شكلت الشهور الماضية من العام الجاري، منعطفا حادا في العلاقة بين السعودية والإمارات، في جوانبها الاقتصادية على وجه الخصوص، بالتزامن مع تحديات يواجهها البلدان النفطيان، بسبب هبوط أسعار الخام، وتباطؤ نمو الاستثمارات.
ولطالما كان البلدان يخوضان تحدياتهما السياسية والاقتصادية معا، ويتبنيان رأيا واحدا في عديد من القضايا الإقليمية والدولية، ضمن تنسيق غير مسبوق على كل المستويات.
لكن 2021، أعاد علاقات البلدين الاقتصادية عقودا إلى الوراء، عبر عدة قرارات بدأت بقيود سعودية على الشركات الأجنبية التي لا تملك مقرا لها على أراضي المملكة، وليس انتهاء بخلافات نفطية ظهرت على السطح هذا الأسبوع.
وبسبب هبوط أسعار النفط و أزمة "كورونا"، وجدت السعودية نفسها أمام ارتفاع مضطرد في الدين العام، رافقه انخفاض في الأصول الاحتياطية للمملكة.
وارتفع الدين العام السعودي إلى 854 مليار ريال (227.7 مليار دولار) بنهاية 2020، تمثل 34.3 بالمئة من الناتج المحلي، مقابل 678 مليار ريال (180.8 مليار دولار) تشكل 22.8 بالمئة من ناتج 2019.
كما هبطت الأصول الاحتياطية الأجنبية للبنك المركزي السعودي بنسبة 0.8 بالمئة على أساس شهري، حتى مايو/أيار الماضي، إلى 1639.3 مليار ريال (437.2 مليار دولار)، أدنى مستوى منذ قرابة 10 سنوات.
قيود سعودية
بدأ البلدان سباق الفوز بالشركات الأجنبية وتعزيز الاستثمار غير المحلي على أراضيهما، لتخفيف الضغوط على المالية العامة لكليهما، بإشراك القطاع الخاص في الاستثمار بالقطاعات الحيوية.
منتصف فبراير/شباط الماضي، أعلنت السعودية نيتها إيقاف التعاقد مع أي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي في المنطقة خارج المملكة بدءا من مطلع عام 2024.
يتزامن ذلك، بينما تعد الإمارات منذ قرابة عقدين، العاصمة الإقليمية للشركات الأجنبية وبالتحديد إمارة دبي، التي بدأت مبكرا في استقطاب هذه الكيانات إلى أراضيها.
تهدف السياسة السعودية، إلى تشجيع الشركات الأجنبية على فتح مقر دائم في السعودية بما يساعد في خلق وظائف محلية والحد من التسرب الاقتصادي وزيادة كفاءة الإنفاق.
يأتي قرار الرياض، بعد أسبوعين من إعلان وزارة الاستثمار توقيع 24 شركة دولية اتفاقات لإقامة مكاتب إقليمية في الرياض، بينها "بيبسيكو"، وشلمبرجير"، و"ديلويت"، و"بي.دبليو.سي"، و"تيم هورتونز"، و"بيكتل"، و"روبرت بوش"، وبوسطن ساينتيفك".
بينما في يناير/كانون ثاني الماضي، أطلق مكتب أبوظبي للاستثمار بالتعاون مع دائرة التنمية الاقتصادية، ثمانية مكاتب دولية في نيويورك، وسان فرانسيسكو، ولندن، وباريس، وفرانكفورت، وسيول، وبكين، وتل أبيب.
وتقوم تلك المكاتب بتقديم دعم سلس للشركات في جميع أنحاء العالم للعمل في أبوظبي، وتوفير وصول غير مسبوق إلى عروضها، وتطوير أخرى لتلبية احتياجات المستثمرين الخاصة.
خلافات النفط
وجدت الإمارات نفسها مظلومة في اتفاق خفض الإنتاج الحالي، بسبب اعتماد تحالف "أوبك+" أكتوبر/ تشرين أول 2018، شهر الأساس الذي تخفض حصتها النفطية بناء عليه، بينما تريد أبوظبي اعتماد أبريل/نيسان 2021 كشهر أساس.
في أكتوبر 2018، بلغ متوسط إنتاج الإمارات النفطي قرابة 3.1 ملايين برميل يوميا، بينما بلغ الإنتاج في أبريل 2021 -قبل شهر من تنفيذ اتفاق خفض الإنتاج الحالي- نحو 3.84 ملايين برميل يوميا.
وبلغت نسبة خفض إنتاج الخام بداية، 10 بالمئة من إنتاج كل عضو في التحالف المؤلف من 23 بلدا، ما يعني أن الإمارات ستفقد حصة هامة في صادراتها النفطية بسبب اعتماد شهر أساس شهد إنتاجا نفطيا أقل من أبريل 2021.
ومنذ الخميس، بدأت اجتماعات اللجنة الوزارية لخفض الإنتاج في "أوبك+" وتم تمديدها حتى الجمعة دون التوصل لاتفاق، ليتم تأجيل المحادثات حتى أمس الإثنين، والذي فشل فيه المجتمعون في التوصل لاتفاق بسبب الخلافات.
كذلك، تريد الإمارات زيادة إنتاج النفط اعتبارا من أغسطس/آب المقبل، دون شرط قدمته السعودية وروسيا، ينص على تمديد اتفاق خفض الإنتاج الحالي من أبريل/نيسان 2022 إلى ديسمبر/كانون أول 2022.
ومساء الأحد، قال الوزير السعودي في تصريحات لقناة العربية، إن هناك ضرورة "للتعامل بعقلانية من أجل إنجاح اجتماع أوبك+.. يجب التعامل بشيء من التنازل".
وبدأت دول "أوبك+" في مايو/أيار 2020 تخفيضات غير مسبوقة في الإنتاج بمقدار 9.7 ملايين برميل يوميا تشكل 10 بالمئة من الاستهلاك العالمي من الخام، وينتهي الاتفاق في أبريل 2022.
ومنذ ذلك الحين جرى تقليص هذه التخفيضات وصولا إلى خفض حالي بمقدار 5.8 ملايين برميل يوميا.
وتريد الإمارات من هذا الرفض الحفاظ على أسواقها النفطية، وحصتها من معروض النفط العالمي، عبر اختيار شهر الأساس المناسب لحجم صادراتها من الخام.
قواعد الاستيراد
والإثنين، أعلنت السعودية، تعديل قواعد الاستيراد من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، في إجراء تعتبر الإمارات المتضرر الأكبر منه، في وقت يتصاعد التوتر بين البلدين على خلفية عرقلة اتفاق نفطي ضمن تحالف "أوبك+".
وبموجب قرار لمجلس الوزراء السعودي نشر في الجريدة الرسمية (أم القرى)، استبعدت المملكة السلع التي تنتجها شركات بعمالة تقل عن 25 في المئة من العمالة المحلية من اتفاق الإعفاء الجمركي بين دول مجلس التعاون.
ويستبعد القرار أيضا المنتجات الصناعية التي تقل نسبة المدخلات المحلية في تصنيعها (القيمة المضافة للسلعة) عن 40 في المئة.
ونص القرار السعودي على أن "كل البضائع المنتجة في المناطق الحرة بالمنطقة لن تعتبر محلية الصنع".
ويشمل القرار أيضا استبعاد "البضائع التي يدخل فيها مكون من إنتاج إسرائيل أو صنعته شركات مملوكة بالكامل أو جزئيا لمستثمرين إسرائيليين أو شركات مدرجة في اتفاق المقاطعة العربية لإسرائيل".
وتعتبر المناطق الحرة إحدى المكونات الرئيسية لاقتصاد الإمارات، كما أنها والبحرين، العضوان الوحيدان في مجلس التعاون الخليجي اللذان يرتبطان باتفاقيات تطبيع وتعاقدات اقتصادية وتجارية مع إسرائيل.