الحوثيون.. النسخة المشوهة من «حزب الله» في اليمن (تقرير)
- الخليج الاماراتية الخميس, 22 أكتوبر, 2015 - 06:08 صباحاً
الحوثيون.. النسخة المشوهة من «حزب الله» في اليمن (تقرير)

[ عاصفة الحزم وئدت ولادة نموذج حزب الله في اليمن مبكرا ]

حرصت إيران خلال السنوات القليلة الماضية على استغلال الوضع في اليمن لتقديم نسخة جديدة من «حزب الله»، عبر حركة الحوثي، التي لم تكن قادرة على أن تلعب هذا الدور لافتقارها إلى الأرضية السياسية التي جاءت ب «حزب الله» إلى لبنان، فكان أن خلقت جنيناً مشوهاً خلط بين المذهب الديني المنفر لدى غالبية السكان اليمنيين وبين العقلية القبلية التي لم تمارس السياسة، إذ رأت حركة الحوثي أن بالسلاح وحده يمكنها تغيير المعادلة في اليمن.
وعلى الرغم من الدعم الكبير الذي قدمته طهران لحركة الحوثي، خاصة خلال الحروب الست التي دارت بين الجماعة وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في صعدة وبعدها عمران، إلا أن الدعم الحقيقي بدأ عند اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت المخلوع صالح في 2011 مستغلة حالة الارباك التي سادت البلاد وغياب الدولة، ما مكن طهران من استغلال ذلك لمد الحركة بالمال والسلاح والإعلام بإنشاء قنوات فضائية وصحف ومواقع الكترونية وشخصيات سياسية ارتضت لنفسها أن تتماهى مع التوجه الإيراني في المنطقة إما كرهاً في النظام الذي كان يمثله صالح وبعده الرئيس هادي أو رغبة في الحصول على المال.
وبعد نحو سبعة أشهر من الحرب الدائرة في البلاد، بدأت أصوات تتعالى في أوساط الحوثيين من أن طهران قد تتخلى عنهم في أي وقت، خاصة وأن الوعود التي كانت تكيلها لهم طهران قد تبخرت وبدأوا يشعرون أنهم وحيدون في المعركة، رغم أن طهران تحاول مدهم بالسلاح بوسائل مختلفة.
بداية النشأة
لم تكن طهران تستعجل في إنشاء نسخة «حزب الله» في اليمن، على الرغم من استقطابها للعشرات من علماء الدين الزيديين في اليمن للدراسة في قم، وكان ذلك في تسعينات القرن الماضي، عندما استضافت لسنوات عدة بدرالدين الحوثي، الأب الروحي لجماعة الحوثي ووالد مؤسس الجماعة حسين الحوثي، الذي قتل العام 2004 وعبدالملك الذي يقود الجماعة اليوم.
كانت مغادرة الحوثي الأب والابن معاً إلى قم على صلة بخلاف نشب بينهما وبين عدد من علماء الزيدية، وهو ما استغلته طهران، حيث استضافت الحوثيين لسنوات، قبل أن يعودا من جديد إلى صعدة ويبدآن بنشر الأفكار التي عادا محملين بها.
كانت طهران ترغب في استغلال نجاح الثورة الإسلامية في عام 1979 وإعلان إيران جمهورية إسلامية لمد نفوذها إلى دول المنطقة عن طريق تصدير ثورتها إليها، ولهذا الغرض مدَّت جسور التواصل بينها وبين الأقليات الشيعية في المنطقة، ووطَّدت علاقتها بهم ودعمتهم حتى يدينوا بولائهم لها قبل بلدانهم، وبذلك استطاعت بناء أذرع لها في تلك الدول قادرة على تهديد الأمن والاستقرار فيها لصالح إيران، واستخدامهم كأوراق ضغط في سياستها الإقليمية والدولية.
ومن هنا كان الدعم الكبير الذي حصل عليه الأب بدرالدين الحوثي خلال بقائه في قم، وما تبعه ذلك من استقطاب العشرات من أبناء المذهب الزيدي للذهاب إلى إيران تحت غطاء الدراسة.
خلال عشرين عاماً، هي عمر العلاقة بين طهران والحوثيين قدمت إيران للحوثيين أشكالًا مختلفة من الدعم الذي واكب حاجتهم ومتطلباتهم مع كل تقدُّم كانوا يحرزونه في طريقهم للسلطة.
كان حسين الحوثي، المؤسس الأول لجماعة الحوثيين متأثراً بالخميني وبالثورة التي قادها في إيران عام 1979، ولم تخلُ محاضراته وخطبه من ذكر الخميني، فكان يرى فيه القدوة.
وخلال تواجده في صعدة وبدعم من المخلوع نكاية بخصومه جماعة الإخوان المسلمين، أنشأ ما عرف ب«تنظيم الشباب المؤمن» في صعدة، وكان من بين مؤسسي التنظيم محمد عزان، الذي انشق لاحقاً عن الجماعة بعد أن أدرك أن إيران بدأت تغمس يدها في شؤون التنظيم، وبعد أن اتخذ الحوثي خطاً مغايراً للمنظمة التي كان هدفها تدريس المذهب الزيدي.
نقل الحوثي اعجابه بالثورة الخمينية إلى أرض الواقع في صعدة بعد أن حشد أتباعًا من حوله، من خلال تبني خطاب مماثل للخطاب الإيراني المعادي لأمريكا والغرب ورفع الشعار الإيراني الداعي ب«الموت لأمريكا.. الموت ل«إسرائيل»، وجعل القضية الفلسطينية الهمَّ الأول والقدس الهدف المنشود في خطبه، وأحيا المناسبات الشيعية الجعفرية، وبعد مقتله اتَّبع أخوه عبد الملك الحوثي الزعيم الحالي للجماعة نفس الأسلوب.
تمكنت إيران من بناء علاقات وثيقة مع الحوثيين، استندت في جوهرها على المصلحة دون إهمال للاعتبارات الأيديولوجية، فإيران كان يهمها بالدرجة الأولى هو استنساخ أنموذج آخر في اليمن على غرار «حزب الله» في لبنان، يكون يدها في شبه الجزيرة العربية، ويكون قادراً على تهديد الاستقرار فيها متى شاءت، إضافة إلى إيجاد بؤرة لنشر المذهب الشيعي الاثني عشري في اليمن.
أما الحوثيون فقد كان همهم يتمثل في الوصول إلى السلطة وحكم اليمن وإعادة مجد أجدادهم الأئمة، الذين تمكنت ثورة 26 سبتمبر من العام 1962 من التخلص منهم، والذي عرف حكمهم في اليمن ب «الحلكم الكهنوتي والرجعي»، والذي كان صالح يستند عليه في كافة حروبه ضد الحوثيين قبل أن يعود ويتحالف معهم في السنتين الأخيرتين عندما فقد حكمه.
أشكال الدعم
قدمت طهران أشكالاً مختلفة من الدعم لتثبيت نفوذ الحوثيين، فقد ركزت الجهود الإيرانية في علاقتها مع الحوثيين منذ منتصف التسعينات وحتى عام 2004، على النشاط الفكري والدعم المالي، وظهرت في هذه المرحلة ملامح نشر المذهب الاثني عشري الجعفري والذي تزامن مع توسيع نشاطات تنظيم الشباب المؤمن بزعامة حسين الحوثي؛ حيث بدأت مكتبات زيدية ببيع كتب ومنشورات اثني عشرية، وظهرت مرئيات وصوتيات وشعارات الاثني عشرية بين صفوف الحركة، وقاموا بإحياء الاحتفالات والمراسيم الاثني عشرية التي لم يعرفها اليمن في عهود الزيدية.
أكثر من ذلك قدمت إيران في هذه المرحلة الكثير من الأموال من أجل تمويل المراكز التدريبية والمخيمات الصيفية وتجهيزها لجذب الشباب لأنشطتها الثقافية المشبعة بالفكر الخميني، وحققت تلك المراكز النجاح المطلوب فزادت أعداد المقبلين عليها، فافتُتحت مراكز أخرى في مختلف محافظات البلاد، خاصة المناطق التي تدين بالمذهب الزيدي.
ولم تكتف طهران بتقديم الدعم المالي والإعلامي للحوثيين، فقد فتحت المجال للعشرات من الطلاب اليمنيين للدراسة في إيران، ومنحت أتباع الحوثي مقاعد دراسية سنوياً، وكان ذلك يتم تحت نظر الحكومة التي كانت تدرك الهدف من وراء هذه التحركات.
أما الشكل الآخر من الدعم فكان يتم عن طريق المؤسسات الخيرية والصحية الإيرانية، حيث كان يشكل المستشفى الإيراني الذي كان يديره الهلال الأحمر الإيراني واحداً من مظاهر الدعم الخفي الإيراني للحوثيين، وقد أغلقته سلطات صالح أثناء الحرب الرابعة بعد أن اكتشفت الأجهزة الأمنية أنه كان بمثابة همزة الوصل بين الأجهزة الإيرانية والحوثيين.
وخلال السنوات التي أعقبت الحضور الإيراني إلى اليمن إعلامياً وتوطيد جماعة الحوثي أقدامها في صعدة وعمران، اتخذ الدعم الإيراني شكلاً آخر تمثل بالدعم العسكري، وقد ظهر ذلك جلياً مع المواجهات المسلحة بينهم وبين الدولة خلال مدة (2004 2010) حيث عثر الجيش اليمني على أسلحة إيرانية الصنع، وكان إيصال السلاح الإيراني يتم عبر ميناء ميدي في البحر الأحمر.
ونوعت إيران أشكال دعمها للحوثيين ووصل دعمها للحوثيين درجة تجنيدها لشبكات تجسس إيرانية في اليمن للعمل لصالح الحوثيين.
وكانت هناك طريقة أخرى تمكنت طهران من خلالها تسليح الحوثيين، تمثلت في منح الجماعة أموالاً حتى تتمكن من شراء الأسلحة من السوق السوداء بأسعار باهظة.
وصرَّح وزير الداخلية السابق اللواء عبد القادر قحطان في مؤتمر صحفي عُقد في صنعاء في فبراير 2013 أن شحنة الأسلحة التي ضُبطت على متن السفينة»جيهان1 «تقدر بحوالي 40 طناً من الأسلحة والقذائف والمتفجرات كانت قادمة من إيران.
أما الدعم الإعلامي الذي كانت تقدمه إيران للحوثيين فقد تمثل في تقديمهم إعلامياً عبر الوسائل التي يمتلكونها والمحسوبة عليهم، مثل قناة«العالم»،«المنار»التابعة لحزب الله في لبنان و«الميادين»الممولة من طهران، بالإضافة إلى إنشائها عددا من القنوات الفضائية في اليمن، منها المسيرة، الناطقة باسم الحوثيين وتبث من الضاحية الجنوبية، بالإضافة إلى قناة الساحات، كما مولت إصدار صحف أسبوعية مثل المسار والصمود والديمقراطي.
وخلال ما قبل سقوط صنعاء كان الحوثيون وحلفاؤهم يتظاهرون في الشوارع تحت علمي إيران وحزب الله ويروجون للانتصارات التي تحققها إيران وحزب الله، ولم يخجل بعض المحسوبين على جماعة الحوثي من رفع صور الخميني في مطار صنعاء الدولي بعد عودتهم من رحلة إلى طهران.
قبل وبعد سقوط صنعاء
قبل سقوط صنعاء في الحادي والعشرين من سبتمبر من العام الماضي، كان العديد من الخبراء الإيرانيين وآخرين من حزب الله يتواجدون في اليمن، خاصة في المناطق التي كانت تخضع لسلطة الحوثي، بالإضافة إلى صنعاء التي كانت قد بدأت تستوعب الحوثيين باعتبارهم أحد قوى ثورة الحادي عشر من فبراير2011.
ويقول وزير الداخلية السابق قحطان أن طهران تمكنت من إرسال عناصر من الحرس الثوري وحزب الله لتدريب الحوثيين، وبقاء عدد كبير منهم بعد سقوط صنعاء لمساعدة الحوثيين على تنفيذ أجندتهم السياسية والعسكرية في صنعاء.
كانت طهران تنتظر هذه اللحظة لتمكين الحوثيين من حكم اليمن، وكانت تهيئ الحركة لتكون نسخة ثانية من حزب الله اللبناني ويشكل شوكة كبيرة في الخاصرة الجنوبية للمملكة العربية السعودية ومن ثم المحيط الخليجي بشكل عام، حيث أنشأت للحوثيين شبكة اتصالات داخلية مستقلة شبيهة بشبكة الاتصالات التي يمتلكها حزب الله في لبنان.
وتعد مرحلة ما قبل إسقاط صنعاء الأساسية التي تم فيها التخطيط والبناء للوصول إلى الأهداف التي حققها الحوثيون فيما بعد، وامتدت هذه المرحلة من الفترة التي تلت ثورة فبراير إلى سقوط صنعاء 21 سبتمبر، وبعد سقوط صنعاء حاولت طهران تثبيت حكم الحوثيين بكل السبل، وبعد تشجيعهم على إعلان خطوات انقلابية على سلطة الرئيس عبدربه منصور هادي وفرض الإقامة الجبرية عليه ومن ثم إشهار ما عرف ب «الإعلان الدستوري» بديلاً للدستور المعترف به، برز الدعم الإيراني على شكل اتفاقيات ومذكرات تفاهم.
وترجمة لهذه الخطوات زار وفد من الحوثيين طهران على أساس أنه وفد حكومي ترأَّسه رئيس المجلس السياسي للحوثيين صالح الصماد لبحث تعزيز التعاون بين البلدين، وتم توقيع مذكرة تفاهم في مجال النقل الجوي بين الجماعة التي لا تمتلك أية صفة قانونية لتمثيل الجمهورية اليمنية والطيران المدني الإيراني لتسيير 14 رحلة أسبوعياً، كما أبرمت جماعة الحوثي أيضًا اتفاقًا مع إيران يقضي بتوسيع ميناء الحديدة، وإقامة محطة لتوليد الكهرباء، ومدِّ صنعاء بالنفط لمدة عام، وتوفير قطع غيار وإجراء صيانة لمحطة مأرب الغازية، وإرسال خبراء متخصصين وتدريب كوادر يمنية في مجالات عدة.
لم تكن طهران ولا الحوثيون كذلك يتوقعون تدخل التحالف العربي لإنهاء هيمنة إيران على القرار اليمني، وفي الحقيقة فإن هذا التدخل الذي جاء تلبية لطلب الشرعية أعاد خلط الأوراق في البلاد وبعثر أحلام طهران في تقديم نسخة جديدة من حزب الله اللبناني في اليمن، فتشكل نموذجاً مشوهاً يتآكل كل يوم.


التعليقات