المحطة السودانية عند عبد العزيز المقالح: أولى مرحلة الطواف في العالم وانتاج شعري غزير
- نزار غانم السوماني الخميس, 22 ديسمبر, 2022 - 03:51 مساءً
المحطة السودانية عند عبد العزيز المقالح: أولى مرحلة الطواف في العالم وانتاج شعري غزير

-   بدأت علاقتي بالمرحوم الشاعر الناقد د. عبد العزيز المقالح بلقاء جمعني به في مقيل د. قاسم سلام السياسي اليمني عام 1978م بعد عودة المقالح من مصر على إثر أزمة كامب ديفيد السياسية. وكنت حينها أتردد على والدي في صنعاء في اجازاتي السنوية من الدراسة الطبية بجامعة الخرطوم. 


وذات يوم سافرت من الخرطوم لمدينة مدني التي تبعد عنها ساعات بالحافلة وتقع جنوبها. كان الحافز على السفر أنني قرأت في الصحف خبرا عن أن رابطة الجزيرة للآداب والفنون في مدني ستقدم عضوها الناقد مجذوب عيدروس في قراءة عن شعر المقالح. وصلت الى هناك وقمت بتسجيل المحاضرة صوتيا في كاسيت وكانت المرة الأولى التي أتعرف فيها على المبدعين أعضاء الرابطة: مجذوب عيدروس – محمد محي الدين – أحمد الفضل. هذان الاخيران جاءا لاحقا الى اليمن وقدما خدمات تربوية إضافة للاشتغال بالمسرح المدرسي وكتابة القصة القصيرة في اليمن. وقد ساعدني سفير الجمهورية العربية اليمنية في الخرطوم يومها الاديب علي قاسم المؤيد في ارسال الكاسيت عبر الحقيبة الدبلوماسية الى د. المقالح في صنعاء. قام المقالح بتسليم النص للصحفي السوداني محمد المكي أحمد الذي قام بنشرها في الملحق الأدبي لصحيفة الثورة الصنعانية. 


بعد التخرج ذهبت لعمل سنة امتياز في مستشفى راشد بدبي عدت بعدها الى صنعاء حيث أصبحت أرافق والدي الشاعر د. محمد عبده غانم لحضور مقائل المقالح في بيوت متفرقة في صنعاء وتعمقت الصلة بيننا.


وحينما نشرت كتابي الثاني عن دار العودة ببيروت عام 1989م بعنوان (بين صنعاء والخرطوم) كتبت عن رحلة المقالح الأولى خارج اليمن الى السودان عام 1959م ونشرت أيضا قصيدته (عتاب) المنشورة في أحد دواوينه الأولى.


أما حينما علم بأني سأصدر طبعة مزيدة منقحة من ذلك الكتاب تحت عنوان (جسر الوجدان بين اليمن والسودان) عام 1994م قبيل الحرب الأهلية في مايو 1994م فقد خصني بعدد طيب من قصائده غير المنشورة المكتوبة في السودان في مراحل حياته المختلفة هناك. كان المقالح قد رغب في الدراسة بثانوية حنتوب في مدني عام 1959م وكان يقيم في منزل الثائر اليمني الكبير الشيخ يحي حسين الشرفي المدومي العكام (ت 1974م) وبدأ بأخذ دورات في اللغة الإنجليزية ليلتحق بالمدرسة لكنه لم يوفق لصعوبة المنهج السوداني. لاحقا كان المقالح يأتي الى السودان في مهام إذاعية وفي أحدها أجرى حوارا مع الرئيس السوداني الفريق إبراهيم عبود لصالح إذاعة صنعاء التي كان موظفا فيها.


كان المقالح كثير الاسفار في اطروان شبابه لكن السودان كانت اول قطر خرج اليه من اليمن ولهذا نجده يكتب في الخرطوم ومدني عددا طيبا من قصائده خاصة التي كان يستخدم فيها القصيدة البيتية وبعض شعر التفعيلة. هذا من حيث الشعر وسنأتي لإنتاجه الفكري من حيث النثر بعد ذلك.


تضمن كتابي جسر الوجدان بين اليمن والسودان القصائد التالية للمقالح: -

- قصيدة (المشلخة) مكتوبة في امدرمان بتاريخ 17 ديسمبر 1959م

- قصيدة (عند ملتقى النيلين) مكتوبة في الخرطوم بتاريخ نوفمبر 1959م

- قصيدة (في منزل الشاعر التجاني يوسف بشير) 

- قصيدة (في رحاب ودمدني) مكتوبة في مدني بتاريخ 9 يناير 1960م 

- قصيدة (رسالة) المهداة للشاعر السوداني محمد مفتاح الفيتوري رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون وهي مكتوبة في الخرطوم بتاريخ 19 فبراير 1960م

- لكن الحنين الى مدينة ودمدني بوسط السودان يعاود المقالح بعدها بسنوات طويلة فنجده ينشر في ديوانه (كتاب المدن) قصيدة (ودمدني) تحمل روح شعره الأجد ويقدم لها بقوله: (كلما حط طائر من طيور الجزيرة العربية في (حنتوب) عاد وقد امتلأت حوصلته بقدر من المعرفة يؤهله للطيران عبر أجواء الارض. الطائر الذي حملته معي كان بلا لسان يطارد النهر والغيوم بعينيه المفتوحتين ويكتب أشعارا هائمة في حب الارض والمكان لا طاقة له على الصبر ولا يعرف شيئا عن أبجدية الأرقام. يتحدث الى (امرئ القيس) وهم يتحدثون الى (شكسبير) يحاور (المتنبي) وهم يحاورون (توماس هاردي).


 كان زملاؤه يلوذون بقاعات الدرس وهو يلوذ بالفضاء الفسيح حيث الكلمات تحلق ساطعة وترسم احصنة وجبالا تتحطم اشكالها البديعة كلما اصطدمت بالريح او لامستها عاصفة هواء ساخن.


اللسان أبكم والعين تقرأ بلغة تخترق النوافذ وترنو الى ما وراء النهر والغيم وتعود محملة بانتصارات وهمية ونعاس لذيذ يتكدس خلف ظلاله الق يدعو القلب الى معاودة السفر نحو المتاهات وكلما انحدرت دمعة من عينيه في قاعة الدرس تحولت الى سيل من الضحكات في الحديقة وبالقرب من شجرة عتيقة ترقب المدينة في حنان ساذج ما لي وللغات والأرقام ومتابعة أسرار الجراد الميت والضفادع الموضوعة على طاولة خاوية تسترجع نقيقها المفجوع عند ضفة النهر وقد صارت اشلاء متناثرة تبعث بها أيدي الطلاب؟ هيا الى الحرية الى الشعر الذي طال زمن هطوله وتماهي مع الضباب المغمور بألق لا يراه سوى الشعراء. ان في بيت واحد من الشعر المورق بالأسرار ما ليس في كل الارقام اليابسة. تلك (مدني) ذات الوادي المحيط بالنهر الممتد الى مالا نهاية تدخلها فيتقشر غبارك، وتتلاشى معالم العتمة التي جئت منها. هنا لا تقف تحت سماء صاحية عمياء بل فوق أرض تشبه سماء خضراء يتجدد ربيعها كل يوم ويورق بأشجار تضئ وأعشاب لا تتوقف عن الغناء). 

 

- أما أنتاج المقالح النثري عن السودان فقد شمل: -
- دراسة عن (رواية الطيب صالح موسم الهجرة الى الشمال) منشورة في كتابه (أصوات من الزمن الجديد دراسات في الادب العربي المعاصر) دار العودة بيروت 1980م

- دراسة عن (كتابات الطيب صالح غير السردية) منشورة في مجلد أبحاث مهرجان جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي بالخرطوم المجلد الأول 


- مقال بعنوان (ام ضوآ بان النار المقدسة) عن ذلك المركز الصوفي بشرق النيل الأزرق


- مقالان عن مدينتي (الخرطوم اغنى مدينة عربية بالمياه) و (ودمدني جزيرة من الضوء والخضرة) في كتابه (ذكرياتي عن خمس وعشرين مدينة عربية) مركز الدراسات والبحوث اليمني صنعاء 2018م 


- قصيدة (عتاب) بتاريخ 1961م وهي منشورة في ديوانه (رسالة الى سيف بن ذي يزن) 


- وأذكر أن الشاعر السوداني الاديب د. عبد الله الطيب عندما زار صنعاء في مارس 1986م بدعوة من المقالح رئيس جامعة صنعاء يومئذ خلد تلك الزيارة بقصيدة خاطب فيها المقالح في مطلعها يقول فيها: - 


اتاني من عبد العزيز المقالح كتاب كريم بالمودة مانحي
وجدت لدى عبد العزيز طبيعة من الفضل فيها جد وهو كمازا ولما أتت برقية من جنابه زهتني الى صنعاء نشوة صادح لقد أحب المقالح السودان وحن اليه دوما فقد كان اول قطر يخرج من سجن اليمن الشمالية اليه ويقول الشاعر: -


أتاني هواك قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبا خاليا فتمكنا

 

* بروف نزار غانم , مدرسة الطب جامعة الاحفاد للبنات امدرمان

 

* نقلا عن صفحة الكاتب


التعليقات