هكذا يحيي اليمنيون رمضان في صنعاء القديمة
- العربي الجديد الثلاثاء, 12 يونيو, 2018 - 03:25 مساءً
هكذا يحيي اليمنيون رمضان في صنعاء القديمة

[ في الجامع الكبير في صنعاء القديمة - فرانس برس ]

خلال أيام قليلة، يودّع المسلمون شهر رمضان ويحتفلون بعيد الفطر. في اليمن، وتحديداً في مدينة صنعاء القديمة، ما زال الأهالي يتمسّكون ببعض الطقوس التي توارثوها أباً عن جدّ، على الرغم من تحديات كثيرة
 
تكثر العادات والتقاليد والطقوس الرمضانية في صنعاء القديمة، تماماً كما هي الحال في المناطق اليمنية الأخرى. ومع اقتراب شهر رمضان من نهايته، يلاحظ المراقب أنّ ثمّة عادات ما زالت حاضرة ويمارسها الأهالي في حين أنّ أخرى اندثرت لأسباب تتعلق بمتغيّرات كثيرة في المجتمع والبلاد، لا سيّما تلك المرتبطة بالحرب.
 
في القديم، عند الإعلان عن اليوم الأوّل من شهر رمضان، كانت شوارع صنعاء القديمة تمتلئ بالأطفال الذين يرددون الأهازيج والأناشيد الشعبية المرحّبة بالشهر الكريم، من قبيل "أهلاً أهلاً رمضان، شهر التوبة والغفران"، و"يا رمضان يابو الحماحم، إدّي لي قرعة دراهم".
 
لكنّ هذه العادة تلاشت بحسب ما يقول يحيى إبراهيم (75 عاماً) لـ"العربي الجديد" وهو أحد سكان المدينة القديمة. يضيف أنّ "أهالي صنعاء القديمة كانوا وما زالوا يتعاملون مع شهر رمضان بطريقة خاصة تختلف عن أيّ منطقة يمنية أخرى، لجهة الطقوس والممارسات التي ما زال بعضها حاضراً بينما اختفى بعضها الآخر".
 
على الرغم من اندثار كثير منها، فإنّ عادات كثيرة ما زالت راسخة في ذاكرة إبراهيم حتى اليوم. يضيف: "كنّا نتهيأ لشهر رمضان من خلال إعادة طلاء منازلنا من الخارج بالنورة (مادة الجص الأبيض) لتبدو لامعة جديدة. كذلك، كنّا نطبّق قول يا نفس ما تشتهي، فنلتقي مع الأصدقاء ونقصد حمامات البخار في صنعاء القديمة ونأكل ما توفّر من أكلات يمنية، ثمّ نجتمع لتخزين القات حتى موعد سحور اليوم الأول من رمضان".
 
 وفي المدينة القديمة، خلال الأيام الماضية، كانت الحركة تزداد بعد ظهر كلّ يوم رمضاني، بخلاف الأشهر العادية. فالناس يكونون في منازلهم في مثل ذلك الوقت خلال الأيام العادية.
 
ويقول الحاج علي عايض (62 عاماً) إنّ "بعد الظهر هو من أكثر الأوقات التي ينشط فيها الناس في الشوارع، لا سيّما في أزقة صنعاء القديمة وأحيائها وأسواقها". ويشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "الناس يخرجون إلى الأسواق أو يقصدون في المزارع الموزّعة في المدينة أو المقشامة لشراء الفجل والكراث وبقية أنوع الخضار من المزرعة مباشرة، أو للتنزه.
 
 وثمّة من يخرج لشراء حلويات صنعاء الشعبية مثل الشعوبية والرواني والقطايف وشراب الزبيب والشعير والقديد (عصير المشمش المجفف)".
 
 وفي السياق، سُجّل خلال هذا الشهر المقبل على نهايته، تزايد في حركة الأسواق القديمة، من قبيل سوق الملح الذي يُعَدّ أبرز معالم المدينة. فهو يحوي عدداً من الأسواق الفرعية الخاصة بالحبوب والبهارات والأقمشة والحديد والنجارة.
 
يُذكر أنّ السوق في رمضان يظهر بحلة جديدة، إذ يعجّ بالمتسوّقين الباحثين عمّا يحتاجونه من مستلزمات الشهر الفضيل على الرغم من الظروف المعيشية الصعبة التي فرضتها الحرب.
 
ويتابع عايض أنّ "الرجال يلتقون في تجمعات صغيرة بعد صلاة العصر ويتبادلون الأحاديث، الأمر الذي يساعد على مرور الوقت وبلوغ أذان المغرب. من جهتهم، يتوجّه الأطفال إلى منازلهم ليحملوا وجبات الإفطار إلى المسجد، وكلّ منزل يقدّم ما يراه مناسباً وممكناً، فيشارك به في موائد إفطار المساجد. وتلك الموائد يُدعى إليها الفقراء وعابرو السبيل".
 
ويلفت عايض وهو من سكان حيّ الطبري في صنعاء القديمة، إلى "غياب فرحة الصائمين في هذه الأيام، لا سيّما وأنّ صور قتلى الحرب تغطي جدران المنازل وأبواب المحال التجارية في صنعاء القديمة. كذلك، فإنّ غياب التيار الكهربائي وعدم صرف الرواتب وتعطّل الأعمال تجعل من رمضان هذه الأيام عبئاً ثقيلاً لا يقوى على تحمّله ربّ المنزل. لذا فإنّ مشاهد رمضانية كثيرة اختفت أخيراً".
 
يضيف: "أشعر بالحزن على هؤلاء الأطفال. هم لم يفرحوا برمضان مثلما فرحنا نحن في السابق".
 
من جهته، يتذكّر محمد عبد الواحد، وهو صاحب بسطة بيع اللبان الطبيعي، بعضاً من رمضان صنعاء القديمة. ويخبر "العربي الجديد" أنّ "أهالي صنعاء كانوا يتزاورون ويتبادلون أطباق الإفطار ويقدّمون بعضها إلى الفقراء. لكن هذا يكاد أن يختفي اليوم، بعدما صار الوضع المعيشي للغالبية العظمى متشابهاً. الناس بأغلبهم إمّا موظفون حكوميون وإمّا تجار مع حوانيت صغيرة يعانون من الكساد بسبب غياب الدخل والرواتب".
 
أمّا هاني المتوكل وهو من سكان المدينة القديمة، فيحاول بطريقته الخاصة المحافظة على ذكريات رمضان القديمة من خلال بعض الممارسات، منها سماع القرآن بصوت الشيخ محمد حسين القريطي الذي تعوّد الناس على سماعه في شهر رمضان قبل إطلاق مدفع رمضان من جبل نقم إيذاناً بموعد الإفطار.
 
يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "مساءات رمضان لا تخلو من حلقات تلاوة القرآن والتعليم الديني، خصوصاً في الجامع الكبير الذي يعدّ أحد المعالم التاريخية الدينية في صنعاء". ويتابع أنّ "مساجد صنعاء القديمة تعجّ بالمصلين خلال رمضان إذ تُنظم حلقات قراءة وعلوم وفقه. كذلك ينتشر القرّاء في الشوارع والأرصفة في حين يقبل الصائمون على شراء المسابح والحوامل المزخرفة الخاصة بمصاحف القرآن".

 وفي حين يخبر عدد من كبار السنّ عن "المسحّراتي"، يشكك سكان صنعاء القديمة بذلك ويقولون إنّ أطفالاً كانوا في بعض الأحياء يضربون على التنك (علب معدنية مجوفة) فينبّهون السكان حتى يستعدوا للسحور أو كما يسمونه "غداء رمضان". لكنّ كلّ ذلك اختفى بحسب المتوكل، فالناس يسهرون في الأغلب أمام التلفزيون حتى الفجر، في حين توقظ المنبّهات الناس أو تسبيحات المساجد التي تُبثّ عبر مكبرات الصوت خلال فترة السحور".


التعليقات