لا تذكر "14 أكتوبر" إلا وكانا في المقدمة.. مهندس سياسي من الجنوب وبطل محارب من الشمال
- متولي محمود الثلاثاء, 13 أكتوبر, 2020 - 09:23 مساءً
لا تذكر

في ذكرى ثورة 14 أكتوبر، وفي هذه الفترة الاستثنائية التي يعيشها اليمن، تمر مدينة عدن باضطرابات سياسية وفوضى عارمة تتعالى فيها مجددا صيحات الانفصال عقب ثلاثة عقود من الوحدة مع الشمال.

 

لقد خاض الشماليون معركة الشرف جنبا إلى جنب مع أبناء جلدتهم في الجنوب، وحققوا انتصارات متتالية بعزم ورجولة توجت برحيل المستعمر الإنجليزي ومنح استقلال كامل لجنوب اليمن بعد عقود من الاحتلال.

 

في ذكرى أكتوبر، يتذكر كثيرون كيف تحققت وحدة القلوب، وكيف أن جميع اليمنيين هبوا صفا واحداً ضد المحتل الأجنبي دون عمل أي اعتبار للانتماء الجغرافي الضيق، ونصب أعينهم اليمن وحسب.

 

فيما يلي نستعرض علمين من أعلام أكتوبر، خلد التاريخ ذكرهما في صفحات بيضاء، رغم ما حل بهما في نهاية المطاف. بطل سياسة ومهندس الاستقلال، وبطل ميدان قروي قدم من الشمال.

 

عبود الشرعبي

 

بطل من الشمال، لا تُذكر ثورة أكتوبر إلا وكان في المُقدمة. قائد حرب العصابات ضد الإنجليز، قام بعمليات نوعية كبّدت العدو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، مما أدّى إلى تعجيل رحيل الإنجليز من عدن وإعلان الاستقلال.

 

ولد مهيوب علي غالب (عبود) في قرية الجبّانة عزلة الدعيسة، مديرية (التعزية) رغم اشتهاره باسم (عبود الشرعبي).

 

عبود الشرعبي

 

تربى يتيم الأب منذ صغره. ذهب إلى عدن والتحق مبكرا بالجبهة القومية جنبا إلى جنب مع إخوانه في الجنوب.

 

سجن قبل ثورة أكتوبر في سجون الاحتلال 6 أشهر لينفى بعد ذلك إلى مدينته تعز، غير أن ذلك لم يثنه، فقد التحق بفرق تدريب الكتائب المُعدة لتحرير عدن، ليعود بعدها كقائد عسكري ميداني كبير.

 

أبرز عملياته ضد الإنجليز

 

عندما كان في تعز، أحبط عملية تفجير مقر القوات المصرية في تعز بسيارة مفخخة خُطط لها بدعم إنجليزي، بسبب دعمها لثورة الجنوب. اكتشف عبود المؤامرة قبل وقوعها، وقام بتفكيك المتفجرات.

 

في 11 فبراير من 1967 ملأ عبود سيارته بالألغام وذهب برفقة زملائه لتفخيخ ميدان الاتحاد الذي كان يجري الإعداد للاحتفال فيه من قبل شخصيات كبيرة من الإنجليز مع بعض السلاطين الموالين، إلا أن السلطات المستعمرة اكتشفت الأمر مؤخرا وقبيل الاحتفال، الأمر الذي جعل عبود ورفاقه يفتحون النار على الضباط الإنجليز الحاضرين وتكبدهم خسائر طائلة.

 

في اليوم الذي استشهد فيه عبود، قام بعملية نوعية، ﺣﻴﺚ ﻗﻔﺰ ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ ﻧﺎﻗﻠﺔ ﺟﻨﻮﺩ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺃﻟﻘﻰ ﺑﻘﻨﺒﻠﺔ ﻳﺪﻭﻳﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻔﺘﺤﺔ ﺍﻟﻌﻠﻮﻳﺔ ﻟﻠﻨﺎﻗﻠﺔ، ﻟﺘﻨﻔﺠﺮ ﻣﺤﺪﺛﺔ ﺇﺻﺎﺑﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺑﻴﻦ ﻗﺘﻠﻰ ﻭﺟﺮﺣﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﻴﻦ. ﻭﺃﺛﻨﺎﺀ ﺍﻧﺴﺤﺎﺑﻪ ﺟﺮﻳﺎً ﻓﻲ ﺳﻮﻕ ﺍﻟﺒﻠﺪﻳﺔ ﺑﺎﻟﺸﻴﺦ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺭﺻﺪه ﺟﻨﺪﻱ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﻛﺎﻥ ﻣﺘﻤﺮﻛﺰﺍً ﻣﻊ ﺛﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﻓﻮﻕ ﺳﻄﺢ ﻋﻤﺎﺭﺓ ﺍﻟﺒﻨﻚ ﺍﻟﻘﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﻣﺴﺠﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭ، ﻭﺃﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻟﻴﺴﻘﻂ ﺷﻬﻴﺪاً رحمه الله، ليكون رمزاً من رموز أكتوبر والتي توّجت بالنصر ونيل الاستقلال الكامل للجنوب.

 

مهندس الاستقلال وأول رئيس

 

الجميع يتذكر المفاوض الجنوبي الحصيف، الشاب الذي دوخ الإنجليز ولم يعد لشعبه إلا باستقلال كامل، الشاب المثقف الذي فرض مطلب الجنوب على الإنجليز بحنكة ودهاء منقطع النظير.

 

أكمل قحطان تعليمه بتخرجه مهندساً زراعياً في كلية الزراعة بجامعة "جوردون" بالخرطوم ليكون أول مهندس زراعي في الجزيرة العربية، كما أنه أيضاً الوحيد بين رؤساء اليمن جنوباً وشمالاً المتخرج جامعياً إلى ما قبل عقد من الزمان.

 

قحطان الشعبي

 

ولأن قحطان تفوق في مجال عمله الزراعي، منحه البريطانيون في عدن درجة وظيفية رفيعة رغم صغر سنه، لكن نشاطه السياسي المناهض للاستعمار دفع الإنجليز لمحاولة اعتقاله، قبل أن يفر إلى تعز ومنها إلى القاهرة.

 

وبعد نضال في القاهرة إعدادا للاستقلال، عاد إلى صنعاء رفقة عدد من الجنوبيين وإعلان الكفاح المسلح ضد الإنجليز وتوفير الدعم للمقاتلين الجنوبيين والشماليين، والانخراط في صفوفهم.

 

ذلك الكفاح المسلح الذي توج بالسيطرة على الأرض دفع الإنجليز للاعتراف بسلطة الثورة، لينطلق بعدها قحطان مفاوضا في جنيف من أجل نيل الاستقلال.

 

نهاية مأساوية

 

عقب العودة بالاستقلال، عين قحطان رئيسا لجنوب اليمن، قبل أن يبدأ التآمر الداخلي لوأد الفترة الذهبية القصيرة التي تميزت بها فترة حكمه.

 

حكم "قحطان الشعبي" لعامين واستقال طواعية نظرا للتآمر الداخلي على البلاد، كأحد أبرز رؤساء العالم الذين استقالوا طواعية، استقال من منصبه لتحل بدلا من الدولة المعتدلة نظام حكم تخلى عن قيم العروبة.

 

كان اشتراكيا معتدلا، لم ترق في عهده قطرة دم، رفض تنفيذ حكم الإعدام بحق عدد من السلاطين إبان الاحتلال، وتدخل كرئيس جمهورية لتخفيف الحكم إلى 10 سنوات سجن فقط.

 

قضى مهندس الاستقلال على نحو مأساوي في سجن قاتم لقاء نضاله، ظل محتجزا من قبل سلطات بلد كان رئيسها، وفي معتقل انفرادي من دون تهمة أو حتى محاكمة شكلية، وقيل إنه حقن بالسم في السجن، كون بقائه وإن مكبلا كان يمثل كابوسا لسلطة الفوضى الجديدة.


التعليقات