صنعاء: أزمة وقود تعصف بالمواطنين دون آمال بانفراجات قريبة (تقرير)
- صنعاء - خاص الخميس, 10 مارس, 2022 - 04:23 مساءً
صنعاء: أزمة وقود تعصف بالمواطنين دون آمال بانفراجات قريبة (تقرير)

[ أزمة غاز بصنعاء سجلت أوجه متعددة للمواطنين في مناطق سيطرة الحوثي ]

ركن محمد المشولي باص الأجرة خاصته إلى جوار منزله في شارع القاهرة (وسط صنعاء) ممتنعا عن مواصلة عمله في إيصال ركاب الأجرة في نطاق الجامعة - الحصبة؛ بسبب أزمة المشتقات النفطية التي تعد الأشد من نوعها في العاصمة صنعاء منذ سنوات، حيث وصل سعر العبوة البنزين سعة 20 لترا في السوق السوداء إلى نحو 40 ألف ريال يمني، بواقع 66 دولارا، وبلغ سعر اسطوانة الغاز المنزلي كذلك إلى 20 ألف ريال يمني، بواقع 33 دولارا، وهي أعلى تعرفة سعرية للوقود في صنعاء منذ بداية أزمة الصراع، الأمر الذي تسبب بارتفاع في الأسعار شمل الكثير من السلع، منها المواد الغذائية الأساسية نتيجة لارتفاع أجور النقل.

 

معاناة هي الأشد في صنعاء

 

وتسببت أزمة الوقود التي تخنق العاصمة صنعاء للشهر الثالث على التوالي، بحدوث زيادرات سعرية انعكست بشكل مباشر في تعرفات وجبات المطاعم وفي المواصلات وتعرفات استهلاك الكهرباء التجارية، الأمر الذي شل حركة الحياة داخل المدينة وفاقم من معاناة المواطنين المستمرة منذ سبع سنوات، فقد توقفت بعض قطاعات العمل، خصوصا تلك المعتمدة في نشاطها بشكل كلي على الوقود.

 

وخلال الأيام الأخيرة، أضحت شوارع مدينة صنعاء شبه خالية بعد توقف حركة المرور إلى حد كبير واصطفاف المركبات في طوابير طويلة أمام محطات الوقود للحصول على البنزين بالسعر الرسمي المقدر بـ 9900 ألف ريال للعبوة 20 لترا، والذي لا تصرفه المحطات سوى مرة أو اثنتين في الأسبوع، بسبب شح الإمدادات النفطية، الأمر الذي دفع بالكثير من سائقي مركبات الأجرة داخل المدينة إلى التوقف -كما فعل السائق المشولي- وخلق أزمة مواصلات حادة دفعت بالكثيرين، لا سيما طلاب جامعة صنعاء إلى قطع مسافات طويلة سيرا على الأقدام.

 

أسباب الأزمة

 

تتهم جماعة الحوثي التحالف العربي بالوقوف خلف الأزمة باحتجاز العشرات من سفن المشتقات النفطية في البحر الأحمر ومنع وصولها إلى ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الجماعة، وهي تهمة ينفيها التحالف والحكومة اليمنية التي تتهم شركة النفط التابعة لها الحوثيين بافتعال أزمة مشتقات نفطية في مناطق سيطرتها، من خلال قيامها بمنع المئات من ناقلات الوقود القادمة من مناطق الحكومة الشرعية من الدخول واحتجازها في محافظتي الجوف والبيضاء، لأغراض التربح عبر المتاجرة بالوقود في السوق السوداء، إضافة إلى محاولة الضغط على الأمم المتحدة للتوسط لإدخال سفن النفط التجارية الخاصة بالجماعة والتي تأتي من إيران منذ سنوات، عبر موانئ صلالة في عُمان وأم قصر بالعراق والحميرية بالشارقة، وتصل إلى رأس عيسى في البحر الأحمر، وفق بيانات تقرير فريق الخبراء الأممين بشأن اليمن للعام 2019.

 

تداعيات سيئة

 

منذ الأسابيع الأولى للأزمة التي بدأت مطلع يناير الماضي، عمدت شركات الكهرباء التجارية إلى تقليص ساعات العمل إلى قرابة النصف، ورفع التعرفة السعرية من 250 ريال إلى نحو 500 ريال للكيلو الوات الواحد، الأمر الذي شكل عبئا إضافية على تجار المثلجات والتبريد في صنعاء وعلى المواطنين المستخدمين للتيار الكهربائي المرهقين أساسا من الأزمات المتلاحقة منذ أول الحرب.

 

وانعكست الأزمة أيضا، على قطاع النقل التجاري والمواصلات العامة، فقد شهدت السلع الغذائية الرئيسية المستوردة كالقمح والدقيق والزيت والسكر زيادات سعرية بنسبة وصلت إلى 20٪ خلال الأسابيع الخمسة الماضية، بررها التجار بأزمة ارتفاع تكاليف النقل بين المحافظات التي ترتبط أصلا بأزمة المشتقات النفطية.

 

من ناحية أخرى، شهد قطاع المواصلات ارتفاعا سعريا وصل إلى 100٪ في تعرفة المواصلات المحلية داخل أمانة العاصمة، وإلى أكثر من 75٪ في تعرفة المواصلات من العاصمة صنعاء إلى باقي المحافظات، وهو ما اضطر الكثير من المواطنين في صنعاء إلى إنجاز المشاوير مشيا على الأقدام، لا سيما طلاب جامعة صنعاء، الذين يضطر الكثير منهم -بحسب تأكيدات وصلت "الموقع بوست"، إلى قطع مسافات طويلة جيئة وذهابا مشيا على الأقدام من وإلى الجامعة، الأمر الذي يتسبب في تأخرهم عن بعض المحاضرات ويؤثر على تحصيلهم الدراسي.

 

أزمة الغاز

 

تحتكر جماعة الحوثي عملية توزيع الغاز المنزلي في مناطق سيطرتها، إذ كانت الشركة اليمنية للغاز التابعة للجماعة قد أقرت مطلع العام 2018 آلية لتوزيع الغاز المنزلي عبر عقال الحارات والمناطق السكنية بناء على كشوفات بأسماء المواطنين يتم رفعها للشركة من قبل العُقّال بالتعاون مع المجالس المحلية، لتقوم الشركة برفد الحارة السكنية الواحدة بـ 200 اسطوانة غاز في الشهر، ليتم توزيعها بالأسماء عبر عقال الحارات ضمن عملية معقدة تتضمن إجراءات تسجيل لأسماء المواطنين واصطفافات أمام منازل العقال تستمر لأيام مقابل الحصول على اسطوانة غاز بتعرفة سعرية تصل إلى نحو 5 آلاف ريال.

 

وأدى اعتماد هذه الآلية الاحتكارية إلى اختفاء محطات بيع الغاز التجارية، وحدوث تلاعبات في عملية التوزيع التي لا تخلو من العبث والمحسوبية، الأمر الذي يدفع بالكثير من المواطنين إلى اللجوء لشراء الغاز من السوق السوداء بأسعار باهضة وصلت خلال الأيام الأخيرة إلى نحو 20 ألفا للاسطوانة الواحدة، وتُرفد تلك الأسواق بمادة الغاز من المواطنين الذين يحصلون على عدد أكبر من الاسطوانات من عقال الحارات، كما تُرفد أيضا من العُقّال أنفسهم، وفق المواطن عبدالرحمن الضلاعي الذي يشكو من ذلك التعسف.

 

اضطرت أسرة الضلاعي التي تسكن وسط المدينة إلى استخدام الحطب في عملية الطهي المنزلي عوضا عن الغاز الذي بات معدوما وباهض الثمن، وهو خيار لجأ إليه الكثير من المواطنين في العاصمة صنعاء خلال الفترة الأخيرة، من ضمنهم ملاك مخابز باتوا يعتمدون على الحطب كمادة بديلة للغاز في تشغيل مخابزهم.

 

معاناة متواصلة ولا انفراجات

 

وكانت شركة الغاز في صنعاء قد أعلنت أمس الأول عن قرب انفراج أزمة الغاز المنزلي، قائلة إنها ستستأنف توزيع الغاز لمحطات السيارات وكبار المستهلكين خلال الأيام القليلة القادمة، لكن تلك الخطوة لم تفلح في طمأنة المواطنين الذين لم يعودوا يثقون بالوعود الحوثية وقد بات الوقود القطاع الأكبر الذي يتجلى من خلاله فساد الجماعة وانتهازيتها في إدارة الأزمات.

 

وبسبب استمرار أزمة الوقود الأشد في العاصمة صنعاء يعيش المواطنون اليوم معاناة هي الأسوأ من نوعها منذ سنوات دون حيلة أو أمل بخلاص قريب، إذ تعصف بهم ظروف معيشية هي الأسوأ في العالم. ورغم ذلك، يستمر الصراع في البلد للعام السابع على التوالي دون الأخذ في الاعتبار الأزمة الإنسانية المتفاقمة التي يعيشها اليمنيون، والتي قد تفضي إلى تداعيات خطيرة وكارثية على كافة المستويات.


التعليقات