مكاشفات الأحلام بالشعر.. الناقد هشام شمسان يكتب عن ديوان "لا تخبر النجمة" للشاعر والصحفي اليمني أحمد الشلفي
- هشام شمسان الاربعاء, 29 يونيو, 2022 - 11:25 مساءً
مكاشفات الأحلام بالشعر.. الناقد هشام شمسان يكتب عن ديوان

[ غلاف كتاب "لا تخبر النجمة" للشاعر والصحفي اليمني أحمد الشلفي ]

تجربة "أحمد الشلفي" الشعرية تعود إلى ما قبل إصدار كتابه الأول " تحولات الفتى والمساء" 2001، حيث بدأ بكتابة القصيدة العمودية (الغنائية - الإنشادية) قبل ذلك بزمن؛ تلا ذلك مرحلة الالتحام بقصيدة التفعيلة، والشعر الحر.

 

وكان الشلفي بدأ نشاطه الإبداعي الكتابي الشعري - في تعز- فترة التسعينات عبر صحيفة الجمهورية، ثم الجمهورية الثقافية، حمل بعدها هاجسه الشعري مرتحلاً لعاصمة الثقافة صنعاء بداية 2001، وأصدر أول دواوينه الشعرية في نفس العام.

 

ولتميز تجربته الشعرية فقد نال جائزة رئيس الجمهورية (مناصفة) في العام 2003، وواصل نتاجاته الشعرية بإصدار ثانٍ حمل عنوان " جرح آخر يشبهني" عام 2004.

 

وبالرغم من أن أحمد الشلفي ولد ونشأ شاعراً، إلا أن الإعلام (صحافة وتليفزيون) أستطاع أن يغويه، فيجره رويداً، رويداً ليقع أخيراً في براثنه؛ حيث انخرط بدايةً كمقدم لبرنامج ثقافي وفكري، وفني، وحواري في التليفزيون اليمني.

 

ومنذ منتصف 2004 انسحب من الساحة الإبداعية الشعرية تماماً، وانخرط كإعلامي في قناة الجزيرة، ليُعْرفَ بعدها كإعلامي، وكاتب صحفي.

 

ولأكثر من عشر سنوات، بقي فيها الشلفي خارج القصيدة، إلا أن الإنسان الشاعر بداخله ظل يلاحقه- كما يبدو- ويطارده في أحلامه، وأوهامه، ويقظته، حتى أجبره على العودة إلى قالبه، وإطاره عام 2016، حين تم لملمة ديوانيه السابقين، إلى جانب ديوان جديد ثالث، وضم ذلك في كتاب واحد أسماه " يد غافلته" ، وكأن هذا العنوان قُصد إليه قصداّ للتعبير معنوياً عن الغفلة الشعرية التي أزاحته عن عالمه الجميل طيلة (12) عاماً، فكانت هذه الإنبعاثة انتفاضة؛ ليبدأ بعدها مرحلة  مكاشفات الأحلام بالشعر من جديد؛ إذْ بعد ثلاث سنوات، فحسب، قدم إنجازه الشعري الرابع " قمر يتبعني" 2020، وها هو بعد عامين فقط من "قمره" يتعالق، ويتعانق مع " النجمة".

 

"لا تخبر النجمة"، هو الإنجاز الشعري الخامس، في مسيرة الشاعر "أحمد الشلفي"، وصدر حديثاً عن دار "عناوين بوك"، في (30) نصاً، تنوعت في قوالبها، وأغراضها، واتجاهاتها، فمن السيرة الذاتية للميلاد، ومنولوج الذات، إلى الوطن، وإلى الحبيبة.

 

وبمعية أحلامه، وولع مكاشفاتها يتنقل بالقارئ بفيضية شعرية تفاعلية بين عناوين : الاغتراب، والوجد، والحيرة، والحنين، والملل، والارتباك، والرفض، والعزف، والمصالحة، والصلاة، بحيث تتواشج كل هذه الثيمات مع الوطني، والعاطفي، والسياسي، والذاتي، وبعضها تتداخل بالتناص القرآني مثل نص" يوسف"، وبالتناص التاريخي مثل " إن بي شجناً للصلاة على روح هذي البلاد"، وهو نص يتداخل مع نص طويل للشاعر اليمني أحمد العواضي في ديوانه " إن بي رغبة للبكاء".

 

وتوزعت النصوص (إيقاعياً)، وشكلياً ما بين التفعيلي، والعمودي، والحر، واستحوذت تفعيلتي "المتقارب"، والكامل" على مسافة، ومساحة كبيرة من مجموع النصوص، وتنوعت كمياً ما بين القصيدة الطويلة، والمقطع، والنتفة الشذرة.

 

زمنياً، فقد عمد الشاعر إلى ترتيب نصوصه على وجه غير تراتبي؛ تاركاً للقارئ التنقل بحرية في أجواء الفضاءات الزمنية لتجربته.

 

وسيجد القارئ بأن النص العمودي وإن كان الأقل حظاً في هذه المجموعة، إلا أن الشاعر تعامل معه كما يتعامل مع النص الحديث؛ فلا يلحظ فيه القارئ أي نوع من التقليدية، أو الكلاسيكية، بل زخماً، وفيضاً، وجمالاً، وتأثيراً عميقاً، وقد يجده بعض القراء الأقرب إلى نفسه من بقية النصوص التي تقدم بعضها احتمالات تأويلية مفتوحة، ولا تقدم له القراءة اليقينية (المغلقة):

 

"أعيد السؤالَ وراء السؤالْ

قصائدَ من حبكِ المستحيلْ

ويحجبني عن هواك المحالْ

فأهزمه بالخيال الجميلْ

وأطلب أن ترحل الذكرياتْ

فيأسى على ذكرياتي الرحيلْ"

(نص سؤال )

"لا تخبر النجمة" هو عنوان انتخبه الشاعر من نص داخلي؛ ليجعله العنونة الرئيسة للعمل الشعري؛ لمنحه هويته، وهذا الاختيار قائم على استثمار الدلالة، والجمالية التي يوحي بها العنوان، فاتسمت العنونة بالدلالة النوعية، لا الدلالة الكمية؛ كونه لا يتعالق، ولا يمثل اختراقاً لكلية النصوص، وغير دال على المتن الموضوعي؛ حيث استغل الكاتب شعرية التركيب الإيحائي، والدلالي؛ لإغراء القارئ للدخول إلى استكناه المجموعة، واستكشاف آفاقها قرائياً.

 

مثَّل العنوان في هذه المجموعة دلالة سيميائية، باعتباره إحدى علاقات العمل الشعري، وليس دالةً كميةً على موضوعية المحتوى برمته:

 

"لا تقتلوا يوسف

ألقوه في غياهب الكلمات

وقولوا لمن قطَّعن أيديهن:

بعض المجازات رؤيا

وبعض الرؤى أجنحة.

حين يكبر يوسف

يدخل السجن

تراوده امرأة العزيز

تغازله نسوة الحُكْم

ثم ينسى

ينسى الطفولة

والبئر

والدلو

والسجن

واللؤم

ينسى من اقتسموا روحه

في عراء المدينة

ومن راودتهُ.

ويفسر أحلامنا..

يختار من كل سنبلة حبة

ليطرز وجه أبيه

ويقسم للناس أفراحهم

قلب يوسف قُـدّ من حلم

من أغان وروح

صادق مثل لون البراءة

ملهم مثل رؤياه.

جاءه صوت يعقوب:

يا بني

لو رأيت السماء

فلا تخبر النجمة

سوف يأكلك الذئب


التعليقات