"سقاية السبيل".. ثقافة وفن ومصدر أساسي لمياه الشرب في مأرب (صور)
- مأرب - محمد حفيظ الخميس, 30 أبريل, 2020 - 12:03 صباحاً

[ "سقاية السبيل" في مأرب ثقافة وفن ومصدر أساسي لمياه الشرب ]

تنتشر بأشكالها الفنية وألوانها الزاهية ونقوشها المزخرفة في شوارع وأزقة مدينة مأرب، "سقاية السبيل"، ثلاجات لمياه الشرب مبردة نقية على شكل برج مزخرف يسر الناظرين ويروي العاطشين.

 

تحمل هذه "السقايات" على جدرانها نحوتا فنية للمساجد الحضرمية القديمة، يغطي سقفها قبة صغيرة يروي العاطش منها الماء بسرور بعد النظر إلى جمالها.

 

يتم تصميم تشكيلات ونقوش هذه "السقايات" كالمباخر ومنها القبب القديمة ومساجد تاريخية مثل جامع المحضار ونقوش صنعاء القديمة، ونحوت نوافذها وغيرها الكثير.

 

 

تصنع تلك البرادات الثقيلة خصيصا لفعل الخير ونشر الفن والتاريخ الحضرمي قادمة من مصانعها في تريم فقط إلى بعض المحافظات اليمنية منها محافظة مأرب التي راج انتشارها في كل حارات المدينة وأزقتها وشوارعها ومؤخرا في مخيمات النازحين، وكذا تصدر إلى بعض دول الجوار قبل إغلاق المنافذ بسبب انتشار فيروس كورونا.

 

وبسبب عدم توفر المياه الصالحة للشرب في المحافظة إلا بمبالغ مالية وعبر "الصهاريج"، تحول نفع هذه البرادات من ري عابري السبيل في ظل النزوح الكبير الذي تشهده محافظة مأرب إلى أحد أساسيات مصادر مياه الشرب للنازحين في المحافظة التي تعج بالمياه المالحة.

 

 

ورغم أسعارها الباهظة يصر المأربيون وفاعلو الخير على تقديم الأجر بهذه "السقاية"واختيار ألوانها وأشكالها الفنية بعناية، دون غيرها التي تنتشر في معظم محافظات البلاد والتي هي أقل ثمنا مثل الكوز وغيره من الأواني والفخار التقليدي.

 

وخلال شهر رمضان تزداد هذه البرادات المجانية انتشارا في مأرب بشكل أكبر على قدر انتشار وتوسع المحافظة وتوسع انتشار النازحين فيها.

 

 

ويعد رمضان موسم التجار لبيع هذه البرادات لفاعلي الخير حيث يتاجر بها شخصان من أبناء مأرب ويستوردونها حسب الطلب من مصانعها بحضرموت.

 

"أحمد واكد"، أحد تجار هذه "السقايات" بمأرب قال إن "سقاية السبيل يقوم باستيرادها حسب طلب زبائنه من مصنع مدينة تريم بحضرموت (شرقي اليمن) والتي يقبل على شرائها الزبائن من فاعلى الخير في شهر رمضان بشكل كبير وكذلك أيام الصيف حيث الحرارة المرتفعة في مأرب ذات الطقوس الحارة والصحراوية".

 

 

وأضاف أحمد في حديثه لـ"الموقع بوست" أن فاعلي الخير يشترونها لتوزيعها على مخيمات النازحين مؤخرا، وكانت سابقا ولا زالت توزع على الطرق والحارات السكنية والمدارس والمساجد والأسواق إلى جانب مخيمات النازحين.

 

يشير التاجر أن بعض الزوجات والأمهات والآباء يبيعون ذهبهم أو حاجاتهم ليشتروا مثل هذه "السقايات" عندما يتوفى أو يستشهد أحد أقاربهم ويقدمونها كصدقة جارية لفقيدهم وللترحم عليه.

 

 

ولفت أحمد إلى أن أسعار هذه "السقاية" مرتفع حيث يصل ما بين 500 ألف ريال للنوع الصغير و600 ألف ريال لكبيرة الحجم، موضحا أن هذا النوع الخاص من "السقايات" ينتشر في محافظات يمنية محدودة مثل مأرب وحضرموت وبدأ حاليا انتشارها في محافظة شبوة، بينما يتم تصديرها إلى خارج البلد وإلى دول مجاورة، حد قوله.

 

يقول هذا التاجر إنه باع خلال الأربعة الأيام الأولى من شهر رمضان الحالي سبع "سقايات" كلها تم توزيعها على مخيمات النازحين بالمحافظة، وهذا فقط بداية الشهر متوقعا بيع المزيد من البرادات خلال ما تبقى من الشهر الكريم، ويصل معدل بيعه لتلك البرادات خلال رمضان في الأعوام السابقة إلى 30 برادة مياه كسبيل.

 

 

فالجميع هنا بمأرب يتوجهون صباحا ومساءً إلى هذه البرادات التي لا تنضب على مدار الأسبوع لري أطفالهم، حيث يتكفل فاعل الخير الذي اشتراها بتعبئة الخزان الذي يختبئ داخل البرادة بين الحين والآخر وبحسب استهلاكها يمر "صهريج" مياه الكوثر لتعبئته، حسب طلب فاعل الخير الذي يدفع تكاليف التعبئة، حسب الاتفاق مع مالك محطة المياه.

 

نبيل عايض مهدي، أحد النازحين في مأرب وإداري في إحدى محطات مياه الكوثر أكد أن محطته من ضمن الكثير من محطات مياه الكوثر التي تقوم بتعبئة جزء من برادات السبيل المنتشرة في شوارع المحافظة.

 

 

ولفت إلى أن فاعل الخير عندما يشتري البرادة ويوزعها يذهب إلى محطة المياه للاتفاق مع المحطة لتعبئة خزان البرادة كل ثلاث أو أربع أيام حسب الاستهلاك ومن ثم يتم دفع الحساب كل شهر من قبل فاعل الخير حسب مرات التعبئة وحجم الخزان حيث تختلف أحجام الخزانات في كل برادة.

 

 

ويتسع السباق هنا لفعل الخير بإقامة مشاريع خيرية ومبادرة الأسر والمحسنين بتركيب برادات مياه السبيل في الأحياء السكنية، لتكون بمثابة صدقة جارية عن أمواتهم أو خدمة إنسانية تقدم لعابري السبيل ومحتاج لا يقدر على شراء الماء في ظل العوز الذي يمر به المواطن اليمني.


التعليقات