ذكرى 30 نوفمبر.. وملامح التطلعات الشعبية للاستقلال الثاني في اليمن (تحليل)
- عبد السلام قائد الاربعاء, 02 ديسمبر, 2020 - 03:56 مساءً
ذكرى 30 نوفمبر.. وملامح التطلعات الشعبية للاستقلال الثاني في اليمن (تحليل)

[ مليشيات الانتقالي المدعوم من الإمارات بعدن ]

احتفل اليمنيون بالذكرى الـ53 للاستقلال ورحيل آخر جندي بريطاني من جنوب اليمن في 30 نوفمبر 1967، بعد نحو أربع سنوات على اندلاع ثورة 14 أكتوبر 1963 المجيدة، التي نجحت في طرد الاحتلال البريطاني بعد احتلال دام 129 عاما، وترك بصمات وآثارا سلبية في جنوب الوطن ما زالت تداعياتها ماثلة إلى اليوم، لعل أبرزها تمزيق النسيج الاجتماعي وتعزيز الهويات القروية والمناطقية الصغيرة، عملا بسياسة "فرق تسد"، التي كانت أبرز سمات ذلك العهد.

 

ومنذ انقلاب الحوثيين وحليفهم السابق رئيس حزب المؤتمر، علي عبد الله صالح، على السلطة الشرعية، عام 2014، ثم اندلاع الحرب الأهلية والتدخل العسكري للتحالف السعودي الإماراتي تحت لافتة "عاصفة الحزم"، في مارس 2015، اكتسبت مختلف المناسبات الوطنية زخما شعبيا متزايدا، خاصة في السنوات الأخيرة، كرد فعل على تمزق اليمن بين أوصياء إقليميين، السعودية ودولة الإمارات وإيران، كون المناسبات الوطنية تعزز ثقافة الاستقلال والحرية وطي عهود الظلام، ورفض مشاريع الهيمنة الأجنبية ومشاريع تمزيق البلاد، وعودة العصبيات الصغيرة من سلالية ومناطقية وقروية ومذهبية، وغير ذلك من المؤامرات التي تحاك ضد البلاد ووحدتها ونسيجها الاجتماعي.

 

30 نوفمبر والاستقلال المنقوص

 

تأتي ذكرى استقلال اليمن من الاحتلال البريطاني هذا العام، والبلاد تشهد أحداثا صاخبة بسبب تراجع الاستقلال الوطني في الواقع العملي، ذلك أن البلاد، شمالها وجنوبها، أصبحت بشكل شبه شامل في وضع يمكن وصفه بأنه أكثر من وصاية خارجية وأقل من احتلال أجنبي، أي أنها في وضع استقلال منقوص، بسبب الهيمنة الإيرانية في شمال اليمن بواسطة مليشيات الحوثيين، والهيمنة السعودية الإماراتية في جنوب اليمن بواسطة مليشيات مناطقية انفصالية، إضافة إلى التواجد العسكري للدولتين في بعض المحافظات الجنوبية، والسعي للهيمنة عليها. ويمكننا القول أيضا إن الحكم الإمامي السلالي الاستبدادي قد عاد في شمال الوطن، والهيمنة الأجنبية قد عادت في جنوب الوطن، وتشكل وضع جديد يعد ردة وانقلابا صريحا على ثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963 والاستقلال الوطني عام 1967.

 

وفي وضع خطير كهذا تشهده البلاد، تشكل المناسبات الوطنية المختلفة حصانة تاريخية متجددة من شأنها ترميم التصدعات التي أفرزتها الأحداث المؤسفة التي تمر بها البلاد، كما أن المناسبات الوطنية وما تحمله من قيم عظيمة فإن الاحتفال بها والمبالغة في تمجيدها يمثل إدانة أخلاقية للأطراف المحلية التي أصبحت تمارس دور "المحلل" للهيمنة الأجنبية في البلاد، وفي نفس الوقت فهذه المناسبات تسهل إعادة فرز مختلف فئات المجتمع اليمني وتياراته السياسية من حيث الولاء للوطن أو التآمر عليه وخيانته، وما يترتب على ذلك من تحالفات وصراعات بينية من شأنها إعادة توجيه الأحداث إلى مسارها الصحيح والعمل على إنهاء الوضع الشاذ الذي صنعته الفئات الشاذة وطنيا والجيران الشاذين عن حقوق ومتطلبات الجوار.

 

وإذا كانت الإخفاقات وانتهازية بعض القوى السياسية المحلية قد تسببت بالدمار الحاصل اليوم في البلاد، إلا أن ما ترتب على ذلك من عودة البلاد إلى مرحلة ما قبل الاستقلال والتحرر من الاحتلال الأجنبي في جنوب اليمن والحكم الإمامي السلالي العنصري في شماله، من شأنه جعل الأجيال الجديدة (أجيال ما بعد الاستقلال الثاني من الهيمنة السعودية الإماراتية الإيرانية في اليمن)، إصلاح أخطاء الجيل الأول الذي أساء استخدام السلطة وأساء إدارة خلافاته السياسية وأساء تقدير اللحظة التاريخية الراهنة، أي أن الأحداث الراهنة ستعيد تشكيل الوعي الوطني المتجاوز لأخطاء الماضي، وبالتالي تحصين الجمهورية والوحدة وسيادة البلاد بإجراءات تمنع عودة الانتكاسة التي تشهدها البلاد اليوم، وإحالة قوى العمالة والارتزاق والتدخل السلبي لبعض دول الجوار إلى مزبلة التاريخ.

 

بين الأمس واليوم

 

تبدو ذكرى جلاء آخر جندي بريطاني من جنوب اليمن، في 30 نوفمبر 1967، كمناسبة وطنية حزينة، ليس لأن البلاد لم تعد تعيش نشوة الاستقلال والتحرر من الاحتلال الأجنبي فقط، ولكن لأن الدولتين اللتين تعبثان في جنوب اليمن اليوم، السعودية والإمارات، أحقر من أن توصفان بدولتي احتلال، علما بأنه في عهد الاحتلال البريطاني كان المجتمع في الجنوب منقسما بشكل أسوأ بكثير مما هو عليه اليوم، وفي الوقت الحالي، فاليمنيون أشد عزيمة وقوة بشكل أشد من أسلافهم في عهد الاحتلال البريطاني لولا الانقسامات البينية، في حين أنه لا مجال للمقارنة بين بريطانيا وكل من السعودية والإمارات كدول احتلال.

 

ولو أن اليمن في وضع طبيعي وتحكمه سلطة قوية، لما تجرأت الدولتان على المساس بشبر من أراضيه، وكل ما تفعلانه حاليا فهو لا يعدو كونه مجرد استغلال قذر للانقسامات التي حلت بين اليمنيين، وكان لهما دور فيها، وأدوارهما التخريبية في البلاد تعكس همجية وأحقادا لأسباب عديدة، وهي أدوار تدين الدولتين المذكورتين أخلاقيا وسياسيا، وتضعهما في خانة "الدول المارقة" التي تشكل خطرا على الأمن والسلام الإقليمي والعالمي، من خلال سعيهما الدؤوب لطمس معالم الدولة اليمنية وتفكيك النسيج الاجتماعي لأبناء البلاد، وتمزيق بلد وتفخيخه بمليشيات طائفية ومناطقية، وتحويل موقعه الإستراتيجي إلى بؤرة توتر مزمنة تهدد أمن أهم طرق التجارة العالمية.

 

لكن هل الوضع الشاذ الذي تسعى السعودية وحليفتها الإمارات لترسيخه في اليمن قابل للاستمرار إلى ما لا نهاية؟ في الحقيقة، فإن مناسبة 30 نوفمبر 1967 تضع مقارنة تعكس الفرق بين الأمس واليوم، وتشير ضمنيا إلى مدى استحالة ديمومة الوضع الراهن في البلاد، فاليمنيون انتصروا على بريطانيا (الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس)، وبالتالي فإن لحظة التحرر من الهيمنة السعودية والإماراتية عندما يحين موعدها لن تكون مكلفة، ولا تحتاج إلى ثورة، فإخراج الدولتين من البلاد ممكن من خلال قرار رئاسي، وفي حال رفضتا ذلك فإن وحدات عسكرية يمنية محدودة بإمكانها القدرة على طرد تواجدهما العسكري المحدود في البلاد، وهو تواجد إشرافي لا يقارن بالجيش البريطاني وأسلحته وإمكانياته الكبيرة التي احتل بها جنوب اليمن.


التعليقات