"فيصل علي" في حوار مع "الموقع بوست": خدعنا بالمبادرة الخليجية وبخطابات المشترك.. والسعودية والإمارات رعتا الانقلاب
- حاروه: صلاح الواسعي الاربعاء, 10 فبراير, 2021 - 09:53 مساءً

[ الدكتور فيصل علي ]

الدكتور فيصل علي رئيس مركز يمنيون للدراسات، صحفي وكاتب ومحلل سياسي يمني، أسس ورفاقه منظمة "شباب التغيير في ماليزيا 2011" وواحد من ثوار 11 فبراير، لديه حضوره الفاعل في المشهد اليمني.   

 

يرى فيصل علي في حواره مع "الموقع بوست" أن اليمن الطبيعي تم تمزيقه منذ اتفاقية سايكس بيكو في 1916 وما قبلها أيضا، وليس اليوم، أما واقع اليمن فهو سيئ للغاية، بعد الثورة وأثنائها.

 

وأكد أن دول الإقليم قامت بحركة مريبة عبر المبادرة الخليجية، حيث تم تحييد شباب الثورة، وذهبت الأحزاب بعيدة عن كوادرها الشبابية والثورية توقع المبادرة وخدع الكثيرون بها، فهو يقول:" كنا مخدوعين بخطاب الأحزاب والمشترك تحديداً".

 

نص الحوار:

 

* بداية دكتور" فيصل علي" ما الذي تحقق من أحلام "الربيع اليمني" بعد مرور 11 عاما على انطلاقه؟

 

** مرحبا بك يا صديقي ومرحبا بكل الأصدقاء وتحية عبر هذه النافذة لفبراير وكل شباب فبراير ولكل من ما زالوا يدركون ما صنعته الثورة اليمنية 11 فبراير، قبل البدء في الحديث الرد عن سؤالك أحب أن ادعو كل القراء هنا للصلاة لأجل شهداء الأمة اليمنية الذين خلدتهم الذاكرة اليمنية وهم يطالبون بحق شعبنا في الحرية وبحقه في بناء دولته على أسس المواطنة المتساوية وحقهم في الانتماء لأمتنا اليمنية وهو أساس الانتماء لأمتنا العربية، ويأتي في سياق أكبر وهو الانتماء الحضاري للأمة الإسلامية، ولا يخرج عن سياقات الانتماء للإنسانية وإحلال قيم السلام والعدل في العالم، وهم السابقون في التعبير عن أنفسهم في الانتماء للدولة اليمنية، للجمهورية اليمنية، ولذا خرجوا وخرجت الجماهير  للتأكيد على حقها في الانتماء للجمهورية وحقها في تنظيم علاقة الفرد بالمجتمع وبالدولة، عندما انحرف مسار السلطة ونزعت نحو الفردانية والعائلية والجهوية والقبلية والقروية خرج شعبنا الحر في ثورة سلمية يؤكد على تمسكه بحقه في كل مكتسبات الأمة اليمنية ذات الأبعاد الحضارية والثقافية والتاريخية، وتمكسه بدولته واستقلالها وسيادتها.

 

الثورة اليمنية 11 فبراير هي تجديد عهد لما سبقها من ثورات اليمن العظيم من 17 فبراير 1948، و26 سبتمبر 1962، و14 أكتوبر 1963 وما تلاها من استقلال ورحيل الاحتلال البغيض في 30 نوفمبر 1967، وما نتج عن كل المحطات الثورية السابقة وأهمها الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990. لقد حققت الثورة إعادة الاعتبار للإنسان اليمني وأعادت إلى الذاكرة اليمنية كل محطات النضال وتضحيات اليمنيين في سبيل الكرامة والحرية، أحيت هذه الثورة الهوية اليمنية وأعادت الاعتبار للجمهورية اليمنية وجعلت الناس يخرجون لحماية الدولة من السقوط والفشل الذي وصلت إليه السلطة السابقة، أنتجت الثورة حراكا ثقافيا وسياسيا ومجتمعيا لدى كل فئات الشعب، وهي بالأساس انطلقت لحماية الدولة من السقوط الوشيك، أبدعت الثورة في إعادة القيم إلى الواجهة مثل التسامح والتشارك التي كانت قد غابت بفعل فاعل.

 

ينتظر البعض من الثورة منجزات ومبانٍ وطرقا وجسور كما هو دأب الأنظمة المتخلفة في العالم الثالث على إبرازه في المناسبات الوطنية وغيرها، وتلك الأنظمة هدمت القيم والمعاني في الإنسان وظنت أنها ببضع بنايات قد حققت وأنجزت الكثير، ولكنها هدمت الإنسان وتلاشت قيمته وقيمه في عهدها، دعني أقول لك إن مهمة الثورة بناء المعاني وإعادة بناء رمزية وقيم ومثل الفرد والمجتمع  حريته وكرامته وإنسانيته، فإذا ما حقق الفرد ذاته وعرف علاقته بمجتمعه ودولته وأعاد تنظيم وتشكيل نفسه مع غيره في وحدات مجتمعية ومنظمات وكيانات وأحزاب وتيارات يرسمون نظمها ويتفننون في إدارتها فهم من سيعيدون بناء الدولة ومؤسساتها وفقا لحاجاتهم الإنسانية فالدول حاجة إنسانية في الأساس ولا نستطيع فصلها عن المجتمع ومكوناته، حاولت الأنظمة المتخلفة فصلها وفشلت وأنتجت كل هذا العبث والفشل الحاصل اليوم في بلدنا وغيرها من البلدان هو نتاج لفشل أنظمة ما قبل الربيع العربي.

 

مثلا الثورة اليمنية في 17 فبراير 1948 كانت في اليمن لكن تأثيرها وصل إلى محيطها العربي، أعقبتها ثورات في عموم المنطقة العربية وتحولت مليكات إلى جمهوريات، وهي بالطبع أنتجت ثورتي سبتمبر وأكتوبر في اليمن، والثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر حررت اليمن من الرجعية والاحتلال وحررت كل المنطقة الواقعة ضمن نطاق اليمن الطبيعي المنتمية لنفس الإثنية والثقافة واللغة والتقاليد والحضارة من عمان إلى الكويت مرروا بالبحرين وقطر والإمارات والسعودية، عندما حرر الرئيس السلال العبيد في اليمن المملكة العربية السعودية أصدرت قرارا مماثلا، مع أنها كانت ضد السلال والثورة، لكن تأثير الثورة وصل إلى الرياض، الثورة الشبابية الشعبية في اليمن أحدثت تطورات في نطاق اليمن الطبيعي تشبيب الحكم في قطر والسعودية هو نتاج لهذه الثورة.

 

من يريدون تقزيم الثورة والفعل الثوري إلى أزمة محدودة التأثير والنطاق، هم المأزومون، لأنهم لا يدركون مفهوم وفلسفة الثورة والفعل الثوري وارتداداته ومداه، تحاصرهم أفكارهم القاصرة ويخرجون عقدهم الاجتماعية والنفسية ويصبون غضبهم المحدود والانفعالي ضد الثورة. الثورة أنجزت كل هذا الوعي رغما عن الثورة المضادة والانقلاب والتكالب الإقليمي والدولي ضد شعبنا إلا أن هناك وعيا وطنيا اليوم يفوق كل الانفعالات وردات الفعل المحلية والإقليمية والدولية، من أنتج هذا الوعي؟ أنتجته الثورة اليمنية 11 فبرير وأحيته وأيقظته لدى كل فرد حر. من أنتج مقاومة انقلاب الهاشمية السياسية والثورة المضادة؟ المقاومة اليمنية هي نتاج الثورة اليمنية 11 فبراير وهي فعل جيل 11 فبرير، من يواجهون إيران والإمارات وتخبط الأمريكان هم نتاج الثورة اليمنية 11 فبراير سواء كانوا معها أو اعتقدوا أنهم ضدها فقد غيرت الجميع لها تأثيراتها العميقة في كل هذا الجيل، فقط وحدهم المأزومون ومن باعوا ضمائرهم لهذا الطرف أو ذاك هم من لا يدركون كل ذلك.  

 

* كنت أحد الفاعلين في الثورة اليمنية في المهجر، صف لنا تلك اللحظات التي عشتها في خضم الحراك الثوري هناك؟

 

** أنا واحد من الناس ولا أصف نفسي بغير هذا الوصف، عشت مع هذا الجيل الثوري بكل تفاصيله، أسهمت مع رفاقي في ماليزيا وصنعنا صوتا وزخما ثوريا وأنتجنا حراكا ثقافيا وسياسيا يمتد من كوالالمبور إلى صنعاء، لا شك أن ما صنعناه هنا كان له وقع في ساحات الثورة في مختلف محافظات الجمهورية، أن يأتي صوت متناغم مع أصوات الثورة، ويتشارك الفعل الثوري معها ومن خارج الحدود يحدث أثراً عظيماً، حرصنا أن يعلو صوت الثورة وأوصلنا رسالتنا الواضحة ولقينا العنت من أصدقائنا حراس السلطة السابقة ومع ذلك كنا ندرك أن ما نقوم به ليس لأجلنا ولا لمصالحنا كأفراد ولا كأشخاص، وإنما هو لأجل حرية الجميع ولأجلنا ولأجلهم أيضا لم نشعر يوما أنهم أعداء ولم نعلن العداء لهم مطلقا ثورتنا سلمية اعتمدنا المنطق والإقناع والحجج وتجاوزنا عن كل إساءة شخصية لأننا ندرك أننا وهم لسنا فريقين بل فريق واحد وأننا وهم سنصل إلى هذه القناعة يوما ما، حرصنا على عدم التجريح وأشعنا المحبة والتسامح كقيم ثورية، أطلقوا علينا كلمات يحسبونها جارحة كعيال الساحات والساحاتيون وثوار الفيسبوك وثوار من وراء الحدود... إلخ، كنا نفخر بتلك التسميات ونضحك. مرات كثيرة ظهروا لنا تحت مسميات وهمية في الواقع الافتراضي فكنا نرسل إلى حسابتهم الفعلية روابط أغاني يمنية، كانت أغنية الموسم "حدد موقفك حدد" لفنانة يمنية شابة لا أذكر اسمها لكن استخدمنها كرسالة هادئة وساخرة ولها معنى ثوري بتحديد الموقف.

 

أقمنا ندوات وفعاليات ومهرجانات كثيرة وأسسنا فصيلا ثوريا هو "شباب التغيير في ماليزيا"، وكانت لنا صفحتنا على الفيسبوك تحت نفس المسمى وتشاركنا تنظيم كل فعاليتنا مع رفاقنا واختلفنا واتفقنا وارتفعت أصواتنا كغيرنا وكله في سبيل تحسين هذا العمل أو تلك الفعالية لا أكثر، في كل فعالية أقمناها كانت كلمات النشيد الوطني لها معانٍ مختلفة عن السابق صرنا نعرف ماذا قصد الفضول بتلك الكلمات الخالدة وكانت أعيننا تفيض من الدموع كلما وقفنا للنشيد الوطني. لا شك أن لنا أخطاءنا على مستوى الأداء والخطاب وهذا شيئ طبيعي فالثورة مرحلة والثورة تجربة بشرية خالصة، والفرد يخطئ ويصيب، لكن الثورة كانت فعلا صحيحا لا خطأ فيه لا من حيث التوقيت ولا من حيث الفعل الثوري السلمي، لو أن ثورتنا كان انفعالية واستخدمنا السلاح مثلا لكن سهل إسقاط الثورة وإسكاتنا والتهم جاهزة لدى أجهزة القمع والأمن؛ إرهاب، وتنظيمات وعصابات... إلخ، لكن فعلنا داخل وخارج اليمن كان سلميا، شاركنا قبل الثورة بالنضال السلمي، وشعرنا بهزيمة التغيير عندما رشحنا فيصل بن شملان رحمه الله في 2006، لو أن النظام قبل بالتغيير يومها لما خرجت الثورة، لكنه استمر في القمع وانتشرت الفوضى في عموم المحافظات فكانت الثورة إنقاذا لليمن وشرف لنا ولكل الرفاق أننا شاركنا ولو بكلمة في تلك المحاولة الباسلة لإنقاذ دولتنا وإنقاذ شعبنا اليمني العظيم.   

 

 

* كيف تقدر واقع اليمن الآن بعد عقد من انطلاقة الربيع اليمني؟

 

** اليمن الطبيعي تم تمزيقها منذ اتفاقية سايكس بيكو في 1916 وما قبلها أيضا، أما واقع الجمهورية اليمنية وهذا الذي تقصده بسؤالك، فهو سيئ للغاية، بعد الثورة وأثنائها كانت هناك حركات مريبة قام بها الإقليم عبر المبادرة الخليجية، وتم تحييد شباب الثورة، وذهبت الأحزاب بعيدة عن كوادرها الشبابية والثورية توقع المبادرة وخدع الكثيرون بها، كنا مخدوعين بخطاب الأحزاب والمشترك تحديداً، بعيدا عن نظرية المؤامرة هناك تداخلات كثيرة حصلت في اليمن مرتبطة باليمن وبالقوى المتربصة باليمن، من إيران إلى الخليج، إيران لديها تدخلاتها في اليمن منذ الحرب العراقية الإيرانية في القرن الماضي، وثورة الخميني الطائفية كانت موجهة أساساً ضد العالم العربي والإسلامي، ولذا كانت أذراع إيران "جماعة الحوثي الإرهابية" متربصة بالثورة منذ اندلاعها، دخلوا ساحة واحدة هي ساحة التغيير في صنعاء، ولم يكن لهم حضور في بقية الساحات، وهنا في ساحتنا في ماليزيا لم نقبلهم من أول يوم، لديهم خرافاتهم وثورتهم حسينية لا يمنية، بحكم أنهم "جماعة في مجتمع لا جماعة من مجتمع"، نحن نقيم احتفالات وطنية وثورية وهم يقيمون احتفالات سرية بالغدير ولديهم مجالس عزاء وخرافات لا يقبلها منطق ولا عقل، ولذا كانت لهم مخيماتهم الخاصة في ساحة التغيير، وظلوا بعد أن عاد الشباب إلى بيوتهم فثورة الحسين ممتدة من عهد كربلاء إلى عهد عبد الملك الحوثي.

 

كانت المبادرة عبارة عن فخ وقعت اليمن فيه قوى الثورة وتلك القوى التي وقفت ضد الثورة كلها وقعت في الفخ، من دعموا المبادرة ورعوا الحوار الوطني هم أنفسهم رعاة انقلاب الهاشمية السياسية بشقيها السلالي والقبلي، تم الانقلاب برعاية الدول العشر، وبرعاية الأمم المتحدة وبرعاية السفارة الأمريكية، وبرعاية الرئيس أوباما ونائبه بايدن ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون. كما كان الانقلاب برعاية السعودية والإمارات وقوى الثورة المضادة في المنطقة، وهم رعاة الحرب والعاصفة، الجمهورية اليمنية تمر بمرحلة سيئة نتيجة لغياب المؤسسات وغياب دولة المؤسسات منذ ما قبل 2011، والجمهورية اليوم واقعة على خارطة التمزيق، نتيجة لغياب المشروع الوطني الفاعل على الأرض، ونتيجة للانقلابات الطائفية العرقية والجهوية القروية في الشمال والجنوب، وهناك من ينادي بتقسم المقسم وتمزيق الممزق وتجزئة المجزأ، وهناك من يدعو الرئيس اليوم في هذا الوضع إلى إعلان الفيدرالية، هناك فهم خاطئ للفيدرالية في اليمن، الفيدرالية تعني أن الدولة طورت نظامها من نظام مركزي بسيط إلى نظام فيدرالي معقد، ولا تكون فيدرالية إلا في ظل وجود قوة تحمي البلد من التمزق ومن مشاريع الاحتلال والقوى المتربصة، في اليمن يفهمونها بقروية وجهوية سطحية كل من يريد "إقليمه" لينفصل عن الدولة، عن الجمهورية اليمنية، عن الشعب اليمني، وعن الهوية اليمنية، لديهم هويات قروية محلية.

 

ومع كل ذلك هناك مقاومة يمنية في جل الجبهات من جبهات المواجهة العسكرية إلى جبهات الوعي والنضال والسياسة، وأضعف جبهة هي الجبهة السياسية فالحكومة محايدة والشرعية غارقة في أوهامها في الرياض، والثورة لم تنجز حزبا سياسيا يقوم بهذا الدور، وليكون بديلا للأحزاب التي لا علاقة فكرية ولا علاقة منهجية لها بالثورة، نزلت الأحزاب للبحث عن حصصها في الساحات وكسب ولاء الشباب، وفشلت في تمثيلهم وتمثيل تطلعاتهم الثورية، والشباب وكلنا فشلنا في إنتاج حزب للثورة، لكننا اليوم نشكل جبهة للوعي الوطني وللوعي الجمهوري وللوعي الثوري، ونحتاج إلى إعادة تشكيل المجتمع اليمني في مكونات؛ نوادي ومنتديات ومنظمات وتيارات ثقافية... إلخ، قادرة على التعاطي مع الواقع الراهن، وقادرة على التشبيك والتحول إلى قوة حقيقة في إطار حزب سياسي أو حتى في أحزاب سياسية.

 

* البعض يصف ما حدث في فبراير 2011 بالنكبة الشعبية ولا تستحق الاحتفاء بها، ما رأيك أنت؟

 

** هؤلاء لديهم قصور في الفهم ولا يفرقون بين الأحداث ولا يفرقون بين الثورة والانقلاب ولديهم نقص في المفاهيم ولم يعرضوا عقولهم للمنطق ولا للجدل، لديهم أسطوانة جاهزة وكلمات معلبة مصدرة لهم من قوى الثورة المضادة، في 2011 كنت أنا وغيري نتحدث وكتبنا عن الثورة المضادة وحذرنا منها ودخلنا في خلافات مع بعض دعاتها، من نكب الجمهورية هو من فشل في بناء مؤسسات دولة، من نكب البلاد هو من مارس الحكم  من منطق الجهل، من كان يتغنى بالجمهورية ولا يعرف معنى جمهورية، ولا يدرك أن حكم الشعب هو لب مفهوم الجمهورية، من نكب الدولة والوطن والشعب والناس هو من انقلب على اليمنيين جميعا على هويتهم وعلى جمهوريتهم وعلى تاريخهم. الانقلاب وشركاء الانقلاب هم النكبة والذي يصف الثورة بالنكبة لا شك أنها نكبت أفكاره المحصورة في القرية والقبيلة والطائفة والسلالة.

 

* لماذا لم تتحقق مطالب ثورة الشباب ولم تثمر أزهار الربيع اليمني بعد من وجهة نظرك؟

 

** بسبب الانقلاب، وبسبب شركاء الانقلاب، وبسبب التخلف الذي ما زال حاضرا منذ الماضي، لم تتحقق مطالب الشباب لأنهم لم يشكلوا حزبا سياسيا للثورة، ولم يعيدوا تشكيل أنفسهم في مكونات ثقافية وفكرية وتنظيمية تمكنهم من فعل شيئ في الواقع، في 2011، أقمنا عبر منظمة شباب التغيير في ماليزيا ندوتين ثقافيتين، وقلنا للشباب قبل أن تنتصف سنة 2011 أعيدوا تشكيل أنفسكم في أحزاب ومكونات، أو انظروا إلى أي حزب من الأحزاب الموجودة تتناسب أفكاره مع أفكاركم وطموحاتكم، حتى لا تشعروا بالمظلومية في المستقبل وحتى لا تقولوا أخذوا ثورتنا وأخذوا نصيبنا، كنا ندرك أن هذا سيحصل بالفعل، كما حصل في الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر. ستزهر وتثمر عندما يعيد الشباب تشكيل أنفسهم عند امتلاك رؤى ومشاريع قابلة للتطبيق، عندما يتقاربون مع من يشبهونهم في أفكارهم وطروحاتهم، عندما يتخلصون من فكرة أن هذا المكون أفضل من ذاك وأن هذا المكون أشمل من غيره، وعندما يكون لديهم هدف موحد يستطيعون بذل الجهد من أجله.

 

* وبعد ست سنوات من الحرب وما خلفته من معاناة وأوضاع إنسانية بالغة السوء من يتحمل مسؤولية ذلك؟

 

** تتحملها الشرعية بكل مكوناتها، ويتحملها المجتمع الدولي الذي يدعم الثورات المضادة والانقلابات ويدعم حركات إرهابية كجماعة الحوثي، يتحملها دعاة الهاشمية السياسية في الأساس هم من انقلبوا وصنعوا كل هذه الفوضى لأجل حكم سلالتهم. ولا نستطيع إعفاء أنفسنا وغيرنا من تحمل مسؤولية ما يجري، علينا أن نسأل أنفسنا دوما هذا السؤال: ما هو دورنا تجاه الوطن؟ ماذا قدمنا لشعبنا؟

 

* هل تؤيد من يحمل دول الإقليم وخاصة السعودية والإمارات السبب في عرقلة ثورة فبراير من خلال المبادرة الخليجية وتحويل الثورة إلى مسارات انتقالية وسياسية؟

 

** نعم يتحملون ذلك ويتحملون مسؤولية دعم انقلاب الحوثي وانقلاب الانتقالي، يتحملون مسؤولية تطييف الصراع في اليمن، ومسؤولية تحويله إلى صراع جهوي وقروي، ويتحملون مسؤولية كل هذا العذاب الذي يلاقيه شعبنا.

 

* الحوثيون كانوا من القوى التي شاركت في الثورة الشبابية، كيف يمكن أن نفهم انخراطهم في الحراك السلمي في فبراير وما قاموا به من انقلاب على العملية السياسية والتوافقية بعد عامين من الثورة؟

 

** إولاً الثورة اليمنية 11وفبراير ثورة شعب وليست ثورة حزب أو طائفة أو جهة معينة، وبالتالي الثورة ينخرط فيها الكثير من الناس، لكن من يفهمون الثورة ويصبرون ويتحملون هم قلة. ثانياً جماعة الحوثي الإرهابية لم تنخرط في الثورة، بل قفزت نحو الثورة لتحقق أحلامها الكهنوتية، ثورتنا لأجل الدولة وثورتهم لأجل هدم الدولة والعبرة بالخواتيم انظر إليهم ماذا صنعوا باليمن؟! كان انقلابهم ثورتهم المضادة لأجل عودة السلالة إلى الحكم، وهم يرون أن الحكم لهم وحدهم ولديهم نصوص دينية يستندون إليها في وهمهم المقدس. تعامل معهم النظام السابق وقام بتأهليهم عسكريا، ولم يقض عليهم، ثم تحالف معهم في الانقلاب، وسلمهم مخزونه البشري والعسكري والإعلامي. الحوثيون كانوا متربصين بالثورة ولم يكونوا ثوارا حقيقيين، وثورتهم ليست لأجل الشعب بل لأجل الحسين. 

 

* لعل أهم الانتقادات الموضوعية التي توجه لفبراير هو غياب المشروع وافتقار الرؤى؟ إلى أي مدى يمكن أن يكون هذا النقد صحيحا؟

 

** ثورة فبراير بحاجة إلى نقد ذاتي وموضوعي وهذه مهمة الثوار في الأساس. أتفق مع هذا النقد، ولذا لا بد لثوار فبراير أن يشقوا طريقهم بعيدا عن الاستقطابات الإقليمية والدولية التي تريد تحويلهم إلى جزء من قطيع البحث عن فرص مالية ومكانة مجتمعية، عليهم المقاومة والمساهمة في الحفاظ على الجمهورية اليمنية وألا يقعوا في فخ القرويات والطوائف، وهم أقدر على مواجهة المخاطر ما حافظوا على نظافة أيديهم ولم يمدوها لهذا النظام أو ذاك، التسول والانتهازية لا تصنع رؤى والمال الحرام لا يصنع تحولا في بلد بل يصنع المزيد من الانتهازيين والفوضى.

 

* يعتقد بعض الشباب ممن كانت لهم مشاركة فاعلة في الثورة أنهم تعرضوا للخذلان كما أنهم عجزوا عن خلق برنامجهم السياسي الذي يعبر عن تطلعاتهم بعيدا عن تأثيرات القوى التقليدية وأحقاد الماضي السحيق.

 

** من الطبيعي أن يصل إليهم ذلك الشعور، والسبب أنهم لم يعيدوا تشكيل أنفسهم، لم يفت الأمر بعد ونرجو أن يكونوا قد تعلموا خلال هذا العقد من الثورة، وأن يحولوا هذا الشعور العاجز والسلبي إلى شعور إيجابي  مغاير سيحسونه وهم يغيرون برامجهم ويحسنون أداءهم، عندما يكون لهم كيانات فاعلة سيكون لهم تأثيرا واقعيا، المستقبل لهم وهم من صنعوه منذ خرجوا في الثورة عن قناعة ذاتية. 

 

* البعض يلاحظ أن فبراير لم تكن ثورية بالمعنى المطلوب، وإنما كانت تحمل برنامجا إصلاحيا، اضافة إلى أن العصب الأساس للحراك الثوري لحظتها كان من شباب أحزاب المعارضة؟ كيف ترى ذلك أنت؟

 

** هذا البعض ملاحظاته غير دقيقة، الثورة غيرت في النظام السياسي وأسقطت الحاكم الذي رأت فيه الفساد والعجز عن فهم الشعب، من يحمل وحمل البرنامج الإصلاحي هي أحزاب المشترك التي أثرت سلبا على الثورة، أحزاب قيادتها من الفشلة والعجزة والمسنين، وليس لديها رؤى ولا تستطيع فهم الشباب ولا الاستفادة منهم سواء من كانوا ضمن كوادرها أو خارج أطرها، لا فكر ثوري لدى هذه الأحزاب لا أحزاب اليمين ولا أحزاب الوسط ولا أحزاب اليسار، قيادات هذه الأحزاب برجوازيين ومن الحرس القديم، وهؤلاء يميلون للسكينة والإصلاح الجزئي وتحقيق مآرب أسرهم.

 

المعارضة أوصلت رسالتها للجماهير، سواء كانت الجماهير ضمن كوادرها أو خارجها، والجماهير صنعت الثورة والتغيير، من ذهبوا للمحاصصة والتقاسم هم الأحزاب اللاثورية، ومن ذهب من الشباب إلى معمعة المحاصصة والحصول على مكاسب تغيرت أفكارهم وينتمون للوظيفة والمصلحة ولم يعد لهم علاقة بالثورة او بالتغيير، كانت ثوريتهم لحظية مرتبطة بالجوع للمنصب وافتقاد للمكانة لا أكثر.  

 

* هل تعتقد أن مطالب الثورة لا تزال ذات أولوية، خاصة بعد الحرب الممتدة لست سنوات، والتي يقول البعض إن الخروج منها بات متعذرا ويحتاج من الأطراف أن تخرج من أطر التفكير السائدة وربما لقوانين سياسية جديدة؟

 

** مطالب بناء دولة الشعب نعم ضرورية وملحة للغاية، والمحافظة على الدولة من التمزق أولوية، وهناك أولويات يفرضها الواقع يجب أخذها في الحسبان.

 

الحرب فرضت على شعبنا، من قبل الحوثيين وتحالفاتهم ومن قبل الإقليم، وأيضا المجتمع الدولي ما زال متفرجا بل محرضا جماعات العنف ويدعم جماعة إرهابية كجماعة الحوثي، وكل سياسة جديدة توفق بين اليمنيين وتعيد لهم حقهم في بناء دولتهم على أساس هويتهم هي أولوية ثورية.

 

* من بين جميع الأطراف والقوى التي تتحكم بالمشهد السياسي في اليمن من هو الطرف الذي يعادي ثورة فبراير، وما هي مصلحته من ذلك؟

 

** الهاشمية السياسية هي عدو حقيقي لكل مكونات الشعب وما نتج عنها من ردة فعل متطرفة سيكون لها ضرر كبير على المستقبل، يعادي ثورة فبراير اليوم كل من يعادي الجمهورية اليمنية ويحاول تمزيقها جهويا أو طائفيا، وكل من يمد يده ليكون عبدا لدى هذا الطرف أو ذاك.

 

* ما هي توقعاتك بشأن الحرب والسلام ومستقبل الديمقراطية والعملية السياسية في اليمن؟

 

** الحرب فرضت على شعبنا كما فرض الانقلاب، ستنتهي هذه الحرب عند إنهاء أسبابها ومسبباتها، وسيحل السلام متى ما امتلك اليمنيون زمام المبادرة وقادوا شعبهم نحو البناء والتعايش والحرية والعدالة والمساواة، هناك من الشباب من يحذرون من الأحزاب ومن الحزبية وهذه كارثة في حد ذاتها إن كثرت واستمرت، ننتقد الأحزاب ونطالبها بتحسين أدائها وتطوير وتحسين خطابها، ولن ننتقد وجودها، نحن شعب ينتمي للجمهورية والجمهورية فكرة قائمة على التعدد والديمقراطية، وعلى مشاركة الشعب في الحكم وعلى فكرة الانتماء للجمهورية ومؤسساتها ومن ضمن مؤسساتها هي الأحزاب باعتبارها مؤسسات مدنية عامة، من يحذرون من الحزبية والأحزاب يخدمون الجماعات المتطرفة بعلمهم أو بدونه، وهذا العمل لا علاقة له بالثورة ولا هذه من صفات ثوار ينتمون للجمهورية، ليعيدوا تشكيل أنفسهم ليكونوا جزءا فاعلا داخل المجتمع ليكونوا جزءا من المستقبل، أتوقع مشاركتهم في إعادة تشكيل أنفسهم في مكونات موجودة أو يصنعون مكونات جديدة، ويؤمنون بأفكارهم ويثقون في أنفسهم وبشعبهم.


التعليقات