لماذا تواصل واشنطن ابتزاز الرياض؟! تقرير خاص للموقع بوست
- خاص - متولي محمود السبت, 21 مايو, 2016 - 07:06 مساءً
لماذا تواصل واشنطن ابتزاز الرياض؟! تقرير خاص للموقع بوست

[ أثناء زيارة أوباما الأخيرة للسعودية ]

قدمت السعودية الكثير للولايات المتحدة، ولا تزال. ومع هذا تظل سياسة "الابتزاز" هي السائدة بالنسبة للإدارات الأمريكية المُتعاقبة؛ لعل إدارة "أوباما" تبدو الأكثر ضراوة. تمارس واشنطن، حاليا، ضغوط كبيرة على أكبر حلفائها في المنطقة. والأسباب واضحة للغاية "محاولة سعودية للخروج من تحت عباءة الوصاية، إلى بساط الشراكة، والتملص من الابتزاز المتنامي بشكل خطير مؤخرا".
 
تُقدر ﺣﺠﻢ ﺍﻻﺳﺘﺜﻤﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ حوالي 116 مليار دولار ﻓﻲ "ﺃﺫﻭﻥ ﻭﺳﻨﺪﺍﺕ ﺍﻟﺨﺰﺍﻧﺔ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ" فقط. وبحسب تقرير لصحيفة "بولمبيرج"، فإن هذا الرقم لا يشمل الاستثمارات السعودية الأخرى، سواء الحكومية أو الخاصة. رقم مهول، ومع ذلك، تمارس واشنطن ابتزازات أخرى، لزيادة الرصيد من جهة، ولضمان استمرار "الوزة الذهبية" في إنتاج البيضات الثمينة.
 
عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر المثيرة للجدل، كان الأمريكيون على أهبة الاستعداد لإحداث تغيرات جذرية في سياسة بلادهم الخارجية بما يليق بالحدث، والسماح لقواتها العسكرية بالخروج من مخدعها، والانتشار خارج الوطن حسب الحاجة. في ذلك العام المشؤوم، أطلق مصطلح "الإرهاب" والذي ظل بلا تعريف، إلا أنه شماعة لحروب واشنطن بحثا عن "الذهب الأسود".
 
بدأت أصابع الاتهام تُشير إلى الهنود الحُمر، غير أنها لم تلبث أن حلت على رأس "الشرق الأوسط" التعيس. كان منفذو الهجمات ينتمون للمنطقة العربية، نالت الجنسية السعودية النصيب الأكبر. إماراتيان، لبناني، مصري و 15 سعودي. هذا لا يعني أن الحكومة السعودية متورطة مباشرة في الأحداث؛ غير أنها كانت ملائمة لتكون محط ابتزاز واشنطن. لهث المحققون كثيرا لإدانتها، لكن تثبيت التهمة كانت شبه مستحيلة؛ فالسعودية لم تسلم هي الأخرى من هذه الأعمال في العمق السعودي. أضف إلى ذلك أنها، مع واشنطن، تشكل ثنائي في مكافحة هذا الوباء. ثم إنهم لم يكونوا مستعدين لخسارة الحليف الوحيد، والمُربح في المنطقة؛ إذ لم تكن إيران حينها قد دخلت دائرة الاهتمام.
 
لم يجد الأمريكيون بدا من تبرئة المملكة، لكنهم استخدموا الملف لفرض المزيد من الابتزاز. وعوضا عن ذلك، وجهت أصابع الاتهام إلى "تنظيم القاعدة"، وضربت الولايات المتحدة عصفورها الثاني، لكن هذه المرة في أقصى الشرق، لتمتد بعدها العمليات لتشمل معظم الدول الإسلامية في الشرق الأوسط. إنه قانون مكافحة الإرهاب، الذي أصدرته واشنطن كمواكبة للهجمات، ولتبدأ طورا جديدا من التسلط العابر للبحار، والذي بموجبه اجتيحت العراق، واستباحت "الدرونز" الأجواء اليمنية، وغيرها.
 
مؤخرا، وتحديدا بعد غزو العراق، تكشّفت للولايات المتحدة طرق جديدة، لضمان استمرار "الابتزاز" لدول المنطقة، تحت مسميات الحماية، خصوصا مع انكشاف لعبة "التنظيمات الإرهابية"، وتورطها بشكل سافر في صناعتها. لقد استحضرت "الصراع الطائفي" الذي مزّق أوروبا عقودا من الزمن. صراعات الكاثوليك والبروتوستانت الدامية. لقد بدأت واشنطن، فعلا، بتمكين الفرس الإيرانيين في المنطقة عبر تسليمهم العراق، وهم التواقون لاستعادة أمجادهم. هنا لن تضطر القوة الأكبر في العالم، لن تضطر لإرسال جنودها خارج الوطن مجددا؛ وسيتكفل الصراع الطائفي بإكمال المهمة في المنطقة. كان على السعودية، والخليج عموما، دفع المزيد لضمان حمايتها من المد الإيراني المتسارع. إنه الوضع المثالي لواشنطن حاليا. حماية من الغول الذي يتمدد شمالا؛ مع صناعة حثيثة لنموذج مماثل في الخاصرة تجاه الجنوب.
 
كانت الأمور تسير بشكل دراماتيكي، لولا تدخل العناية الإلهية أولا، ثم تغيّر جذري في النظام السعودي. التغير الذي ترك حماية واشنطن الابتزازية جانبا، وراح لمكافحة التمدد الفارسي خارج أسوار الوطن. بالنسبة للأمريكيين، حدث ما لم يكن أبدا في الحسبان، وما لم يعمل له إجراءات وقائية. ها هي السعودية تتدخل عسكريا في اليمن، وبتحالف وغطاء عربي، بينما تمارس واشنطن دور الحامي للمليشيات التابعة لإيران، رغم أنها تبدي عداوة ظاهرية لها. لا مجال، ولا داعي كذلك للخوض في كيفية دعم مليشيات الحوثي وصالح، وكيف تم تمكينهم من الانقلاب والسيطرة على البلاد.
 
عموما، تمضي واشنطن في ابتزازها للخليج عبر مسارين. الأول في الشمال، ومتمثل بتواجد مليشوي إيراني، رفقة مليشيات سنية أخرى مرعبة "داعش"، يسيران في ذات الاتجاه تقريبا، والوجهة صوب السعودية جنوبا، وحليفها التركي الجديد شمالا. أما المسار الثاني فيكمن في الجنوب، اليمن تحديدا. حيث تسعى واشنطن لإفشال عمليات التحالف العربي ضد الحوثيين، وتمكينهم، على أقل تقدير، من البقاء ضمن ائتلاف يحكم البلاد، على غرار حزب الله اللبناني، وثلثه المُعطل.
 
كلما حاولت السعودية الحسم، كلما أطلت واشنطن برأسها للضغط، أحيانا عبر حلفائها في الداخل، وأحيانا أخرى عبر الأمم المتحدة. كانت آخر زيارة لأوباما مُخيبة، وترتب عليها المزيد من الضغط الأمريكي. حاليا، وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على مناقشة مقترح قانون يسمح لأهالي ضحايا 11 سبتمبر مطالبة السعودية بتعويضهم، كنوع من الابتزاز، رغم تبرئتها سابقا من قبل لجنة تحقيق خاصة بالأحداث.
 
من الصعب إدانة السعودية بالتورط بالأحداث، لكن من السهل ابتزازها إلى أبعد حد. تأتي هذه التهديدات بالتزامن مع أنباء عن نية الإدارة السعودية لسحب استثماراتها في الولايات المتحدة، لدعم الاقتصاد الوطني، وتدشين مرحلة مابعد النفط. ربما أُعيد إثارة قانون التعويض، كرد أولي على هذا القرار، ومن يدري، ربما استصدرت واشنطن قرارا يقضي بتجميد تلك الأرصدة الاستثماراتية لصالح ضحايا هجمات سبتمبر.
 
ربما، بعد المزيد من التنازلات السعودية، ربما سمحت الإدارة الأمريكية بحلول ترضي السعودية في اليمن، لتبقى بلاوي الشمال المتنامية، أوراق أخرى لممارسة المزيد من الابتزاز. فواشنطن تعلم أنه لن يتعافى الاقتصاد اليمني المنهار إلا بالدعم الخليجي، والذي لن يتأتى إلا بزوال الانقلاب. فضلا عن ذلك، الكلفة الباهضة لإعادة الإعمار. ربما يحدث هذا فعلا، لكن بصفقة كبيرة لصالح بلد العم سام، قياسا بالضغوط التي تُمارس.
 
 
 


التعليقات