[ أكثر من عامين واليمنيون يعيشون تحت وطأة حرب أكلت الأخضر واليابس ]
اليمن المظلوم بنخبه السياسية، بأخطاء التاريخ ولعنة الجغرافيا، بالموقع الذي جعله حديقة خلفية لبلدان متخمة، لم تتوقف يوما عن النظر إليه باعتباره لعنة حينا وغنيمة أحيانا أخرى.
بلد أنهكته الحرب ودمرته المليشيا، والتهم اللصوص والمقامرون روحه، وابتلعته المجاعة والفوضى دونما مقدمات.
أكثر من عامين واليمنيون يعيشون تحت وطأة حرب أكلت الأخضر واليابس، وشردت الملايين من مساكنهم، يقبعون تحت رحمة أسوأ مجاعة عرفها التاريخ بحسب تصريحات المسؤولين الأمميين ومنظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة.
ملايين الأفواه الجائعة باتت عاجزة عن إيجاد ما يسد رمقها، في وقت تحول قادة مليشيا الحوثي وحليفهم صالح لأمراء حرب وأباطرة للسوق السوداء.
علاقة طردية مفزعة بين أعداد الجائعين، وبين أعداد قادة المليشيا الذين صاروا من كبار الاقطاعيين في البلاد.
أكثر من مليوني طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، وأكثر من ثمانية عشر مليون يمني عاجزون عن تأمين غذائهم، بينما يدخل ملايين الموظفين والعمال شهرهم الثامن دون أن يستلموا مرتباتهم، وهو أمر فوق طاقة احتمال أي شعب آخر.
لا مرتبات ولا مياه ولا تعليم ولا غذاء أو صحة، بالإضافة لعدد لا متناهي من اللاءات، فهذه هي اليمن تحت سلطة المليشيا التي جردت اليمنيين من كل معاني الحياة وسلبتهم حتى هامش العيش الذي كانوا يعيشونه.
الحرب التي لم تتوقف يوما واحدا منذ بداية اندلاعها حين قررت مليشيات الحوثي وحليفهم اجتياح المدن اليمنية، وفرض حالة حصار على عدد من المدن، ودخول قوات التحالف العربي بقيادة الجارة والشقيقة الكبرى السعودية على خط الأزمة اليمنية.
ليست الحرب وحدها التي لم تتوقف؛ فهناك طوابير القتلى العائدين كل يوم في توابيت، وأولئك الذين تداهمهم القذائف إلى منازلهم دونما سابق إنذار، يضاف إلى ذلك طوابير طويلة ممن فقدوا أطرافهم جراء الألغام التي زرعتها المليشيا في الطرق والأحياء السكنية.
تذبل الحياة في اليمن وهو البلد الضارب في القدم، موطن الإنسان الأول والحضارة الأكثر قدما في المنطقة، شعب أكثر من ثلثي سكانه في سن الشباب، لكنه اليوم صار محمولا على عكازين، بسبب جائحة المليشيا التي قررت إدخال اليمنيين في نفق ولاية الفقيه الإيراني.
اليمن المعلوم الذي صار مجهولا، سلة الغذاء وموطن رحلة الصيف والشتاء، بلاد العربية السعيدة وأرض الجنتين التي ذكرها القرآن في أكثر من موضع وخرج منها أنبياء التوراة، يشعل في القلب أسئلة حمراء عن كيف سمح العالم بأن يموت وأن يسقط في أحضان الفوضى، وكيف تُرك يتسرب باتجاه الجوع والمعاناة ويفقد وجهه السبئي.
لا يحتاج اليمن مساعدات بقدر ما يحتاج لإرادة دولية حقيقية تعيد إليه الحياة وتضعه في الطريق السليم لاستعادة حياته، والاسهام في تخليصه من أسوأ مليشيا لا تعترف بغير العنف لغة، ولا تيمم وجهها إلا باتجاه قٌم وتعتبر الخميني ونهجه قبلتها الأثيرة.