الجنوب والشمال مراحل التلاحم والانقسام عبر عقود (تحليل خاص)
- عبدالسلام قائد - خاص الجمعة, 03 يونيو, 2016 - 07:21 مساءً
الجنوب والشمال مراحل التلاحم والانقسام عبر عقود (تحليل خاص)

[ إرشيف ]

أثارت مطالب انفصال جنوب اليمن، التي ترفعها بعض فصائل الحراك الجنوبي ومجاميع سلفية متشددة، وما يرافقها من عمليات تهجير لمواطنين شماليين من مدينة عدن، أثارت قلق أنصار الوحدة، كون ذلك يأتي في وقت حساس للغاية، يمثل لحظة تحول تاريخية مهمة في تاريخ اليمن المعاصر، وذلك خشية أن يؤثر ذلك على طبيعة الحرب الدائرة حالياً بين قوات الحكومة الشرعية والميليشيات الانقلابية، وكذا على مفاوضات الكويت.
 
وتعكس مطالبة بعض فصائل الحراك الجنوبي بانفصال جنوب اليمن، والتي بدأت منذ الربع الأول من العام 2007، أحد جوانب الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ ذلك الحين وحتى الوقت الحاضر، رغم التقلبات الكبيرة التي شهدتها البلاد، من حراك شعبي سلمي للمطالبة بالإصلاح السياسي وإصلاح النظام الانتخابي، إلى ثورة شعبية سلمية أطاحت برأس النظام، ثم انقلاب على السلطة الشرعية، وحرب أهلية، ثم تدخل عربي، تبعه مساعي أممية لوقف الحرب ودعوة أطراف الصراع للحوار بحثاً عن حل سياسي.
 
عراقة الوحدة وشذوذ الانفصال
 
المتأمل في تاريخ اليمن القديم والحديث والمعاصر، سيجد أن الوحدة الوطنية والتلاحم الوطني بين مختلف مكونات الشعب اليمني هي الأساس الراسخ في مختلف حقب التاريخ، وسيجد الباحث أن دعوات الانفصال التي يرفعها بعض فصائل الحراك الجنوبي، ليست الأولى من نوعها، بل سبق أن ظهرت دعوات مماثلة وحالات انفصال محدودة في مختلف حقب التاريخ اليمني، وعادة ما كانت تظهر هذه الدعوات إما في لحظات التحول التاريخية، أو عندما تضعف السلطة المركزية، أو تتمكن إحدى القبائل من بناء قوة ذاتية تثير مطامعها للانفصال عن السلطة المركزية.
 
 والملاحظ أن كل المحاولات الانفصالية، تمثل حالات شاذة في تاريخ اليمن، وأن الوحدة ظلت بمثابة عقيدة سياسية -وأحياناً دينية - لليمنيين في مختلف حقب تاريخ اليمن.
 
ولعل رابطة الدم التي تجمع اليمنيين، وواحدية النسب، تلعب دوراً كبيراً في ترسيخ الوحدة الوطنية، وفي التاريخ، ولقد شهدت اليمن عبر تاريخها، تشكل دول مركزية قوية، امتدت إلى حضرموت وتهامة ومأرب والسلسلة الجبلية الممتدة شمال غرب البلاد، ولم تظهر النعرات الإنفصالية، إلا في حال ضعفت سلطة الدولة المركزية.
 
 التشطير الحديث والتلاحم الوطني
 
لم يعرف اليمنيون الانقسام إلى شمال وجنوب إلا في تاريخهم المعاصر، وذلك نتيجة للعديد من الأسباب، أولها، أن شمال اليمن خضع للحكم العثماني، فيما خضع الجنوب للاحتلال البريطاني، ثم إن العثمانيين أخطأوا عندما سلموا السلطة في الشمال للإمام يحيى حميد الدين، عندما قرروا مغادرة اليمن في أعقاب هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، والذي بدوره -أي الإمام يحيى- رسّخ الانقسام في اليمن بسبب الاتفاقيات التي عقدها عام 1934 مع بريطانيا من ناحية، ومع الملك عبدالعزيز بن سعود من ناحية ثانية، ذلك أن هذه الاتفاقيات قسمت اليمن إلى ثلاثة أجزاء: جزء مستقل تابع لحكم الإمام، وجزآن تم احتلالهما من قبل بريطانيا وابن سعود.
 
ثم ترسّخ الانقسام إلى شمال وجنوب، والذي كان قد تم بالفعل بسبب السياسات الخاطئة للإمام يحيى، عندما قامت ثورة 26 سبتمبر 1962 في الشمال ضد الإمامة، بشكل منفصل عن ثورة 14 أكتوبر 1963 في الجنوب ضد الاحتلال البريطاني، وتأسيس حكومة في كل شطر تختلف أيديولوجياً وسياسياً عن الحكومة الشطرية الأخرى، والخلافات حول طبيعة دولة الوحدة التي كان ينشدها شطرا اليمن.
 
ويمكن القول إن ما يحدث في البلاد حالياً من حرب أهلية وعمليات تهجير وخطف واعتقال وتعذيب وإخفاء قسري، لم تؤثر كثيراً على روح التلاحم الوطني شمالاً وجنوباً، والتي عرف بها اليمنيون طوال تاريخهم، حتى في ظروف الحرب، رغم التوجهات العنصرية والطائفية والمذهبية التي اتسمت بها بعض أطراف الصراع، خاصة جماعة الحوثيين وحليفهم صالح، وبعض فصائل الحراك الجنوبي، ومجاميع سلفية جهادية وانفصالية.
 
وحدة التمثيل الدبلوماسي والنضال
 
لا تقاس الوحدة اليمنية بالحركة الداخلية في الفضاء اليمني الواحد، وبما يتجاوز الحدود والانتماءات الجغرافية، وإنما تطال ميادين متصلة بسيادة الدولتين، كالتمثيل الدبلوماسي الذي يعتبر مقدساً بالنسبة للدول المستقلة.
 
 لقد كانت هذه السيادة المقدسة تخترق بمبادرات من دبلوماسيين يمنيين كانوا يمثلون، عند الضرورة، حكومتي صنعاء وعدن قبل الوحدة، فقد مثل الدكتور أحمد الصياد مراراً حكومتي اليمن في اليونسكو عندما كان سفيراً لصنعاء في المنظمة الدولية، وتحدث عبدالله الأشطل أحياناً باسم اليمنَيْن في الأمم المتحدة، وهو كان عضواً بارزاً في الحزب الاشتراكي اليمني، وممثلاً لعدن في نيويورك.
 
كما أنه أثناء سنوات التحرر الوطني اختلطت دماء اليمنيين شمالاً وجنوباً ضد الاستبداد والاحتلال، فهناك جنوبيون شاركوا في ثورة 26 سبتمبر في الشمال، وهناك شماليون شاركوا في ثورة 14 أكتوبر في الجنوب، وكانت عدن ملاذاً آمناً لأحرار الشمال الهاربين من بطش الأئمة قبل الثورة، وكانت صنعاء ملاذاً آمناً للجنوبيين الهاربين من بطش الحزب الاشتراكي. وفي الحرب الأخيرة بين الحكومة الشرعية وتحالف الحوثيين والمخلوع صالح الانقلابي، شارك شماليون في معركة تحرير عدن وغيرها من مدن الجنوب، وشارك جنوبيون في بعض جبهات الشمال، وما زالت صور التلاحم الوطني قائمة رغم الانقسامات الاجتماعية الخطيرة.
 


التعليقات