هل حاويات الشحن البحري أغلى من الأرواح؟
- العربي الجديد - سهام معط الله السبت, 20 يناير, 2024 - 06:00 مساءً
هل حاويات الشحن البحري أغلى من الأرواح؟

للهجمات على السفن المتجهة إلى كيان الاحتلال تأثير كبير على اقتصاده (Getty)

في 12 يناير/ كانون الثاني، شنَّت القوّات الأميركية بالتعاون مع بريطانيا وبدعم من حلفاء آخرين غارات على 60 هدفاً في 28 موقعاً تابعاً للحوثيين في اليمن ردا على مهاجمة الجامعة سفن الشحن البحري بالبحر الأحمر، وفقاً لبيان القوّات الجوِّية الأميركية.

 

فبعد شهر ونصف فقط من الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر، فقدت الولايات المتَّحدة أعصابها ونفد صبرها ووجدت أنّه قد آن الأوان للتدخُّل العسكري المباشر في اليمن ومنطقة البحر الأحمر التي تُعدّ من أكثر الممرَّات المائية حيوية في العالم من أجل حماية السفن التي تبحر عبر هذا الممرّ والمُحمَّلة بالنفط والحاويات التي تفوق في أهميتها أرواح سكان غزة التي تُزهق كل يوم، من منظور أميركا وحلفائها.

 

بحسب تحليل أصدره معهد كيل الألماني للاقتصاد العالمي IfW Kiel في 11 يناير/ كانون الثاني 2024 تحت عنوان "انهيار حجم البضائع في البحر الأحمر" Cargo volume in the Red Sea collapses، انخفض عدد الحاويات المشحونة في البحر الأحمر بنسبة 66 في المائة في ديسمبر/ كانون الأوّل الماضي، وانخفضت التجارة العالمية بنسبة 1.3 في المائة في الفترة الممتدّة من نوفمبر/ تشرين الثاني إلى ديسمبر/ كانون الأوّل 2023 جرّاء هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر.

 

بدلاً من حلّ المشكلة من جذورها وثني إسرائيل عن عدوانها الجائر على قطاع غزة، فضَّلت الولايات المتَّحدة شنّ ضربات على الحوثيين المتضامنين مع فلسطينيي غزة لدفعهم نحو الداخل بعيداً عن خطّ الساحل وردع هجماتهم التي تهدِّد حركة التجارة الدولية في البحر الأحمر.

 

من بين الدول العربية التي قرَّرت الوقوف إلى جانب إسرائيل والانضمام للتحالف الذي تقوده الولايات المتَّحدة في البحر الأحمر نجد البحرين، التي برَّرت مشاركتها التي لا يمكن تبريرها بوجود الأسطول الخامس الأميركي وقيادة القوّات البحرية المشتركة وقوّة المهام المشتركة "153" على أراضيها.

 

هنا يجب الوقوف عند نقطة مهمَّة للغاية وحقيقة غير قابلة للشكّ والإنكار والمتمثِّلة في كون البحرين تعتمد على المساعدات المالية من جيرانها الخليجيين، وتحديداً السعودية والإمارات، والأمر الذي يدعو للتساؤل هنا هل هي نائب عن الغائب المُحرَج من بعض الحساسيات؟

 

من جهة، توسَّطت السعودية في التوصُّل إلى خريطة طريق لدعم مسار السلام في اليمن في ديسمبر/ كانون الأوّل 2023، لكنّها لم تُخفِ، من جهة أخرى، مخاوفها من استئناف الحوثيين هجماتهم على أهداف سعودية في حواراتها مع الولايات المتَّحدة بشأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وهجمات الحوثيين المناصرة للقضية الفلسطينية، وبالفعل صرَّح عضو المجلس السياسي الأعلى للحوثيين محمد الحوثي في لقاء له مع بي بي سي عربي بأنّ "كل بلد يورِّط نفسه في التحالف الذي تقوده أميركا في البحر الأحمر سيفقد أمنه البحري وسيكون عرضة للاستهداف في البحر الأحمر".

 

على النقيض من ذلك، لم تنضمّ مصر، التي تتكبَّد خسائر فادحة جرّاء هجمات الحوثيين على حركة السفن في مضيق باب المندب، إلى العملية الدولية التي تقودها واشنطن في البحر الأحمر والتي تضعها بشكل علنيّ في موضع الشريك الداعم للاحتلال الإسرائيلي في حربه على غزة.

 

في الواقع، انخفضت إيرادات مصر من قناة السويس بنسبة 40 في المائة منذ بداية العام الحالي مقارنة بالعام الماضي نتيجة الهجمات الحوثية التي أجبرت شركات الشحن الكبرى على تحويل مسارها نحو ممرّ رأس الرجاء الصالح البديل لقناة السويس وباب المندب، بحسب تصريحات هيئة قناة السويس المصرية.

 

وبحسب بيان وزارة الصحة في غزة الصادر في 16 يناير/ كانون الثاني، قتل الاحتلال الإسرائيلي ما لا يقلّ عن 24 ألفا و285 فلسطينيا في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023، ولم تحرِّك الولايات المتَّحدة صاحبة شعارات الحرية والمساواة ساكناً لوقف حرب الإبادة الجماعية على عكس تحرُّكاتها بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، بينما حرَّكت صاحبة الحقّ في التدخُّل العسكري ضدّ كل من يهدِّد مصالحها أسطولها ودعت حلفاءها للتصدِّي للحوثيين بعدما شنّوا 26 هجوماً على سفن تجارية في البحر الأحمر وخليج عدن منذ 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

 

وانخفض جرّاء ذلك نشاط ميناء إيلات بنسبة 85 في المائة، واضطرَّت السفن التجارية إلى تغيير مسارها نحو طريق أطول من قناة السويس لمدّة تراوح بين 10 و14 يوماً، وارتفعت تكاليف التأمين على الشحن بقيمة تراوح بين 200 و250 في المائة، والتي انعكست سلباً على أسعار الشحن، حيث تبلغ كلفة نقل حاوية بطول 40 قدماً بين الصين وشمال أوروبا حالياً أكثر من 4000 دولار أميركي، مقارنة بحوالي 1500 دولار أميركي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.

 

يعتبر الهجوم الذي نفَّذه الحوثيون في البحر الأحمر في العاشر من يناير/ كانون الثاني الأكبر من نوعه والأخطر على الإطلاق منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، فقد أسقطت القوّات الأميركية والبريطانية 18 طائرة مسيَّرة وعدّة صواريخ مضادّة للسفن أطلقها الحوثيون على الممرّات البحرية في جنوب البحر الأحمر، ولم تردع سلسلة الهجمات التي شنَّتها القوّات الأميركية والبريطانية على صنعاء وعدّة محافظات يمنية في 11 و12 يناير/ كانون الثاني الحوثيين الذين تعهَّدوا بمواصلة وتكثيف هجماتهم التي ستشمل أيضاً السفن المرتبطة بالمملكة المتَّحدة والولايات المتَّحدة إلى أن يوقف الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على فلسطينيي غزة.

 

وبالفعل ضرب الحوثيون سفينة الحاويات المملوكة للولايات المتَّحدة والتي ترفع علم جزر مارشال "إم/في جبل طارق إيغل" بصاروخ باليستي في خليج عدن في 15 يناير/ كانون الثاني، كما تعرَّضت ناقلة بضائع مملوكة لليونان ترفع علم مالطا في 16 يناير لأضرارٍ بعدما أصيبت بصاروخ أطلقه الحوثيون أثناء عبورها جنوب البحر الأحمر، وهذا ما دفع واشنطن إلى إعادة إدراج الحوثيين كمنظمة إرهابية عالمية في 17 يناير، ليردَّ الحوثيون بدورهم على ذلك باستهداف الناقلة الأميركية "جينكو بيكاردي" بالصواريخ في اليوم ذاته.

 

وفقاً لتقرير أصدرته شبكة "بلومبيرغ" في 16 يناير/ كانون الثاني 2024، مرَّت 114 سفينة عبر مضيق باب المندب في الأيام التي تلت الضربات الأميركية البريطانية ضدّ مواقع الحوثيين، الأمر الذي يمثِّل انخفاضاً ملحوظاً عن 131 سفينة قبل أسبوع و272 سفينة قبل شهر.

 

خلاصة القول، لقد قال الحوثيون كلمتهم، وأدلت جنوب أفريقيا بدلوها، فماذا عن الدول العربية؟ أم أنّها غير معنية؟


التعليقات