[ يتعمد "الانتقالي" التصعيد في أبين لإفشال اتفاق الرياض ]
لماذا تتجدد المواجهات العسكرية المتقطعة في محافظة أبين بين الجيش الحكومي ومليشيات ما يسمى المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا منذ نحو عام؟ وهل مواجهات أبين أفشلت "اتفاق الرياض" أم أن الاتفاق هو الذي أفشل المعركة الحاسمة في أبين؟ وما هو هدف السعودية من إرسال فريق لمراقبة وقف إطلاق النار بين الجانبين في المحافظة؟ ولماذا فشل الفريق في مهمته؟ وهل فشله متعمد أم فعلي؟ ولماذا لم تندلع معركة حاسمة بين الطرفين تكون نتيجتها إحكام الطرف المنتصر سيطرته على زمام الأمور في المحافظة؟
في الواقع، تعد الأوضاع الأمنية والسياسية بمحافظة أبين بمثابة "ترمومتر" يمكن على ضوئه معرفة مسار الأزمة في المحافظات الجنوبية والشرقية وتحديد بوصلتها واتجاهاتها، خاصة أن محافظة أبين، ومعها محافظة شبوة، تعدان أبرز محافظتين أربكتا مشروع التحالف السعودي الإماراتي لتمرير انفصال جنوب اليمن والتسريع بذلك، حيث فشلت محاولات مليشيات المجلس الانتقالي في السيطرة على المحافظتين والانفراد بالملف الأمني والعسكري في مختلف محافظات جنوب البلاد، وأعاقتا محاولة تقدم المليشيات الانفصالية شرقا نحو محافظتي حضرموت والمهرة، بينما كان تحركها نحو أرخبيل سقطرى بحرا.
لماذا أبين؟
كانت محافظة أبين، ومعها محافظة شبوة، الهدف التالي لمليشيات المجلس الانتقالي للسيطرة عليها بعد سيطرتها على العاصمة المؤقتة عدن، خلال أحداث أغسطس 2019، لكن التراجع غير المتوقع للمليشيات أمام القوات الحكومية إثر تلك الأحداث، وتدخل الطيران الحربي الإماراتي وقصفه الجيش الحكومي في أحد مداخل مدينة عدن، وطرد مليشيات "الانتقالي" من محافظة شبوة، كل تلك التطورات جعلت السعودية والإمارات تعيدان ترتيب أولوياتهما وامتصاص تبعات صدمة تراجع مليشيات "الانتقالي"، بعد حوالي خمس سنوات من التدريب والتسليح والدعم المادي لتلك المليشيات.
ولذا، فقد كان اتفاق الرياض بمثابة "فخ" تم نصبه للسلطة الشرعية، وهو ما اتضح بعد إجراء تعديلات عليه، والإيعاز لـ"الانتقالي" بعرقلة تنفيذه والتعنت في ذلك، كما أنه تم تنفيذ بنوده التي وضعت لصالح "الانتقالي" فقط، وتحول إلى مجرد وسيلة لاستهلاك الوقت، حتى يتمكن "الانتقالي" من تحقيق تقدم عسكري نوعي ينسف الاتفاق من أساسه، وجعل الجميع أمام أمر واقع غير قابل للتفاوض أو تقديم تنازلات بعد تحقيق مكاسب كبيرة.
ضغوط بلا نتيجة
وبما أن قوات الجيش في محافظة شبوة تمكنت من هزيمة وطرد مليشيات "الانتقالي" من المحافظة، وبدت المحافظة عصية على المليشيات التابعة لدولة الإمارات، فإن الوضع في محافظة أبين يبدو مغايرا، حيث ما زالت مليشيات "الانتقالي" تسيطر على بعض مدن ومناطق المحافظة، مما أغراها لتحويل المحافظة إلى مسرح للمواجهات العسكرية المتقطعة، من أجل هدفين رئيسيين: الأول، تأمين مدينة عدن، من خلال جعل المعركة مع القوات الحكومية في مناطق خارجها. والثاني، جعل معارك أبين بمثابة ورقة ضغط على الحكومة الشرعية لتقديم تنازلات فيما يتعليق بتنفيذ اتفاق الرياض، الذي تم أساسا لشرعنة وتبرير أعمال مليشيات "الانتقالي" وغسل جرائمها في حق المدنيين العزل، وتمكينها من السيطرة على الأرض بأساليب مختلفة.
من جانبها، ترى السلطة الشرعية أن صمودها في معارك أبين المتقطعة سيمكنها من ممارسة ضغوط على المجلس الانتقالي ودفعه لتقديم تنازلات لتنفيذ اتفاق الرياض، خاصة ما يتعلق بالشق الأمني والعسكري من الاتفاق، كما ترى أن تعزيز وجودها العسكري في المحافظة يحمل رسالة للمجلس الانتقالي مفادها أن عدن تحت الخطر، وأن استعادة السيطرة عليها مجرد مسألة وقت إذا لم يتم تنفيذ اتفاق الرياض، علما بأن الجيش الحكومي في أبين يؤكد مرارا وتكرارا تمسكه باتفاق وقف إطلاق النار، وأنه لا يرد إلا على مصادر هجمات مليشيات "الانتقالي" التي تستهدف مواقعه.
نوايا مبيتة
عندما تم التوقيع على اتفاق الرياض في 5 نوفمبر 2019، كانت النوايا المبيتة لإفشال الاتفاق قائمة قبل التوقيع عليه، وكان الهدف التالي بعد التوقيع على الاتفاق إما أن تقدم السلطة الشرعية تنازلات تلو التنازلات أمام تعنت المجلس الانتقالي وضغط هجماته العسكرية في محافظة أبين بما يفضي إلى سيطرته التدريجية على جميع المحافظات الجنوبية، أو أن تتمكن مليشيات "الانتقالي" من القضم التدريجي للمحافظات الجنوبية بدءًا من محافظة أبين ونسف اتفاق الرياض.
أما تشكيل السعودية لجنة لمراقبة وقف إطلاق النار في محافظة أبين، فالهدف من ذلك التمويه على موقف الرياض الداعم للمجلس الانتقالي، وستكون مهمة اللجنة الإشراف على تسليم المحافظة لمليشيات "الانتقالي" في حال تسنى للمليشيات السيطرة عليها، كما حدث في محافظة أرخبيل سقطرى، حيث أشرفت القوات السعودية هناك على عملية سيطرة مليشيات "الانتقالي" على الأرخبيل.
فشل الخطوة التالية
أما استمرار المعارك المتقطعة في محافظة أبين خلال عام، فإنه يعكس فشل الخطوة التالية التي وضعها التحالف السعودي الإماراتي بعد توقيع اتفاق الرياض، والخطوة التالية، كما ذكرنا سابقا، إما إجبار السلطة الشرعية على تقديم تنازلات لصالح "الانتقالي" تحت ضغط الانتهاكات المتكررة لوقف إطلاق النار في محافظة أبين، أو تمكن مليشيات "الانتقالي" من تحقيق تقدم ميداني ينسف الاتفاق ويعيد الأوضاع إلى مربع الصفر، ثم ستنطلق المليشيات للسيطرة على أراض جديدة.
أما سبب فشل الخطوة التالية، فيعود إلى أنه لا السلطة الشرعية قدمت تنازلات نوعية تغري المجلس الانتقالي وتدفعه للتسريع بتنفيذ اتفاق الرياض، ولا المجلس الانتقالي نجح في التقدم عسكريا وإجبار السلطة الشرعية على تقديم التنازلات له. ولذا، ظلت الأوضاع تراوح مكانها منذ عام تقريبا، ويعد تعثر تنفيذ الاتفاق وتشكيل حكومة ذات محاصصة مناطقية نتيجة طبيعية لهذا الانسداد.