سؤال بؤس الحرب عن بهجة العيد.. كيف حال اليمن؟
- القدس العربي - أحمد الأغبري الثلاثاء, 09 أبريل, 2024 - 10:16 مساءً
سؤال بؤس الحرب عن بهجة العيد.. كيف حال اليمن؟

على الرغم من أن عددا من مناطق اليمن أعلنت توافقًا على عدم شراء ملابس وجعالة العيد تضامنًا مع غزة، وهي مواقف غير مسبوقة ومحسوبة لها، إلا أن معظم المناطق أبدت إصراراً على تحدي الفقر والعوز والابتهاج بأي قدر كان بالمناسبة على الرغم من حالة البؤس التي نالت من الجمع، والحرب في عامها العاشر.

 

بلا شك أن ملامح العيد تراجعت لدى الكثير، لكنها لم تختف، فاليمنيون لديهم قدرة عجيبة على التكيف مع ظروفهم، وبالتالي لا يمنحون مآسايهم قدرة على سلبهم مباهج مناسباتهم، وبخاصة الدينية منها، وفي مقدمتها الأعياد. ولهذا، وعلى الرغم من الكساد الظاهر على محلات الملابس والجعالة (المكسرات وباقات الشوكلاتة) فإن الجميع يحرص على أن يعيش المناسبة وفق إمكاناته، وإن كان البؤس عنوانًا لا يمكن تجاهله في واقعهم.

 

يمكن القول إن عيد الفطر يهل في سنة عاشرة حرب، وقد خبت ملامح أبرز تقاليد الاحتفاء به، فافتقار العائلات في بلد هو الأفقر في شبه الجزيرة العربية، وصل إلى حد لم يكن مشهودًا على مدى الستين السنة الماضية على أقل تقدير.

 

يحرص الآباء، كل وفق إمكاناته، على توفير ثلاثية العيد (الملابس الجديدة، جعالة العيد، العوادة -العيدية)، وإن أصبحت مشكلة مؤرقة، لأن غالبية أرباب العائلات في مناطق سيطرة جماعة “أنصار الله” (الحوثيون) فقدوا مرتباتهم الحكومية، مع استمرار صرفها في مناطق الحكومة المعترف بها، لكن ما يفاقم من ذلك أيضًا هو تدهور قيمة العملة الوطنية، وارتفاع أسعار معظم السلع لعشرة أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب، وبالأمر الذائقة الاقتصادية بوجهها الشاحب تحضر في جميع أنحاء اليمن، لاسيما مع استمرار تفاقم الأوضاع جراء تصاعد الصراع المالي الدائر بين طرفي النزاع الدائر، الأمر الذي أوصل الحياة المعيشية إلى مستويات لم يسبق أن شهدها اليمن منذ أكثر من نصف قرن.

 

وهو ما يمكن قراءته بوضوح في اتساع ظاهرة التسول لدرجة صار يمارسها مَن كانوا يعتقدون قبل الحرب أنهم لن يفتقروا، فهذا رئيس تحرير صحيفة الثورة الحكومية الأسبق، عبد الرحمن بجاش، كتب منشورًا على “فيسبوك” يُعرب فيه عن صدمته، عندما رأى صديقًا له “كان مسؤولًا محترماً” صار يتسول في الشارع، ومثله رئيس تحرير صحيفة عدن الغد، فتحي بن لزرق، الذي نشر في صفحته في ذات المنصة منشورًا عن امرأة تتسول في أحد شوارع عدن، وهي من عائلة معروفة. وهاتان قصتان تؤشران لما صار إليه حال الناس في شمال البلاد وجنوبها، وبالتالي يمكن القياس من خلالهما.

 

شهدت أسواق بيع الملابس في جميع مدن اليمن تغيرًا نوعيًا تمثل في انتشار المحلات التي تقدم عروضًا بأسعار مخفضة وموحدة، وهي عادةً ملابس تصفيات مصانع وماركات مضى عليها سنوات، لكن الأسعار المخفضة هي ما صار يطلبه غالبية الناس، ويبحث عنه معظم الآباء عند نزولهم للأسواق لشراء ملابس العيد.

 

القدرة الشرائية للمواطن اليمني تسجل تراجعًا كل عام، مع استمرار ارتفاع الأسعار بالتوازي مع استمرار تراجع دخل الفرد، ولذا يجد المواطن نفسه كل عام غير قادر على مجاراة الوضع، فيضطر في سياق معركته مع الحياة للبحث عن وسائل أخرى للتكيف، فيبدأ المجتمع جراء ذلك في ابتكار وسائل جديدة يتعايش من خلالها مع اتساع دائرة البؤس العام.

 

تمثل جعالة العيد أبرز ما تحرص عليه الأسرة اليمنية بعد توفير ملابس أطفالها، ونتيجة ارتفاع الأسعار وتراجع دخل الأسرة، لم تعد بعض الأسر قادرة على شرائها، ومَن يستطع من محدودي الدخل فإنه يلجأ إلى عروض التخفيضات وباقات السلال التي تقدمها المحلات، فيما باتت بعض الأسر تلجأ للاكتفاء بكعك العيد.

 

من أبرز أساليب العائلات في التكيف مع العجز عن شراء جعالة العيد، هو ابتكار أنواع جديدة من الكعك يتم صناعتها بطريقة يتنوع معها الكعك شكلاً ومكونات ليكون مناسبا لاستقبال ضيوف العيد بدلاً من الجعالة.

 

مما سبق، فقد شمل بؤس الحرب تقاليد عيد الفطر، وبخاصة ما كان معهودًا لدى المجتمع فيما تُعرف بالعوادة أو ما تُعرف في بلدان أخرى بالعيدية، وهو أن يذهب الرجل لزيارة أقاربه من النساء وينفحهن مالا، كتقليد متوارث منذ مئات السنين، ولا يقتصر نفح المال للنساء، بل أيضًا لأطفالهن. هذا السلوك تراجع ولم ينقطع لعجز معظم اليمنين عن القيام به، ومن يقوم به لم يستطع إضافة زيادة عن المبلغ الذي كان ينفحه قبل الحرب، والبعض صار يقتصر على الزيارة دون نفح مال، فيما البعض الآخر يلجأ إلى دعوة أقاربه من النساء وأطفالهن إلى منزله، وهناك يكون قد أعد باقة متنوعة من كعك العيد بالإضافة إلى الهدايا التي يتم إعدادها في المنزل، لمنحها للأطفال بدلا عن المال.

 

على الرغم من ذلك، يبقى اليمنيون في مواجهة مستمرة مع تصاعد الضائقة الاقتصادية التي يضاعف من قسوتها استمرار الحرب الاقتصادية التي لا تلقي بالا بالناس، بل يبقى هؤلاء الناس هم ضحايا الحرب دائمًا.


التعليقات