هل ستنجح إيران وحلفاؤها الحوثيون في تحويل اليمن إلى ساحة لصراع دولي على غرار سوريا؟ (تحليل خاص)
- عبدالسلام قائد - خاص الاربعاء, 19 أكتوبر, 2016 - 07:57 مساءً
هل ستنجح إيران وحلفاؤها الحوثيون في تحويل اليمن إلى ساحة لصراع دولي على غرار سوريا؟ (تحليل خاص)

يتخوف كثير من المراقبين والمحللين السياسيين من إمكانية تحول اليمن إلى ساحة لصراع دولي محتمل على خلفية التطورات الأخيرة التي وقعت بالقرب من مضيق باب المندب، والمتمثلة في إقدام الانقلابيين في اليمن على استهداف سفينة مساعدات إماراتية، ثم استهداف مدمرة أمريكية ترسو بالقرب من مضيق باب المندب بواسطة صواريخ إيرانية الصنع عدة مرات، والتهديد باستهداف أي سفينة لم تحصل على ترخيص منهم.
 
وبما أن هذه المخاوف تبدو منطقية، استناداً إلى طبيعة الصراعات الحديثة بين الدول الكبرى، والتي تتمحور حول السيطرة على طرق التجارة والمضايق والبحار والمحيطات، لكن هل بالفعل ستتحول اليمن إلى ساحة لصراع دولي محتمل؟ وهل إيران قادرة على جر اليمن إلى هذا المربع عبر وكلاءها الحوثيين وحليفهم المخلوع علي صالح؟ وهل الدول الكبرى لديها الاستعداد الفعلي لخوض حرب كهذه؟
 
 الطموح الإيراني
 
يدرك الانقلابيون جيداً أنه ليس من مصلحتهم الدخول في صراع مع الدول الكبرى حول مضيق باب المندب، لكن تحالفهم مع إيران وقبولهم بأن يكونوا أداة طيعة بيدها لتعزيز نفوذها من جانب، وشعورهم بأن الانقلاب مصيره الفشل من جانب آخر، سيجعلهم يغامرون بمثل هكذا خطوات، عملاً بخيار "عليّ وعلى أعدائي"، بصرف النظر عن نتائج ذلك.
 
في ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ، ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﻤﻀﻴﻖ ﺟﺰﺀاً ﻣﻦ ﺃﻋﺎﻟﻲ ﺍﻟﺒﺤﺎﺭ، ﻟﻜﻞ ﺍﻟﺴﻔﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﻭﺭ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﻻ ﻳﻀﺮ ﺑﺴﻼﻣﺔ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﺴﺎﺣﻠﻴﺔ ﺃﻭ ﻳﻤﺲ ﻧﻈﺎﻣﻬﺎ ﺃﻭ ﺃﻣﻨﻬﺎ، ويعني ذلك أن الملاحة في مضيق باب المندب تخضع ﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺘﺮﺍﻧﺰﻳﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻔﺮﺽ ﺷﺮﻭﻃًﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻔﻦ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﺮﻭﺭﻫﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﺮﻳﻌًﺎ، ﻭﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺗﻮﻗﻒ ﺃﻭ ﺗﻬﺪﻳﺪ ﻟﻠﺪﻭﻝ التي تشرف عليه.
 
وبسبب المخاوف من التهديدات التي قد تطال المضايق البحرية، عملت بعض الدول على مد أنابيب لتصدير منتجاتها من النفط والغاز عبر طرق برية بديلة، وفي نفس الوقت، دفعت هذه المخاوف دولاً عديدة لتعزيز حضورها في البحار والمحيطات والمضايق البحرية بهدف حماية سفنها التجارية، خاصة في مناطق الصراع الملتهبة في الشرق الأوسط.
 
وإذا كانت الدول الكبرى قد توصلت إلى اتفاقيات، في أحيان كثيرة، تنظم طرق التجارة الدولية، وتمنع نشوب نزاعات سيرتد أثرها السلبي على الجميع، لكن إيران بدأت مؤخراً تعمل على تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال محاولتها السيطرة على المضايق المهمة في المنطقة العربية، كما عملت على نشر سفن حربية بالقرب من بعض المضايق بذريعة حماية سفنها التجارية من أي تهديد محتمل، كما فعلت بعض الدول الكبرى.
 
وخلال السنوات السابقة، كانت إيران تهدد بإغلاق مضيق هرمز في حال تعرضت منشآتها النووية للقصف، قبل اتفاقها النووي مع الدول الغربية، ويبدو أن تلك التهديدات أفادت إيران كثيراً في إدارة حوارها مع الغرب.
 
ومؤخراً، دفعت إيران حلفاءها في اليمن إلى تهديد طريق الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب، بهدف تعزيز نفوذها في المنطقة، حيث ذكرت تقارير صحفية أن إيران أرسلت عدداً من سفنها الحربية إلى البحر العربي وخليج عدن، بعد التوتر الأخير بالقرب من مضيق باب المندب، وإقدام الولايات المتحدة الأمريكية على قصف رادارات للانقلابيين رداً على استهدافهم لمدمرة أمريكية قبالة السواحل اليمنية عدة مرات.
 
تهدف إيران من محاولاتها لتعزيز نفوذها في المضايق الواقعة في محيطها الجغرافي إلى هدفين رئيسين، الأول، القدرة على إمداد حلفاءها بمختلف أنواع الدعم دون أن تتعرض سفنها للتفتيش والمصادرة. والثاني، تعزيز مكانتها التجارية العالمية، فإيران تتمتع بموقع استراتيجي هام من الناحية التجارية، كونها تربط بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب، وكانت قديماً تقع على طريق الحرير التجاري الشهير، وبالتالي، فإن تعزيز نفوذها في البحار والمضايق الواقعة في محيطها الجغرافي، من شأنه أن يعزز من موقعها الاستراتيجي ومكانتها التجارية على مستوى العالم.
 
اليمن ولعنة باب المندب
 
في الواقع، تتمتع اليمن بموقع استراتيجي هام عالمياً بسبب إشرافها على مضيق باب المندب، وبدلاً من أن تستثمر اليمن موقعها هذا لتعزيز مكانتها الدولية، إلا أن موقعها تحول إلى "لعنة" ظلت تطاردها عبر مراحل تاريخية مختلفة، ذلك أن موقعها أثار شهية الإمبراطوريات والدول الكبرى عبر مختلف حقب التاريخ، وكانت اليمن من أكثر المناطق في العالم التي تعرضت لغزوات خارجية طمعاً في موقعها الاستراتيجي.
 
وفي مرحلة ما بعد الاستعمار، لم تستطع اليمن تعزيز مكانتها الدولية بإشرافها على مضيق باب المندب، وذلك بسبب ضعف الأنظمة السياسية المتعاقبة التي حكمتها، وأدى ذلك إلى ازدياد التواجد العسكري الدولي بالقرب من مضيق باب المندب أكثر من أي مضيق آخر في العالم، وذلك لعدم أهلية اليمن لحماية المضيق، خاصة بعد انتشار تنظيم القاعدة في اليمن وشبه الجزيرة العربية، واتساع نطاق القرصنة البحرية التي قامت بها جماعات صومالية متشددة في أحيان كثيرة.
 
هذه المخاطر دفعت دولاً كثيرة إلى نشر سفن عسكرية بالقرب من مضيق باب المندب بذريعة حماية سفنها التجارية، أبرزها، الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، تركيا، الصين، وأخيراً إيران، بالإضافة إلى تواجد عسكري محدود لبعض الدول وفي فترات متفرقة.
 
وبالرغم من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على مختلف البحار والمحيطات والمضايق في العالم، بما فيها تلك الواقعة شرق قارة آسيا، ومحاولة دول كبرى منافسة الولايات المتحدة في هذا الجانب، إلا أنه لم تلح بعد مؤشرات مواجهة عسكرية بين أياً من الدول الكبرى بغرض السيطرة على المضايق والبحار والمحيطات، والسؤال هنا، هل إيران قادرة على جر العالم إلى صراع على اليمن بسبب مضيق باب المندب؟
 
 بين الواقع والمستحيل
 
في الواقع، تطمح إيران إلى جر الدول الكبرى إلى حرب عالمية في اليمن، بهدف خلط الأوراق وتأجيل هزيمة حلفاءها الحوثيين، وبشكل يمكنها من التدخل العسكري المباشر لمساندتهم، وأيضاً التأثير اقتصادياً على دول الخليج، كون معظم صادراتها النفطية تمر عبر مضيق هرمز ثم مضيق باب المندب.
 
صحيح أن إيران ستتضرر اقتصادياً في حال تم قطع طريق التجارة الدولية عبر مضيق باب المندب، لكن ضررها سيكون أقل من ضرر دول الخليج، لامتلاكها بدائل لتصدير منتجاتها النفطية والغازية، كما أن غالبية صادراتها النفطية لا تمر عبر مضيق باب المندب، وإنما يتم تصديرها عبر أنابيب تمتد إلى البحر الأسود عبر الأراضي التركية، بعد أن كانت تمر عبر العراق وسوريا إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط قبل الحرب الأهلية السورية، وصادراتها إلى الصين تتجه شرقاً مباشرة، ولا تمر عبر مضيق باب المندب.
 
لكن إيران، وحلفاءها الحوثيين، في حقيقة الأمر، ليس لديهم القدرة على جر الدول الكبرى إلى صراع دولي في اليمن، فمن ناحية، فهم غير مؤهلين لإدارة مثل هكذا صراع، ومن ناحية ثانية، لا توجد خلافات بين الدول الكبرى حول مضيق باب المندب، وبالتالي، فهم يأملون أن تتدخل روسيا في الصراع، لكن روسيا، بسبب موقعها الجغرافي البعيد، لا يمثل مضيق باب المندب أي أهمية لها، لعدم مرور صادراتها أو وراداتها من خلاله، كما أن روسيا تدرك جيداً أن الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوروبا، المنضوية في حلف شمال الأطلسي، لن تسمح لها بالسيطرة على مضيق باب المندب، لأنها إن فعلت ذلك، سيعتبر بمثابة تهديد واستفزاز للدول الغربية، نظراً لعدم وجود مبررات للسيطرة والتدخل العسكري.
 
كما أن روسيا لم تنس الدرس الذي تلقته في أفغانستان إبان الحقبة السوفيتية، عندما احتلت أفغانستان بغرض الوصول إلى مضيق هرمز والسيطرة عليه، من أجل السيطرة على تجارة النفط في المنطقة، ففي ذلك الحين، دعمت الدول الغربية المجاهدين من مختلف الدول العربية والإسلامية لمواجهة الروس في أفغانستان، وانتهت الحرب بهزيمة مدوية للروس.
 
تقدير خاطئ
 
وإذا كانت إيران وحلفاؤها الحوثيون يأملون في التدخل العسكري الروسي في اليمن، على غرار سوريا، إلا أن هذا تقدير خاطئ، فتدخل روسيا في سوريا يأتي بسبب التحالف القوي والاستراتيجي بين موسكو ونظام بشار الأسد في دمشق، وهو ما لا يتوفر في الحالة اليمنية، فعلاقة روسيا مع الانقلابيين في اليمن عادية، ولا تصل إلى مستوى علاقتها مع نظام بشار الأسد، كما أن روسيا لم تحقق أهدافها كاملة من التدخل في سوريا، وهذا لا يشجعها على التدخل في اليمن، لاختلاف نوعية الصراع من جانب، وعدم وجود مبررات التدخل في اليمن من جانب آخر، خاصة وأن روسيا علاقتها جيدة بالسلطة الشرعية.
 
وحتى إذا افترضنا أنه سيكون هناك تدخل روسي عسكري محدود تحت إلحاح من إيران والحوثيين بهدف خلط الأوراق، وتعزيز مكانة روسيا في المنطقة، لكن هذا التدخل لا يمكن أن يؤثر على معادلة الصراع على الأرض، وستكون عقوبته وخيمة على الانقلابيين وعلى روسيا ذاتها، كون التدخل سيستفز دول التحالف العربي من جانب، التي تربط كثير منها علاقة جيدة بروسيا، ومن جانب آخر، سيهز التدخل من سمعة روسيا عالمياً، لمؤازرتها الانقلابيين في اليمن ضد سلطة شرعية تعترف بها كل دول العالم ومنظمة الأمم المتحدة، وتعترف بها روسيا ذاتها.
 


التعليقات