الجغرافيا السياسية للبحر الأحمر.. حاضر الصراع وتصاعد المنافسة
- TRT عربي الأحد, 04 فبراير, 2024 - 01:11 مساءً
الجغرافيا السياسية للبحر الأحمر.. حاضر الصراع وتصاعد المنافسة

[ الجغرافيا السياسية للبحر الأحمر.. حاضر الصراع وتصاعد المنافسة ]

في أعقاب إعلان جماعة الحوثيين أن السفن الإسرائيلية ستبقى هدفاً على الرادار في حال لم يتوقف العدوان على قطاع غزة، شكلت وزارة الدفاع الأمريكية اتحاداً دولياً متعدد الجنسيات لاعتراض الهجمات الحوثية، وتأمين حركة الملاحة في البحر الأحمر.

 

وأعادت التوترات الأمنية الأخيرة في البحر الأحمر وتأثيرها في حركة التجارة العالمية إلى الواجهة الأهمية الجيوسياسية لهذا المجرى الملاحي، بالإضافة إلى التنافس العسكري والسياسي والاقتصادي المتزايد للدول المطلة والقوى العالمية الفاعلة في حوض البحر الأحمر.

 

المشهد الجيوسياسي

 

يتمتع البحر الأحمر بأهمية جغرافية كبيرة، فهو يُعَدّ حدوداً طبيعية بين الساحل الشرقي لإفريقيا والساحل الغربي لشبه الجزيرة العربية، ويتصل من جهة الشمال بالبحر الأبيض المتوسط ​​عبر قناة السويس، وينفتح على المحيط الهندي عبر مضيق باب المندب جنوباً.

 

ومن خلال اتصاله بقناة السويس يوفر البحر الأحمر بديلاً أقصر وأقل تكلفة لطريق رأس الرجاء الصالح، خصوصاً في تدفق النفط الخام من الخليج العربي إلى أوروبا وشركات النفط الأمريكية.

 

ويتميز خط العبور الاستراتيجي للبحر الأحمر بأن اتساعه السياسي أكبر من اتساعه الجغرافي، إذ يقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط وأستاذ العلوم السياسية في جامعة أنقرة الدكتور نوري يشيليورت، إنّ المنطقة أمام معادلة جيوسياسية معقدة، تتشابك فيها قوى إقليمية وعالمية على حد سواء في البحر الأحمر.

 

ويضيف يشيليورت لـTRT عربي أن المنطقة الأكثر أهمية وحضوراً اليوم في مناقشات النظام الدولي هي باب المندب، وذلك لأن الدول المحيطة به "وخصوصاً اليمن والصومال، لا تتمتع بهياكل سياسية وإدارية قوية".

 

ويرى أستاذ العلوم السياسية أن عدم الاستقرار السياسي والعسكري الناتج عن الحرب في اليمن يؤدي حتماً إلى مخاطر جسيمة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر.

 

ويبين أنه بالإضافة إلى الدول الساحلية المطلة على البحر الأحمر تدخل كل من الإمارات وإيران والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول غرب أوروبا والصين وروسيا في صياغة المشهد الجيوسياسي للبحر الأحمر.

 

وفي سياق الثقل العالمي في منطقة البحر الأحمر القائم على استراتيجية التحالف مع القوى المحلية، يرى يشيليورت أن المصلحة الوطنية للقوى العظمى "تقتضي الحفاظ على سلاسة النظام الرأسمالي العالمي، ولتحقيق ذلك يجب أن تعمل التجارة الدولية دون عوائق".

 

ويؤكد أن دول مجلس التعاون الخليجي تقع في مركز الرأسمالية العالمية، بتوفيرها وتصديرها لاحتياجات الطاقة من النفط والغاز الطبيعي، واحتياجات التمويل، ووارداتها من المنتجات، وأنشطتها الاستثمارية سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية.

 

ويردف: "لذلك فإن السيطرة على أمن البحر الأحمر تشكل ركيزة أساسية في الأمن القومي لهذه الدول، لا سيما المملكة العربية السعودية التي تمتلك أطول ساحل على البحر الأحمر، إذ أثر ذلك في سياستها الخارجية".

 

وحول الجغرافيا السياسية الإسرائيلية يشير يشيليورت إلى أن إسرائيل أنشأت ميناء إيلات على البحر الأحمر حتى لا يكون اتصالها مع دول العالم مقتصراً على البحر الأبيض المتوسط.

 

ويلفت إلى أن إسرائيل "تولي أهمية كبيرة لمضيق تيران الذي تسبب إغلاقه باشتعال حرب عام 1967، باعتبار أن المضايق أداة لتنسيق الأهداف السياسية والعسكرية والاقتصادية بين الدول المتنافسة".

 

ويوضح يشيليورت أن "إلحاق جزيرتي تيران وصنافير بالسعودية قد يؤدي إلى الهيمنة السعودية على البوابة الجنوبية لإسرائيل، لذلك فإن توقيع اتفاق سلام مع السعودية أمر لا مفر منه".

 

التجارة عنوان المنافسة

 

ويرى المختص في العلاقات الدولية عوني هارون أن طبيعة المنافسة في البحر الأحمر تحكمها السيطرة على بوابة التجارة العالمية، حيث يعبر من خلاله ما يقارب 12% من مجموع التجارة العالمية، وبالتالي فإن الدول التي تعزز وجودها في المنطقة ستكون الأكثر قدرة على التحكم بملفات عديدة.

 

ويقول هارون لـTRT عربي إن التنافس الدولي على الثروات في منطقة سواحل إفريقيا وجزيرة العرب فرض اتجاهاً بارزاً لعسكرة البحر الأحمر لأجل حماية المصالح الاقتصادية، فالولايات المتحدة الأمريكية أنشأت أكبر قواعدها العسكرية في إفريقيا في دولة جيبوتي، والقاعدة الإسرائيلية في إريتريا.

 

ويؤكد أنه بالإضافة إلى الأهمية التجارية للبحر الأحمر فإنه يعكس مؤشر تبدل موازين القوى، في ظل واقع جديد يتسق فيه معظم توجهات روسيا والصين ضد الولايات المتحدة بعد تفاهمات القوتين في شنغهاي إبان الحرب الأوكرانية.

 

أبعاد الصراع الحالي

 

ويربط أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية الدكتور رائد نعيرات أحداث البحر الأحمر برغبة الحوثيين في إبراز أنفسهم على خريطةٍ استراتيجية في غاية الأهمية بالنسبة إلى العالم ودول النفوذ في المنطقة.

 

ويقول نعيرات لـTRT عربي إن "إيران بدعمها للحوثيين تهدف إلى السيطرة على باب المندب كما هي الحال في مضيق هرمز، وبذلك تحقق الهيمنة على منافذ الخليج، ما يمنحها اقتداراً دولياً".

 

ويرى أن إيران والحوثيين "قد استغلُّوا عملية طوفان الأقصى بصفتها قضية عادلة جداً، من أجل أن يثبتوا لمنافسيهم من القوى الدولية ما الذي يعنيه تجاوز إيران في ما يتعلق بأمن المنطقة".

 

وبعد أن أظهرت هجمات الحوثيين على سفن الشحن أهمية النفوذ في البحر الأحمر، وتأثيرها في سياسات الدول العظمى في المنطقة، يعتقد الدكتور نعيرات أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تعمل على تطوير تحالف حارس الازدهار.

 

ويرى أستاذ العلوم السياسية أن دول المنطقة المطلة ستبدأ تتغير مواقفها تدريجياً، نتيجة تأثرها بالإغلاق وإعاقة حركة الملاحة، ما قد يشكل ضغطاً على إيران والحوثيين من أجل السماح بحرّية الملاحة في باب المندب.

 

وكانت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 قد تسببت في تغيير التوازن الأمني في منطقة البحر الأحمر، إذ شنت جماعة الحوثيين المتمركزة في الجمهورية اليمنية هجمات عدة على سفن الشحن التي تعود ملكيتها إلى شركات إسرائيلية.


التعليقات