دائما ما أكرر وأقول: أن قدر الشعوب ومصيرها مرهون أكثر بقيادتها التاريخية التي تستطيع صناعة التحولات في اللحظات الفارقة، وأي شعب بلا قائد أشبه ما يكون بالقطيع مهما كانت قوة هذا الشعب أو عظمته. ومن يتأمل في مسيرة التحولات وصناعة الأحداث وبناء الشعوب والدول يجد أنها كانت رهنا بالقائد الاستثنائي ورجل المرحلة الذي يقتنص اللحظة، مثل عبدالناصر في مصر أو ماوتسي تونج في الصين أو مهاتير محمد في ماليزيا أو الملك عبدالعزيز آل سعود الذي وحد ثلثي الجزيرة العربية وقد كانت مزقا في ثماني دويلات ومشيخات وإمارات. كانت كلمة نائب رئيس الجمهورية الفريق علي محسن صالح أمس في الاحتفال بذكرى أكتوبر واحدة من تجليات اليقين الثوري وتحولات المرحلة التي يصنعها هو ومعه دولة رئيس الوزراء ومن خلفهم جميعا الشعب اليمني، وفي المقدمة جنودنا البواسل في كل رابية وسفح على امتداد ربوع الوطن الذي يعيش أوجاعا مؤلمة. كلمة حملت بين ثناياها روح العزيمة والإصرار والتحدي، وأعادت الأمل لكثير ممن أصابهم إحباط الأيام الأخيرة، خاصة وقد ربطت الكلمة معها نضالات سبتمبر الأم في الشمال التي قضت على الاستبداد والطغيان الإمامي، كما قضت أكتوبر على الاستعمار في الجنوب. كلمة النائب صرخة قوية في وجه ميليشيا الانقلاب الحوثي ـ صالح في الشمال، ودعاة الانفصال في الجنوب، منطلقة من البعد الوطني الخالص، صرخة تحمل السلاح بيد وترفع غصن السلام باليد الأخرى بروح المسؤولية والإنسانية التي تبعث على الاطمئنان؛ مشيرا إلى أن يمن المستقبل ليس كيمن الأمس، وأن المتغيرات الحالية قد فرضت يمنا اتحاديا جديدا من ستة أقاليم، قائمة على العدالة والمساواة، ومؤكدا ألا مكان للانقلابيين بين صفوف العهد الجديد من الشباب المتطلعين لبناء بلدهم، وأن مرجعيتنا في التفاوض هو القرار 2216 ولا حياد عنه. إن عظمة الإنسان مرتبطة بعظمة المكان، وأينما التقيا فهنا يولد التاريخ العظيم. كانت الكلمة من مارب التاريخ والحضارة والمدنية التي عرفتها الإنسانية في وقت مبكر، ولا تزال خلايا هذه المدنية تجري في دمائهم إلى اليوم رغم ما حل بها زمنا طويلا. كلمة وجد كل يمني فيها ذاته وهويته ودمه وأنفاسه الشبابة نضالا وكفاحا مستميتا بدم فوار لا ينضب، وعقيدة راسخة لا تتزعزع، خاصة ونحن نعيش أفراحا سبتمرية وأعيادا أكتوبرية ملحوقة بعد أسابيع قليلة بعيد الثلاثين من نوفمبر المجيد، إنها أيام الانتصارات حقا، ونأمل أن تتكلل كل الانتصارات والثورات بالانتصار النهائي على سلالة الكهنوت الإمامي البغيض الذي أحال اليمن يبابا قاحلا وقد كان نضيرا ممرعا. أدرك النائب ـ كما تشير الكلمة ـ بيت العلة ومكمن الداء، المتمثلة في المعضلة الإمامية التاريخية التي نخرت في جسد الشعب اليمني طويلا ولا تزال، فكان التشخيص سليما وموفقا وناجحا، لاسيما وهو الخبير بتفاصيلها من الداخل، وعانى كثيرا على الصعيد الشخصي وعلى الصعيد العام من هذه السلالة، فقضى أبرز رجالاته من الضباط والجنود نحبهم في مختلف الجبهات منذ تفجرت شرارة الحرب الأولى في العام 2004م، وإلى اليوم، ولا يزال كل يوم يفقد صديقا أو قائدا أو مقربا له. من ناحية ثانية.. أشارت الكلمة إلى الوحدة اليمنية الخالدة التي تعتبر قدر هذا الشعب شماله وجنوبه، تحت راية اليمن الاتحادي الجديد، وحدة المسير والمصير بروح المسؤولية، بعيدا عن أخطاء الأمس وخطاياها التي لا تتحملها الوحدة بقدر ما يتحملها الساسة جميها ومن مختلف المكونات والاتجاهات. أما دعوته المهمة للمؤتمر الشعبي العام فقد كانت إحدى الملامح الذكية والمهمة التي يجب أن نضطلع بها جميها الآن خاصة والمؤتمر الشعبي العام في حكم المخطوف من قبل عصابة صنعاء وعلى رأسها علي عبدالله صالح الذي أبى إلا أن يختتم حياته السياسية بخيانة تاريخية قضت على كل حسنة كان من الممكن أن تحسب له خلال فترة حكمه لليمن. وهي دعوة المسؤولية والإشفاق على مكون كبير وواسع بحجم المؤتمر الشعبي العام الذي نأمل جميعا أن يستعيد ذاته كاملة مشرقة خلال المرحلة القادمة، فهو حزب اليمن الأول بلا منافس، وفهي من الكوادر السياسية والعلمية والأكاديمية ما لا يوجد في أي حزب. وكل هذا في إطار الدولة الجامعة الضامنة للجميع وفق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل. وكما خاطبت الكلمة الداخل فقد خاطبت الخارج أيضا ممثلة في الشكر والتقدير للمملكة العربية السعودية وجهودها الكبيرة في دعم الشعب اليمني وبقية دول التحالف، وأيضا الشكر والتقدير لرئيس جمهورية الشقيق الذي أبدى تعاطفا صادقا مع الشعب اليمني وقضيته التاريخية. أخيرا.. الشكر والتقدير موصول لسيادته، مقدرين جهوده البناءة في استعادة الدولة المخطوفة، والشرعية المغيبة، آملين أن يكون خطاب العام القادم على منصة السبعين في صنعاء إن شاء الله، وما ذلك على الله بعزيز، وإن غدا لناظره قريب.