى أدوات نفوذ.

 

ولتفعيل هذه الاستراتيجية عمليًا، لجأت إسرائيل إلى أدوات ناعمة وواجهات مدنية شكّلت غطاءً مثاليًا لتوسيع نفوذها الأمني والاستخباراتي. فمن خلال برامج التعاون الفني، والمساعدات الزراعية، والدورات الأمنية، أرسلت إسرائيل آلاف الخبراء والمستشارين، ليس فقط لتأهيل كوادر إفريقية، بل لبناء علاقات طويلة الأمد مع الأجهزة الأمنية ومراكز القرار، خاصة في دول مثل إثيوبيا وأوغندا والكونغو وجنوب السودان وجنوب إفريقيا.

 

هذا الحضور، وإن بدا تنمويًا في شكله، إلا أنه مثّل غطاءً متقنًا لعمليات تجنيد وتنسيق أمني مباشر، وهو ما تؤكده وثائق استخباراتية مسرّبة عُرفت باسم “Spy Cables” كشفت عن شبكات نشطة للموساد تعمل داخل القارة الإفريقية، بتسهيلات دبلوماسية ولوجستية، وتحت مظلات رسمية.

إلى جانب ذلك، تواصل المعاهد التدريبية الإسرائيلية، وعلى رأسها معهد الجليل للإدارة الدولية، استقطاب مئات القادة والطلاب من الدول الإفريقية ضمن برامج لا تقتصر على الإدارة، بل تمتد إلى التدريب العسكري وبناء شبكات دفاع محلية، وتذهب بعض التقديرات إلى أن معظم الحكومات الإفريقية تضم في بنيتها مسؤولًا واحدًا على الأقل تلقى تدريبًا في هذا المعهد.

 

وقد تعزز هذا التغلغل بزيارات رسمية رفيعة المستوى، أبرزها زيارة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى إفريقيا عام 2016، حيث التقى بعدد من القادة الذين تلقوا تدريبهم في إسرائيل، في مؤشر على تداخل المسارين السياسي والاستخباري.

 

بل إن رئيس الموساد ديفيد برنياع زار تشاد عام 2023، لمناقشة إقامة قاعدة أمنية متقدمة تتيح لإسرائيل مراقبة الأوضاع في ليبيا والجزائر، وتقديم الدعم لحلفائها، ولا سيما المغرب.

 

وفي السياق ذاته، ذكر تقرير لصحيفة تايمز أوف إسرائيل أن القوات الخاصة الإسرائيلية تدرب قوات محلية في أكثر من 12 دولة إفريقية، ضمن استراتيجية واسعة لتعزيز النفوذ الإسرائيلي في القارة.

 

إلى جانب البعد العسكري والأمني، أولت إسرائيل أهمية خاصة لتلبية حاجات أنظمة تسعى إلى تثبيت حكمها عبر تعزيز أدوات القمع والملاحقة، ما أتاح تحويل هذه الساحات إلى مختبرات اختبار للأدوات الأمنية والتكنولوجية، حيث لعبت شركات السايبر والتجسس الإسرائيلية دورًا محوريًا في إعادة تشكيل سياسات المراقبة الداخلية داخل عدد من الدول الإفريقية، بما يخدم أجندات أمنية تتجاوز الحدود الوطنية.

 

ومن أبرز هذه الشركات مجموعة NSO، المطوّرة لبرنامج التجسس الشهير بيغاسوس، الذي استُخدم في عدة دول إفريقية لاستهداف معارضين سياسيين وصحفيين ونشطاء حقوقيين، ووفق تقرير صادر عن معهد بروكينغز، ساهم استخدام هذه الأدوات في تعزيز القمع السياسي الداخلي وترسيخ أنماط الحكم السلطوي.

 

وقد أكدت تحقيقات دولية أجرتها منصات مثل Forbidden Stories ومنظمة العفو الدولية أن دولًا مثل رواندا وتوغو وجنوب إفريقيا وأوغندا كانت إما من مستخدمي هذه الأدوات أو من أهدافها، ما يعكس تعقيدات حرب التجسس الرقمي في القارة الإفريقية.

 

وتنقل الدراسة شهادة زويلفيليل مانديلا، أحد أحفاد الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا، الذي تحدث عن أساليب التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا، عبر تزويد الأنظمة الدكتاتورية بأدوات تجسس متقدمة، ودعم حركات تمرد انفصالية بالسلاح تحت غطاء مشاريع زراعية، والمساهمة في تغذية الحروب الأهلية بهدف اختراق المجتمعات من الداخل.

 

ولعل النموذج الأوضح على ذلك يتمثل في الدور الإسرائيلي في تقسيم السودان ودعم انفصال جنوب السودان، وهو ما وثّقه كتاب “مهمة الموساد في جنوب السودان”، عن سفير جنوب السودان لدى إسرائيل، الذي أقرّ عند تقديم أوراق اعتماده للرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين في كانون الأول/ديسمبر 2014، بأن “جنوب السودان أُقيم بفضلكم… ولقد وُلد الجنوب بفضل دولة إسرائيل والجنرال جون”.

 

التهجير كرافعة للنشاط الاستخباري

 

مع تصاعد حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني، وتكشف النوايا السياسية والأمنية الهادفة إلى تفريغ قطاع غزة من سكانه، برز تحدٍّ مركزي أمام الحكومة الإسرائيلية، يتمثل في إيجاد وجهات بديلة لترحيل سكان القطاع، في ظل موقف إقليمي، مسنود برفض دولي واسع، يعارض مخططات التهجير القسري.

 

هذا التحدي دفع مكتب بنيامين نتنياهو إلى تكليف الموساد بمهمة البحث عن دول توافق على استقبال أعداد كبيرة من الفلسطينيين المهجّرين من قطاع غزة، وفق ما كشفه موقع أكسيوس في مارس/آذار 2025.

 

ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين ومسؤول أمريكي سابق أن هذا التكليف جاء عقب الرفض الواسع لمقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مستهل ولايته، والذي دعا إلى تهجير أكثر من مليوني فلسطيني من غزة، بزعم إعادة إعمار القطاع وتحويله إلى ما أسماه “ريفيرا الشرق الأوسط”.

 

ووفق المصادر ذاتها، أجرت الجهات الإسرائيلية بالفعل محادثات مع كل من الصومال وجنوب السودان، إلى جانب دول أخرى مثل إندونيسيا. غير أن اهتمامًا خاصًا أُفرد لإقليم أرض الصومال، في ضوء مقاربة قائمة على “المقايضة السياسية”، تقوم على دعم الاعتراف الدولي بالإقليم الانفصالي مقابل التعاون في استيعاب فلسطينيين مهجّرين من قطاع غزة.

 

وفي هذا السياق، نقلت هيئة البث الإسرائيلية في مارس/آذار تصريحات منسوبة لوزير خارجية أرض الصومال عبد الرحمن ضاهر، تحدث فيها عن احتمال قبول توطين فلسطينيين من غزة، قبل أن يعود وينفي وجود محادثات رسمية بهذا الشأن في تصريحات لاحقة لوكالة رويترز.

 

وفي الإطار نفسه، أفادت كل من صحيفة جيروزاليم بوست ووكالة أسوشيتد برس، في مارس/آذار أيضًا، بوجود تواصل أمريكي–إسرائيلي مع ثلاث جهات في شرق إفريقيا، هي السودان والصومال وأرض الصومال، لبحث إمكانية استقبال فلسطينيين.

 

بالتوازي، صادق مجلس الوزراء الإسرائيلي على تشكيل مديرية خاصة داخل وزارة الحرب للإشراف على ما أُطلق عليه “الخروج الطوعي” للفلسطينيين من غزة، في خطوة ترافقت مع سياسة عسكرية اعتمدت تدمير مقومات الحياة، وتشديد الحصار، وتعظيم القتل اليومي، في محاولة لدفع السكان إلى الهجرة القسرية تحت ضغط الواقع.

 

وفي يوليو/تموز، كشف موقع أكسيوس مجددًا أن رئيس الموساد ديفيد برنياع أبلغ واشنطن بانفتاح دول مثل إثيوبيا وليبيا وإندونيسيا على استقبال فلسطينيين من غزة، مقترحًا تقديم حوافز اقتصادية وسياسية لتلك الدول، قبل أن تنفي لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الليبي صحة هذه المزاعم، محذّرة من الزج باسم البلاد في مخططات تهجير قسري.

 

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، عبّرت حكومة جنوب أفريقيا عن قلق بالغ إزاء وصول 153 فلسطينيًا قادمين من قطاع غزة على متن رحلة وُصفت بأنها “غامضة”، محذّرة من أن ما يجري قد يشير إلى “أجندة واضحة لتطهير غزة والضفة الغربية من الفلسطينيين”.

 

وقال وزير خارجية جنوب أفريقيا رونالد لامولا إن بلاده “تشعر بالارتياب” حيال ظروف وصول الرحلة إلى مطار جوهانسبرغ، مشيرًا إلى أن الركاب لم يحملوا أختام مغادرة إسرائيلية على جوازاتهم، ما زاد من الغموض حول الجهة التي تقف خلف العملية.

 

وتٌشير كل الأصابع إلى دور محوري للموساد في هذه العملية، إذ كشفت صحيفة هآرتس لاحقًا أن الجهة التي نظمت الرحلات هي جمعية يديرها شخص يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والإستونية، تبيّن أنها واجهة لشركة استشارات مسجلة في إستونيا، فيما نقلت أسوشيتد برس عن مسؤول عسكري إسرائيلي أن تل أبيب ساعدت في تسهيل نقل الفلسطينيين من غزة إلى معبر كرم أبو سالم، ثم إلى مطار رامون، قبل نقلهم جوًا إلى نيروبي ومنها إلى جوهانسبرغ.

 

مطامع استراتيجية أوسع

 

لم تتوقف محاولات وجهود التهجير بعد اتفاق وقف إطلاق النار، إذ إن المسعى الإسرائيلي الأوسع يهدف إلى تحويل نتائج حرب الإبادة على قطاع غزة إلى واقعٍ استراتيجي مستدام، يدفع سكانه للبحث عن مكانٍ آخر للحياة.

 

غير أن المطامع الإسرائيلية في خطوة التطبيع مع أرض الصومال تتجاوز هذا العنوان، إذ تكتسب أرض الصومال أهمية جيوسياسية متقدمة في الحسابات الأمنية الإسرائيلية، لا سيما بعد ما كشفت عنه الحروب الأخيرة في المنطقة من حاجة إسرائيل إلى قواعد متقدمة، مشرفة على خطوط التجارة الإقليمية، وقادرة على التدخل المباشر وغير المباشر في بؤر التوتر.

 

في هذا الإطار، تناولت صحيفة لوموند الفرنسية الاعتراف الإسرائيلي من زاوية جيوسياسية وأمنية، واعتبرته “اختراقًا دبلوماسيًا” لحكومة هرجيسا، لكنه في جوهره يعكس إعادة تموضع إسرائيلي أوسع في منطقة القرن الإفريقي، تتجاوز العلاقات الثنائية إلى إعادة رسم خرائط النفوذ.

 

ووفق الصحيفة الفرنسية، يندرج هذا الاعتراف ضمن استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى توسيع شبكة تحالفاتها قرب مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية في العالم، في ظل تصاعد التوتر في البحر الأحمر، ولا سيما الهجمات التي تنفذها جماعة أنصار الله خلال حرب إسناد غزة.

 

وتتقاطع هذه القراءة مع ما أوردته صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، التي أشارت إلى أن لإسرائيل، كما الولايات المتحدة، مصالح استراتيجية عميقة في أرض الصومال، بفعل واجهتها البحرية الطويلة وموقعها الحيوي في القرن الإفريقي.

 

ولفتت الصحيفة إلى أن قرب الإقليم من مناطق سيطرة جماعة أنصار الله في اليمن يشكّل عامل جذب مركزي، معتبرة أن تعزيز العلاقات مع أرض الصومال يمثل “قوة استراتيجية مضاعفة” في مواجهة التهديدات التي تطال خطوط التجارة الإقليمية.

 

وتقع أرض الصومال على الشاطئ الجنوبي لخليج عدن، عند مدخل مضيق باب المندب المؤدي إلى البحر الأحمر وقناة السويس، وتملك ساحلًا يمتد لنحو 740 كيلومترًا، ما يجعلها نقطة إشراف مباشرة على أحد أكثر طرق التجارة العالمية ازدحامًا. كما يحدّ الإقليم من الجنوب والغرب إثيوبيا، ومن الشمال الغربي جيبوتي، ومن الشرق إقليم بونتلاند، ما يمنحه تماسًا مباشرًا مع معظم عقد القرن الإفريقي.

 

وبحسب دراسة نشرها معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، فإن سواحل أرض الصومال تبعد ما بين 300 و500 كيلومتر عن المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، بما في ذلك ميناء الحديدة.

 

واعتبرت الدراسة أن هذا القرب الجغرافي، في ظل عجز الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج عن تحقيق نصر حاسم على الحوثيين خلال السنوات الأخيرة، يجعل من أرض الصومال منصة قادرة على “تغيير قواعد اللعبة” عسكريًا واستخباراتيًا.

 

ورأت الدراسة أن الإقليم يمكن أن يتحول إلى قاعدة متقدمة لتنفيذ طيف واسع من المهام، تشمل جمع المعلومات الاستخباراتية، ومراقبة التحركات العسكرية للحوثيين، وتقديم الدعم اللوجستي للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وصولًا إلى تنفيذ عمليات هجومية واعتراض الهجمات البحرية أو بالطائرات المسيّرة.

 

شبّهت الدراسة هذا الدور المحتمل بعلاقة إسرائيل الوثيقة مع أذربيجان، التي منحت تل أبيب عمقًا استراتيجيًا متقدمًا في مواجهة إيران، معتبرة أن أرض الصومال قد تلعب دورًا مشابهًا في مواجهة الحوثيين.

 

وفي السياق ذاته، ذكر تقرير نشره موقع “تايمز أوف إسرائيل” أن إسرائيل وأرض الصومال تتقاسمان إدراكًا مشتركًا للتهديدات في خليج عدن والبحر الأحمر، ما يفتح المجال أمام تطوير شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد تشمل الأمن والدفاع والشؤون العسكرية ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى ضمان حرية الملاحة في باب المندب.

 

كما أوضح التقرير أن إسرائيل يمكنها الاستفادة من الموقع الجغرافي للإقليم في مواجهة التهديدات البحرية، فيما يمكن لأرض الصومال الاستفادة من القدرات العسكرية والتكنولوجية الإسرائيلية لتطوير قطاعها الدفاعي والأمني. واعتبر الموقع أن “الجائزة الأكبر” بالنسبة لأرض الصومال تتمثل في الحصول على اعتراف أمريكي باستقلالها، لما لذلك من أثر محتمل في دفع دول أخرى، حليفة لواشنطن، إلى السير في الاتجاه ذاته.

 

وعلى نطاق أوسع، يُنظر إلى أرض الصومال بوصفها ثقلًا موازنًا لتعاظم الوجود الصيني في جيبوتي. وقد أشارت “لوموند” إلى أن الدعوات للاعتراف بأرض الصومال تصاعدت داخل أوساط الجمهوريين المحافظين في الولايات المتحدة، ولا سيما المرتبطين بـ”مشروع 2025“، وذلك بعد أن عرضت حكومة الإقليم إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في ميناء بربرة مقابل الاعتراف باستقلالها.

 

في السياق ذاته، بعث السيناتور الجمهوري تيد كروز برسالة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دعاه فيها إلى الاعتراف بأرض الصومال، معتبرًا إياها “حليفًا لإسرائيل” وداعمًا لاتفاقيات أبراهام.

 

وفي المحصلة، يشكّل هذا المسار رافعة جديدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإحياء قطار التطبيع الذي تعثّر منذ معركة طوفان الأقصى، وإعادة إنتاج سياسة “شدّ الأطراف” داخل القارة الإفريقية. وهو نهج ينطوي على مخاطر كبرى، إذ يفتح الباب أمام معادلة خطرة قوامها التطبيع مقابل الاعتراف، بما قد يشجع نزعات انفصالية جديدة، ويهدد الاستقرار الهش في منطقة القرن الإفريقي، ويدفعها نحو اختلالات بنيوية طويلة الأمد.

 

المصدر: نون بوست


التعليقات